ثبوت شهر رمضان
يثبت دخول رمضان بأحد أمرين :
أولهما : كمال الشهر السابق عنه وهو شعبان فإذا تم
لشعبان ثلاثون يوماً ، فيوم الواحد والثلاثين هو أول يوم من رمضان قطعاً .
ثانيهما : رؤية هلاله ، فإذا رؤي هلال رمضان ليلة
الثلاثين من شعبان فقد دخل شهر رمضان ووجب صومه لقوله تعالى : ( فمن شهد منكم
الشهر فيصمه ) . وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا
رأيتموه فافطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً ) . رواه مسلم .
ويكفي في ثبوت رؤيته شهادة عدل أو عدلين إذ أجاز رسول
الله صلى الله عليه وسلم شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان . رواه أبو داود .
أما رؤية شوال للإفطار فلا تثبت إلا بشهادة عدلين ، إذ لم يجز الرسول صلى الله
عليه وسلم شهادة العدل الواحد في الافطار .رواه الطبراني والدارقطني .
تنبيه :
من رأى هلال رمضان وجب عليه أن يصوم وإن لم تقبل شهادته
، ومن رأى هلال الفطر ولم تقل شهادته لا يفطر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (
الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون ) . رواه الترمذي .
الصيام
1- تعريف الصوم :
الصوم لغة : الإمساك ، وشرعاً : الإمساك بنية التعبد عن
الأكل والشرب وغشيان النساء ، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
2- تاريخ فرضية الصوم :
فرض الله عز وجل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الصيام
كما فرضه على الأمم التي سبقتها ، بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم
الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) . وكان ذلك في يوم الاثنين من
شهر شعبان سنة اثنتين من الهجرة المباركة .
أركان الصوم وسننه ومكروهاته
أركان
الصوم ، وهي :
1 – النية ، وهي عزم القلب على الصوم امتثالاً لأمر الله عز وجل ،
أو تقرباً إليه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما العمال بالنيات ) . فإذا كان
الصوم فرضاً فالنية تجب بليل قبل الفجر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يبيت
الصيام من الليل فلا صيام له ) رواه الترمذي .وإن كان نفلاً صحت ولو بعد طلوع
الفجر ، وارتفاع النهار إن لم يكن قد طعم شيئاً ، لقول عائشة رضي الله عنه : ( دخل
علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال : ( هل عندكم شيء ؟ قلنا : لا .
قال : فإني صائم ) . رواه مسلم .
2 – الإمساك ، وهو الكف عن المفطرات من أكل وشرب وجماع .
3 – الزمان ، والمراد به النهار ، وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
فلو صام امرؤ ليلاً وأفطر نهاراً لما صح صومه أبداً ، لقوله تعالى : ( وأتموا
الصيام إلى الليل ) .
سنن الصوم ، وهي :
1 – تعجيل الفطر ، وهو الإفطار عقب تحقق غروب الشمس لقوله صلى الله
عليه وسلم : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) . رواه البخاري ومسلم . وقول
أنس رضي الله عنه : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليصلي المغرب حتى يفطر
ولو على شربة ماء ) . رواه الترمذي .
2 – كون الفطر على رطب أو تمر أو ماء ، وأفضل هذه الثلاثة أولها
وآخرها وأدناها . وهو الماء ، ويستحب أن يفطر على وتر : ثلاث أو خمس أو سبع لقول
أنس بن مالك : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن
لم تكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء ) . رواه الطبراني .
3 – الدعاء عند الإفطار إذ كان صلى الله عليه وسلم يقول عند فطره :
( اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم ) رواه أبو
داود . وكان ابن عمر يقول : ( اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي
ذنوبي ) رواه ابن ماجه .
4 – السحور ، وهو الكل والشرب في السحر آخر الليل بنية الصوم ،
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن فصل مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )
رواه مسلم . وقوله : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) رواه البخاري ومسلم .
5 – تاخير السحور إلى الجزء الأخير من الليل لقوله صلى الله عليه
وسلم : ( لا تزال أمتي بخير ماعجلوا الفطر وأخروا السحور ) رواه أحمد .
ويبتدئ وقت السحور من نصف الليل الآخر وينتهي قبل الفجر بدقائق لقول
زيد بن ثابت رضي الله عنه : ( تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام
إلى الصلاة فقلت : كم كان بين الأذان والسحور ، قال : قدر خمسين آية ) . رواه
البخاري ومسلم .
