السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
من محاضره الاستاذ عمرو خالدوصايا لقمان لابنهك
أولويات وصايا لقمان:
ونستكمل الآيات "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" (لقمان13) فتوجد أولويات لتربية الأبناء مثل:
1. معرفة وحُب الله، أول شيء ستغرسه في أولادك حُب الله... كيف؟ نحن جميعاً نعمل بشكلٍ نظري، ولكن علمتنا الآيات شيئين: شيء نظري، وشيء عملي، فالنظري مثل "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" والعملي بعدها بآيتين "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير" " فبينما كان لقمان يمشي مع ابنه في الطريق، رأوا حبةٍ من خردل، ليس لها أي قيمة، فألقاها بين الصخور، وقال له:"إن الله تعالي مُطلع عليها" فلقمان يُعلم ابنه اسم الله الرقيب، والسميع، والعليم، وذلك من خلال شيء عملي. لذا فأنت مُطالب بأن تغرس حُب ِالله، ومعرفة عظمته في ابنك، وذلك عندما يبلغ من العمر خمس سنوات، ثم تطبقها عملياً، يا أيها الآباء والأمهات، كيف يصلي ابنك ويتقرب من الله وهو يراك على خلاف ذلك؟!! فتخيل ابنك استيقظ من النوم؛ لكي يشرب، ورأى والده يُصلي الفجر، فإنها أقوى موعظة عن الصلاة، وأكثر من ألف درس موعظة للصلاة، أعلمت كيف تغرس معرفة وعظمة الله في ابنك؟ بالكلام النظري، وبالتطبيقات العملية.
2. بر الوالدين، إنها ثاني وصية " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ...." (لقمان14) فأول وصية وصاها لقمان لابنه أثناء حديثه عن بِر الوالدين، وصيته عن أمه، فيا حبذا عندما يراك ابنك تتحدث عن أمه بكلامٍ طيب، فيا أيها الآباء والأمهات لا تظهِروا مشاكلكم أمام أبناءكم؛ لإنك تعاقبه، تؤذيه، وتحطمه، فأكبر كارثة عندما يتشاجر الأب والأم، وكلاً منهما يتحدث مع ابنه عن الطرف الثاني. اسعد كثيراً عندما أرى أم مطلقة وهي تتحدث عن زوجها السابق أمام ابنها بطريقة جيدة، فإن تحدثت عنه بكلام سيء فإنها تعاقب، وتحطم، وتؤذي ابنها من داخله، وإنني لأحزن كثيراً عندما أرى أماً تشاجرت مع زوجها فتحرمه من رؤية ابنه، أو أباً يحرم أماً من رؤية ابنها، فعندما تحدث لقمان عن بِر الوالدين، تحدث عن الأم والأب، ثم تحدث عن الأم، وذكر كيف أنها تتعب من أجل ابنها، وكيف حملته في بطنها وهناً على وهن، فيا أيها الآباء والأمهات، قصة لقمان تهدف لتعليمكم كيفية تربية الأبناء، فحذاري الابتذاذ العاطفي، فمثلاً يقول الأب لابنه:" سأعطيك هذا، لكن افعل مع أمك هذا" أو عندما يخطئ الابن في حق أمه ولا يفعل الأب له شيئاً، أما إذا أخطأ في حقه فيعاقبه، والعكس صحيح، يُعلمنا لقمان درس مهم جداً ألا وهو أن يكبر الأب الأم في عين أولادها، وأنتِ تكبرَ الأم الأب في عين أولاده.
