فضل حفظ القرآن عن ظهر قلب
وإذا ثبتت الفضيلة لقارئ القرآن فلا شك أن حفظ القرآن عن ظهر قلب أعلى مرتبة وأشرف منزلة ، لأن القرآن قد استقر في قلب حافظه ، يقرؤه في كل مكان وزمان لا يشعر من حوله بقراءته ، فيسلم بإذن الله من الوقوع في الرياء ، أسأل الله أن يعيذني وإياكم من الشرك صغيره وكبيره ، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة . . . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب .
وانظر حفظك الله إلى هذا التمثيل البالغ في الدقة ، فالبيت الخرب الذي لا يسكنه أحد يكون مأوى لكل شر ، فهو محل آمن لارتكاب الجريمة أيًّا كان نوعها ، وهو كذلك مأوى للكلاب والحيوانات الهاملة تأوي إليه وتقذره ، ومأوى للجن والشياطين ، فليحذر كل مؤمن عاقل أن يجعل قلبه كالبيت الخرب ، وعليه أن يبذل جهده لحفظ كتاب الله أو شيء منه ، فحفظ القرآن يرفع مكانة صاحبه في الدنيا والآخرة ، ومن الأدلة على ذلك بالإضافة إلى ما سبق ما أخرجه الشيخان : عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله ، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها ، فقال له : " هل عندك من شيء؟ " فقال : لا والله يا رسول الله ، قال : " اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا : " فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئًا : قال : " انظر ولو خاتمًا من حديد" ، فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ، ولا خاتمًا من حديد ، ولكن هذا إزاري- قال سهل : ما له رداء - فلها نصفه ، فقال رسول صلى الله عليه وسلم : "ما تصنع بإزارك "؟ إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبسته لم يكن عليك شيء" فجلس الرجل حتى طال مجلسه ، ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليًا فأمر به فدعي ، فلما جاء قال : "ماذا معك من القرآن" قال : معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا عدها ، قال : "أتقرؤهن عن ظهر قلب؟ " قال : نعم ، قال : "اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن" . .
وابن كثير رحمه الله عند إيراده لحديث : خذوا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب ، قال : (وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وسالم هذا هو مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما) .