تنبيه :
من شك في طلوع الفجر له أن يأكل أو يشرب حتى يتيقن طلوع الفجر ثم
يمسك لقوله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر ) . وقد قيل لابن عباس رضي الله عنه : ( إني أتسحر فإذا شككت أمسكت ،
فقال له : كل ما شككت حتى لا تشك ) . رواه ابن أبي شيبة .
مكروهات الصوم :
يكره
للصائم أمور من شأنها الإفضاء إلى فساد الصوم ، وإن كانت في حد ذاتها لا تفسد
الصوم ، وهي :
1 – المبالغة في المضمضة والاستنشاق عند الوضوء ، لقوله صلى الله
عليه وسلم : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) رواه أصحاب السنن وابن
خزيمة . فقد كره له صلى الله عليه وسلم المبالغة في الاستنشاق خشية أن يصل إلى
جوفه شيء من الماء فيفسد صومه .
2 – القبلة ، إذ قد تثير شهوة تجر إلى إفساد الصوم بخروج أو الجماع
حيث تجب الكفارة .
3 – إدامة النظر بشهوة إلى الزوجة .
4 – الفكر في شأن الجماع .
5 – اللمس باليد للمرأة أو مباشرتها بالجسد .
6 – مضغ العلك خشية أن يتسرب بعض أجزاء منه إلى الحلق .
7 – ذوق القدر أو الطعام .
8 – المضمضة لغير وضوء أو حاجة تدعو إليها .
9 – الاكتحال في أول النهار ، ولا بأس في آخره .
10 – الحجامة أو الفصد خشية الضعف المؤدي إلى الإفطار لما في ذلك من
التغرير بالصوم .
شروط الصوم وأحكامه
أ – شروط الصوم :
يشترط في وجوب الصوم على المسلم أن يكون عاقلاً بالغاً ، لقوله صلى
الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى
يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ) . رواه أحمد وأبو داود . وإن كانت مسلمة يشترط لها
في صحة صومها أن تكون طاهرة من دم الحيض والنفاس ، لقوله صلى الله عليه وسلم في
بيان نقصان دين المرأة : ( أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم ) . رواه البخاري .
ب – المسافر :
إذا سافر المسلم مسافة قصر ، وهي ثمانية وأربعون ميلاً ، رخص له
الشارع في الفطر على أن يقضي ما أفطر فيه عند حضوره ، لقوله تعالى : ( فمن كان
مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ) . ثم هو إن كان الصوم في السفر لا يشق عليه
فصام لكان أحسن ، وإن كان يشق عليه فأفطر كان أحسن . لقول أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه : ( كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ،
ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم ، ثم يرون
أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر ، فإن ذلك
حسن ) .
ج – المريض :
إذا مرض المسلم في رمضان نظر ، فإن كان يقدر على الصوم بلا مشقة
شديدة صام ، وإن لم يقدر أفطر ، ثم إن كان يرجو البرء من مرضه فإنه ينتظر حتى
البرء ثم يقضي ما أفطر فيه ، وإن كان لا يرجى برؤه أفطر وتصدق عن كل يوم يفطره بمد
من طعام ، أي حفنة قمح ، لقوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) .
د – الشيخ الكبير :
إذا بلغ المسلم أو المسلمة سناً من الشيخوخة لا يقوى معه على الصوم
أفطر وتصدق على كل يوم يفطره بمد من طعام ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( رخص
للشيخ الكبير أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه ) . رواه الدارقطني والحاكم
.
ه – الحامل والمرضعة :
إذا كانت المسلمة حاملاً فخافت على نفسها ، أو على ما في بطنها
أفطرت ، وعند زوال العذر قضت ما أفطرته ، وإن كانت موسرة تصدقت مع كل يوم تصومه
بمد من قمح فيكون أكمل لها وأعظم اجراً .
وهكذا الحكم بالنسبة إلى المرضعة إذا خافت على نفسها ن أو على ولدها
ولم تجد من ترضعه لها ، أو لم يقبل غيرها . وهذا الحكم مستنبط من قوله تعالى : (
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) ، فإن معنى يطيقونه : يطيقونه بمشقة شديدة ،
فإن هم أفطروا وقضوا أو أطعموا مسكيناً .
تنبيهان :
1 – من فرط في قضاء رمضان بدون عذر حتى دخل عليه رمضان آخر فإن عليه
أن يطعم مكان كل يوم يقضيه مسكيناً .