وسأتحدث الآن مع الأبناء في بر الوالدين، كيف حالكم مع الوالدين؟ "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..."(العنكبوت ، يقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ :" احفظ ودْ أبيك، لا تقطعه، فيُطفىء الله نورك"، ولم يقل النبي احفظ صلة أبيك، ولكنه قال وده وقم بإرضائه، وإلا فلن تشعر بحلاوة الدنيا، ويقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ :"من أَحدْ النظر لوالديه، فأنا برىء منه يوم القيامة" فمن نظر إلى أمه وأبيه بنظرة غيظ وغل وضيق، فالله برئ منه، فإياك وجرح قلوبهم، وإياك! والكذب عليهم، أو أن تفعل شيء دون علمهم، يُحكى أنه كان في زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ شاب يسمى علقمة، كان كثير الاجتهاد في طاعة الله، وفي الصلاة، والصوم، والصدقة، فمرض واشتد مرضه، فأرسلت امرأته إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ :" إن زوجي علقمة في النزاع فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله" . فأرسل النبي _صلى الله عليه وسلم_: عماراً وصهيباً وبلالاً وقال امضوا إليه ولقنوه الشهادة، فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع الأخير، فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، ولسانه لا ينطق بها، فأرسلوا إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يخبرونه أن لسانه لا ينطق بالشهادة فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" هل من أبويه أحد حيّ ؟"، قيل:" يا رسول الله أم كبيرة السن" فأرسل إليها رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ حتى أتت، فسلَّمت فردَّ عليها السلام وقال:" يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى، كيف كان حال ولدك علقمة؟" قالت :" يارسول الله كثير الصلاة، كثير الصيام، كثير الصدقة". قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:" فما حالك؟" قالت:" يارسول الله أنا عليه ساخطة"، قال:"ولما ؟ "، قالت:" يا رسول الله كان يؤثر علىَّ زوجته، ويعصيني" فقال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_: "إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة، ثم قال:" يا بلال انطلق واجمع لي حطباً كثيراً"، قالت الأم: يا رسول الله وما تصنع؟ قال :"أحرقه بالنار بين يديك". قالت:"يا رسول الله إنه ولدي ولا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي". قال:" يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى، فإن سَرك أن يغفر الله له فارضى عنه، فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته مادمت عليه ساخطة"، فقالت:" يا رسول الله إني أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة". فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "انطلق يا بلال إليه، فانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني"، فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول:" لا إله إلا الله" . أرأيتم ماذا حدث لعلقمة؟ فإنه لم ينطق بالشهادة؛ لأنه كان يأخذ لامرأته الفاكهة الطيبة، ويعطي لأمه الفاكهة السيئة، فكُسر قلب أمه، يا ترى كيف كسرت أنت قلب أمك؟ أتتذكر عندما طلبتك على الهاتف وأغلقته كي لا ترد عليها وجعلتها تبحث عنك طيلة اليوم؟ أم تتذكر عندما أغلقت الباب في وجهها؟ فإياك وكسرة القلب.
فيا أيها شباب "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..." فالتعلموا أن أكثر وصية أخذت وقت، هي وصية بر الوالدين. فكل الوصايا كلمة أو كلمتين، ولكن وصية بِرالوالدين آيتين كبيرتين، يقول النبي_ صلى الله عليه وسلم_:" ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه......" بمعنى أن الله لا يكلمك ولا يزكيك إذا عققت والديك. يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : "لا يدخل الجنة عاق، حتى يقضى بين الخلائق" لذا فآخر من سيحاسب العاق لوالديه. ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_:"واخفض لهما جناح الذُل من الرحمة...." فهل من أحد الآن دخل عليه رمضان وهو عاق لوالديه؟!! أتعلمون لماذا قال جناح الذُل؟ فهل الذُل له جناح؟!! أتعلمون عندما تتشاجر الطيور، كيف يستسلم الطائر لوقف المعركة؟ يفرد الطائر جناحيه، وينزلهما إلى الأرض، ويخفض جسمه، وهذا معناه أنه استسلم. فالله تعالى يقول لك هل تستطيع أن تفعل مثل ما فعل هذا الطير؟ هل تستطيع أن تقبل يد أمك، وتقول لها ادعي لي؟ هل تُعاندها؟ إياك والعناد مع والديك. أعرف رجل سوري متزوج امرأة تشيكية، رأيت ابنتهم –أثناء خروجهم من المحل- ذاهبة لأبيها لتقول له:" انتظر يا أبي" فنزلت أمام جميع الناس؛ لكي تربط حذاء والدها. فصاحب أمك "...وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً .." ما معنى أن تصاحبهما؟ أتعلمون الرجل الذي جاء للنبي وقال له:" يا رسول الله، من أحق الناس بحُسن صحابتي؟"، فقال رسول الله:" أمك". فقال له:" ثم من؟" قال :" أمك" فالرجل يريد أن يعرف أحداً آخر، فقال له:"ثم من؟"، قال :" أمك" فقال:" يا رسول الله علمت أنها أمي، ولكن من بعد أمي؟"، قال:" أبوك". فهل أنت مصاحب لوالديك؟ أم صديق أصحابك والكمبيوتر والمحادثة على الانترنت ، ولا تتحدث مع والديك، وليس لك علاقة بهم؟!! فلقمان يذكر ابنه بذكريات الماضي مع أمه عندما حملته وهناً على وهن، فإذا أردت أن يُحن قلبك على أمك، تذكر أيام الماضي عندما كانت تحملك في بطنها، ونقص من جسمها الحديد والكالسيوم؛ لكي تُغذيك وهي سعيدة بذلك. وكانت لديها أحلام كثيرة جداً مثلك الآن، ولكنها تنازلت عنهم بسببك، ولذلك الآيات تُذكرك بالماضي " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"(لقمان14).
3. إقامة العبادة، تجعل ابنك يصلي" أَقِمِ الصَّلَاةَ...."
4. الإيجابية في الحياة، "... وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" فانزل وأصلْح في الأرض، واصبر على أي شيء يُصيبك، واسعى في الدنيا، واعمل في الصيف، واختلط بالناس، وكن إيجابياً.
5. الأخلاق، "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ..." فلا تتكبرعلى أحدٍ، ما معنى تُصعر؟! كان الصُعار مرض يُصيب الإبل، فتتلوي عُنقها، ولا تستطيع أن تُرجعها مرة أخرى. ولا تمشي في الارض مرحاً" وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور"ٍ فكن متواضعاً، ولا تتكبر على الفقراء.
6. اجعل لك هدف في حياتك، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ.." اجعل لحركاتك قصداً وهدفاً ومُراداً.
7. الأدب والذوق، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير"ِ تحرك بروية، واخفض من صوتك، وتعلم الآداب والذوقيات.
كلمة للآباء والأمهات:
هذه وصايا لقمان لابنه، ولكن هناك كلمة أخيرة أريد أن أقولها للآباء والأمهات، أرأيتم لقمان كيف يتحدث مع ابنه؟ تحدث معه بلغة العاطفة، ففي جميع الوصايا كان يقول له: "يا بني". فأين لغة العاطفة يا آباءَ؟ ابنك وابنتك بحاجة إلى الحب والحنان خاصة البنات، فإذا كانت لا ترى هذا الحب في البيت، فأخشى أن تبحث عنه خارج البيت. فمثلاً بدلا من أن تقول لها:" ستكوني فاشلة إن فعلتِ كذا وكذا " أو " ستموتين كلما قدت السيارة بهذه السرعة ". فبذلك ستفشل حقاً، ولكنك استخدمت لغة العقل. فهل من الممكن أن تضع لغة العاطفة قبل لغة العقل؟ مهما كنت أيها الأب شديداً. يقول الشباب للآباء:" إلمس قلبي؛ كي أسمعك، ومُر من قلبي على عقلي؛ كي أفهمك". الشباب يُريد من يكلم قلبه، يا آباء قبل أن يعظ لقمان ابنه قال له:" يا بني" هذه ليست كلمة عابرة، ولكنها أحاسيسُ، وحبُ، وحنانُ، وعاطفةُ، عبر عنها بكلمة (يا بُني). وكان النبي_ صلى الله عليه وسلم_ لا يعِظ أحداً، إلا وجه له لفتة عاطفية، فعندما أراد نصح معاذ بن جبل قال له بعد أن أخذ بيده ومشى به: " إني أحبك، فلا تنسى أن تقول بعد كل صلاة، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". أرأيتم كيف استخدم أولاً لغة العاطفة؟ أمسك بيديه وقال له أنا احبك، وبعد ذلك وعظه. مثال آخر: كان ابن عباس رجل شديد الذكاء يقول:" ضمني رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إليه وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" فرسول الله يريد أن يقول له اعمل وتعلم، لكن أرأيت طريقته في حديثه مع ابن عباس؟ أعرف قصة حدثت لبنت مسلمة بكستانية اسمها لينا، تعمل في رعاية الأسر التي لديها مشكلات مع المخدرات في إنجلترا، جاءت لها أم وقالت لها:" ابني مدمن مخدرات منذ أكثر من 15 عاماً، وأريد أن أطرده من البيت؛ لأنه سيدمر إخوته، وأنه مُقذذ، و... و...." فقالت لها لينا:" متى ذكرتي له إنكِ تحبيه؟" فقالت لها:" هذا شخص مُقذذ، كيف أقول له أني أحبك؟!! أنا لا أستطيع أن أقولها". فقالت لينا:" هل من الممكن أن تعودي إلى بيتك وتحبينه من قلبك بصدق؟". وبعد أسبوع عادت الأم إلى لينا وقالت لها:" عندما عدت إلى البيت، جلست مع ابني على المنضدة واستحضرت نيتي، وضغطت على نفسي، وصدقت النية مع الله" فقال ابني:" ما بكِ؟" أحدث شيء؟" فنطرت إليه وقلت له:"أنا احبك؛ لأنك ابني، ومهما فعلت أنا احبك." فبكى ابني المُدمن، وبكيت وضميته إلى صدري. وقرر الابن أن يبدأ بالعلاج".
أنا انتهيت من القصة، وأسال الله تعالى أن يفتح علينا، ويحفظ أبناءنا وآباءنا.
لله الحمد من قبل ومن بعد
اللهم ارزقنا ليله القدر
من محاضره الاستاذ عمرو خالدوصايا لقمان لابنهك
أولويات وصايا لقمان:
ونستكمل الآيات "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" (لقمان13) فتوجد أولويات لتربية الأبناء مثل:
1. معرفة وحُب الله، أول شيء ستغرسه في أولادك حُب الله... كيف؟ نحن جميعاً نعمل بشكلٍ نظري، ولكن علمتنا الآيات شيئين: شيء نظري، وشيء عملي، فالنظري مثل "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" والعملي بعدها بآيتين "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير" " فبينما كان لقمان يمشي مع ابنه في الطريق، رأوا حبةٍ من خردل، ليس لها أي قيمة، فألقاها بين الصخور، وقال له:"إن الله تعالي مُطلع عليها" فلقمان يُعلم ابنه اسم الله الرقيب، والسميع، والعليم، وذلك من خلال شيء عملي. لذا فأنت مُطالب بأن تغرس حُب ِالله، ومعرفة عظمته في ابنك، وذلك عندما يبلغ من العمر خمس سنوات، ثم تطبقها عملياً، يا أيها الآباء والأمهات، كيف يصلي ابنك ويتقرب من الله وهو يراك على خلاف ذلك؟!! فتخيل ابنك استيقظ من النوم؛ لكي يشرب، ورأى والده يُصلي الفجر، فإنها أقوى موعظة عن الصلاة، وأكثر من ألف درس موعظة للصلاة، أعلمت كيف تغرس معرفة وعظمة الله في ابنك؟ بالكلام النظري، وبالتطبيقات العملية.