2 – من مات من المسلمين وعليه صيام قضاه عنه وليه ، لقوله صلى الله
عليه وسلم : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) . رواه البخاري ومسلم . وقوله لمن
سأله قائلاً : ( إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ قال : نعم ، فدين الله
أحق أن يقضى ) . رواه البخاري ومسلم .
مباحات الصوم
يباح للصائم أمور وهي :
1 – السواك طوال النهار ، اللهم إلا ما كان من
الإمام أحمد ، فإنه كرهه للصائم بعد الزوال .
2 – التبرد بالماء من شدة الحر ، وسواء يصبه على جسده ،
أو يغمس فيه .
3 - الأكل والشرب والوطء ليلاً ، حتى يتحقق طلوع الفجر .
4 – السفر لحاجة مباحة ، وإن كان يعلم أن سفره سيلجئه
إلى الإفطار .
5 – التداوي بأي دواء حلال ، لايصل إلى جوفه منه شيء ،
ومن ذلك استعمال الإبرة إن لم تكن للتغذية .
6 – مضغ الطعام لطفل صغير لا يجد من يمضغ له طعامه الذي
لا غنى له عنه بشرط أن لا يصل إلى جوف الماضغ منه شيء .
7 – التطيب والتبخر ، وذلك لعدم ورود النهي في كل هذه عن
الشارع .
مبطلات الصوم
أ – يبطل الصوم أمور هي :
1 – وصول مائع إلى الجوف بواسطة الأنف كالسعوط ، أو
العين والأذن كالتقطير ، أو الدبر وقُبل المرأة كالحقنة .
2 – ما وصل إلى الجوف بالمبالغة في المضمضة والاستنشاق
في الوضوء وغيره .
3 – خروج المني بمداومة النظر أو إدامة الفكر أوقبلة أو
مباشرة .
4 – الاستقاء العمد ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من
استقاء عمداً فليقض ) . أما من غلبه القيء فقاء بدون اختياره فلا يفسد صومه .
5 – الأكل أو الشرب أو الوطء في حال الإكراه على ذلك .
6 – من أكل وشرب ظاناً بقاء الليل ثم تبين له طلوع الفجر
.
7 – من أكل أو شرب ظاناً دخول الليل ثم تبين له بقاء
النهار .
8 – من أكل أو شرب ناسياً ، ثم لم يمسك ظاناً أن الإمساك
غير واجب عليه مادام قد أكل وشرب فواصل الفطر إلى الليل .
9 – وصول ماليس بطعام أو شراب إلى الجوف بواسطة الفم
كابتلاع جوهرة أو خيط لما روي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( الصوم لما دخل
وليس لما خرج ) .رواه ابن أبي شيبة . يريد رضي الله عنه بهذا أن الصوم يفسد بما
يدخل في الجوف لا بما يخرج كالدم والقيء .
10 – رفض نية الصوم ولو لم يأكل أو يشرب إن كان غير
متأول للإفطار وإلا فلا .
11 – الردة عن الإسلام إن عاد إليه ، لقوله تعالى : (
لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) .
وهذه المبطلات كلها تفسد الصوم وتوجب قضاء اليوم الذي
فسد بها غير أنها لا كفارة فيها ، إذ الكفارة لا تجب إلا مع مبطلين وهما :
1 – الجماع العمد من غير إكراه : لقول أبي هريرة رضي
الله عنه : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يارسول الله ، قال
: ما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان . فقال : هل تجد ما تعتق رقبة ، قال
: لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال لا، قال : فهل تجد ما تطعم
ستين مسكيناً ؟ قال لا ، ثم جلس ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر ،
فقال : خذ تصدق بهذا ، قال : فهل على أفقر منا ، فوالله مابين لابتيها أهل بيت
أحوج إليه منا ؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : ( إذهب
فأطعمه أهلك ) . رواه البخاري ومسلم .
2 – الأكل أو الشرب بلا عذر مبيح : عند أبي حنيفة ومالك
رحمهما الله ، ودليلهما : أن رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره النبي صلى الله عليه
وسلم : ( أن يكفر ) . رواه مالك . وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( جاء رجل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أفطرت يوماً في رمضان متعمداً ، فقال صلى
الله عليه وسلم : ( إعتق رقبة ، أو صم شهرين متتابعين ، أو أطعم ستين مسكيناً ) .
رواه البخاري
ومسلم .