2. بر الوالدين، إنها ثاني وصية " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ...." (لقمان14) فأول وصية وصاها لقمان لابنه أثناء حديثه عن بِر الوالدين، وصيته عن أمه، فيا حبذا عندما يراك ابنك تتحدث عن أمه بكلامٍ طيب، فيا أيها الآباء والأمهات لا تظهِروا مشاكلكم أمام أبناءكم؛ لإنك تعاقبه، تؤذيه، وتحطمه، فأكبر كارثة عندما يتشاجر الأب والأم، وكلاً منهما يتحدث مع ابنه عن الطرف الثاني. اسعد كثيراً عندما أرى أم مطلقة وهي تتحدث عن زوجها السابق أمام ابنها بطريقة جيدة، فإن تحدثت عنه بكلام سيء فإنها تعاقب، وتحطم، وتؤذي ابنها من داخله، وإنني لأحزن كثيراً عندما أرى أماً تشاجرت مع زوجها فتحرمه من رؤية ابنه، أو أباً يحرم أماً من رؤية ابنها، فعندما تحدث لقمان عن بِر الوالدين، تحدث عن الأم والأب، ثم تحدث عن الأم، وذكر كيف أنها تتعب من أجل ابنها، وكيف حملته في بطنها وهناً على وهن، فيا أيها الآباء والأمهات، قصة لقمان تهدف لتعليمكم كيفية تربية الأبناء، فحذاري الابتذاذ العاطفي، فمثلاً يقول الأب لابنه:" سأعطيك هذا، لكن افعل مع أمك هذا" أو عندما يخطئ الابن في حق أمه ولا يفعل الأب له شيئاً، أما إذا أخطأ في حقه فيعاقبه، والعكس صحيح، يُعلمنا لقمان درس مهم جداً ألا وهو أن يكبر الأب الأم في عين أولادها، وأنتِ تكبرَ الأم الأب في عين أولاده.
وسأتحدث الآن مع الأبناء في بر الوالدين، كيف حالكم مع الوالدين؟ "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..."(العنكبوت ، يقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ :" احفظ ودْ أبيك، لا تقطعه، فيُطفىء الله نورك"، ولم يقل النبي احفظ صلة أبيك، ولكنه قال وده وقم بإرضائه، وإلا فلن تشعر بحلاوة الدنيا، ويقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ :"من أَحدْ النظر لوالديه، فأنا برىء منه يوم القيامة" فمن نظر إلى أمه وأبيه بنظرة غيظ وغل وضيق، فالله برئ منه، فإياك وجرح قلوبهم، وإياك! والكذب عليهم، أو أن تفعل شيء دون علمهم، يُحكى أنه كان في زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ شاب يسمى علقمة، كان كثير الاجتهاد في طاعة الله، وفي الصلاة، والصوم، والصدقة، فمرض واشتد مرضه، فأرسلت امرأته إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ :" إن زوجي علقمة في النزاع فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله" . فأرسل النبي _صلى الله عليه وسلم_: عماراً وصهيباً وبلالاً وقال امضوا إليه ولقنوه الشهادة، فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع الأخير، فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، ولسانه لا ينطق بها، فأرسلوا إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يخبرونه أن لسانه لا ينطق بالشهادة فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" هل من أبويه أحد حيّ ؟"، قيل:" يا رسول الله أم كبيرة السن" فأرسل إليها رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ حتى أتت، فسلَّمت فردَّ عليها السلام وقال:" يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى، كيف كان حال ولدك علقمة؟" قالت :" يارسول الله كثير الصلاة، كثير الصيام، كثير الصدقة". قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:" فما حالك؟" قالت:" يارسول الله أنا عليه ساخطة"، قال:"ولما ؟ "، قالت:" يا رسول الله كان يؤثر علىَّ زوجته، ويعصيني" فقال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_: "إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة، ثم قال:" يا بلال انطلق واجمع لي حطباً كثيراً"، قالت الأم: يا رسول الله وما تصنع؟ قال :"أحرقه بالنار بين يديك". قالت:"يا رسول الله إنه ولدي ولا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي". قال:" يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى، فإن سَرك أن يغفر الله له فارضى عنه، فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته مادمت عليه ساخطة"، فقالت:" يا رسول الله إني أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة". فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "انطلق يا بلال إليه، فانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني"، فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول:" لا إله إلا الله" . أرأيتم ماذا حدث لعلقمة؟ فإنه لم ينطق بالشهادة؛ لأنه كان يأخذ لامرأته الفاكهة الطيبة، ويعطي لأمه الفاكهة السيئة، فكُسر قلب أمه، يا ترى كيف كسرت أنت قلب أمك؟ أتتذكر عندما طلبتك على الهاتف وأغلقته كي لا ترد عليها وجعلتها تبحث عنك طيلة اليوم؟ أم تتذكر عندما أغلقت الباب في وجهها؟ فإياك وكسرة القلب.
فيا أيها شباب "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..." فالتعلموا أن أكثر وصية أخذت وقت، هي وصية بر الوالدين. فكل الوصايا كلمة أو كلمتين، ولكن وصية بِرالوالدين آيتين كبيرتين، يقول النبي_ صلى الله عليه وسلم_:" ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه......" بمعنى أن الله لا يكلمك ولا يزكيك إذا عققت والديك. يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : "لا يدخل الجنة عاق، حتى يقضى بين الخلائق" لذا فآخر من سيحاسب العاق لوالديه. ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_:"واخفض لهما جناح الذُل من الرحمة...." فهل من أحد الآن دخل عليه رمضان وهو عاق لوالديه؟!! أتعلمون لماذا قال جناح الذُل؟ فهل الذُل له جناح؟!! أتعلمون عندما تتشاجر الطيور، كيف يستسلم الطائر لوقف المعركة؟ يفرد الطائر جناحيه، وينزلهما إلى الأرض، ويخفض جسمه، وهذا معناه أنه استسلم. فالله تعالى يقول لك هل تستطيع أن تفعل مثل ما فعل هذا الطير؟ هل تستطيع أن تقبل يد أمك، وتقول لها ادعي لي؟ هل تُعاندها؟ إياك والعناد مع والديك. أعرف رجل سوري متزوج امرأة تشيكية، رأيت ابنتهم –أثناء خروجهم من المحل- ذاهبة لأبيها لتقول له:" انتظر يا أبي" فنزلت أمام جميع الناس؛ لكي تربط حذاء والدها. فصاحب أمك "...وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً .." ما معنى أن تصاحبهما؟ أتعلمون الرجل الذي جاء للنبي وقال له:" يا رسول الله، من أحق الناس بحُسن صحابتي؟"، فقال رسول الله:" أمك". فقال له:" ثم من؟" قال :" أمك" فالرجل يريد أن يعرف أحداً آخر، فقال له:"ثم من؟"، قال :" أمك" فقال:" يا رسول الله علمت أنها أمي، ولكن من بعد أمي؟"، قال:" أبوك". فهل أنت مصاحب لوالديك؟ أم صديق أصحابك والكمبيوتر والمحادثة على الانترنت ، ولا تتحدث مع والديك، وليس لك علاقة بهم؟!! فلقمان يذكر ابنه بذكريات الماضي مع أمه عندما حملته وهناً على وهن، فإذا أردت أن يُحن قلبك على أمك، تذكر أيام الماضي عندما كانت تحملك في بطنها، ونقص من جسمها الحديد والكالسيوم؛ لكي تُغذيك وهي سعيدة بذلك. وكانت لديها أحلام كثيرة جداً مثلك الآن، ولكنها تنازلت عنهم بسببك، ولذلك الآيات تُذكرك بالماضي " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"(لقمان14).
3. إقامة العبادة، تجعل ابنك يصلي" أَقِمِ الصَّلَاةَ...."
4. الإيجابية في الحياة، "... وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" فانزل وأصلْح في الأرض، واصبر على أي شيء يُصيبك، واسعى في الدنيا، واعمل في الصيف، واختلط بالناس، وكن إيجابياً.
5. الأخلاق، "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ..." فلا تتكبرعلى أحدٍ، ما معنى تُصعر؟! كان الصُعار مرض يُصيب الإبل، فتتلوي عُنقها، ولا تستطيع أن تُرجعها مرة أخرى. ولا تمشي في الارض مرحاً" وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور"ٍ فكن متواضعاً، ولا تتكبر على الفقراء.
6. اجعل لك هدف في حياتك، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ.." اجعل لحركاتك قصداً وهدفاً ومُراداً.
7. الأدب والذوق، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير"ِ تحرك بروية، واخفض من صوتك، وتعلم الآداب والذوقيات.
كلمة للآباء والأمهات:
هذه وصايا لقمان لابنه، ولكن هناك كلمة أخيرة أريد أن أقولها للآباء والأمهات، أرأيتم لقمان كيف يتحدث مع ابنه؟ تحدث معه بلغة العاطفة، ففي جميع الوصايا كان يقول له: "يا بني". فأين لغة العاطفة يا آباءَ؟ ابنك وابنتك بحاجة إلى الحب والحنان خاصة البنات، فإذا كانت لا ترى هذا الحب في البيت، فأخشى أن تبحث عنه خارج البيت. فمثلاً بدلا من أن تقول لها:" ستكوني فاشلة إن فعلتِ كذا وكذا " أو " ستموتين كلما قدت السيارة بهذه السرعة ". فبذلك ستفشل حقاً، ولكنك استخدمت لغة العقل. فهل من الممكن أن تضع لغة العاطفة قبل لغة العقل؟ مهما كنت أيها الأب شديداً. يقول الشباب للآباء:" إلمس قلبي؛ كي أسمعك، ومُر من قلبي على عقلي؛ كي أفهمك". الشباب يُريد من يكلم قلبه، يا آباء قبل أن يعظ لقمان ابنه قال له:" يا بني" هذه ليست كلمة عابرة، ولكنها أحاسيسُ، وحبُ، وحنانُ، وعاطفةُ، عبر عنها بكلمة (يا بُني). وكان النبي_ صلى الله عليه وسلم_ لا يعِظ أحداً، إلا وجه له لفتة عاطفية، فعندما أراد نصح معاذ بن جبل قال له بعد أن أخذ بيده ومشى به: " إني أحبك، فلا تنسى أن تقول بعد كل صلاة، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". أرأيتم كيف استخدم أولاً لغة العاطفة؟ أمسك بيديه وقال له أنا احبك، وبعد ذلك وعظه. مثال آخر: كان ابن عباس رجل شديد الذكاء يقول:" ضمني رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إليه وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" فرسول الله يريد أن يقول له اعمل وتعلم، لكن أرأيت طريقته في حديثه مع ابن عباس؟ أعرف قصة حدثت لبنت مسلمة بكستانية اسمها لينا، تعمل في رعاية الأسر التي لديها مشكلات مع المخدرات في إنجلترا، جاءت لها أم وقالت لها:" ابني مدمن مخدرات منذ أكثر من 15 عاماً، وأريد أن أطرده من البيت؛ لأنه سيدمر إخوته، وأنه مُقذذ، و... و...." فقالت لها لينا:" متى ذكرتي له إنكِ تحبيه؟" فقالت لها:" هذا شخص مُقذذ، كيف أقول له أني أحبك؟!! أنا لا أستطيع أن أقولها". فقالت لينا:" هل من الممكن أن تعودي إلى بيتك وتحبينه من قلبك بصدق؟". وبعد أسبوع عادت الأم إلى لينا وقالت لها:" عندما عدت إلى البيت، جلست مع ابني على المنضدة واستحضرت نيتي، وضغطت على نفسي، وصدقت النية مع الله" فقال ابني:" ما بكِ؟" أحدث شيء؟" فنطرت إليه وقلت له:"أنا احبك؛ لأنك ابني، ومهما فعلت أنا احبك." فبكى ابني المُدمن، وبكيت وضميته إلى صدري. وقرر الابن أن يبدأ بالعلاج".
أنا انتهيت من القصة، وأسال الله تعالى أن يفتح علينا، ويحفظ أبناءنا وآباءنا.
لله الحمد من قبل ومن بعد
اللهم ارزقنا ليله القدر