السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول الرسول : { لتنقضن عرى الإيمان عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة }.
فالصلاة هي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات وهي أول ما يحاسب عليه العبد وهي آخر وصية أوصى بها رسول الله أمته عند موته فقال: { الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم } وهي آخر مايفقد من الدين فإن ضاعت ضاع الدين كله.
فالصلاة شرط أساسي للهداية والتقوى فقال تعالى: ألم (1) ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين فمنهم هؤلاء المتقين قال: الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون .
وحينما ذكر الله سبحانه وتعالى أصحاب الأخلاق الذميمة في قوله: إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعاً إستثنى الله تعالى منهم المحافظين على الصلاة فقال: إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون .
وقد حذر سبحانه وتعالى من إضاعة الصلاة وتوعد مضيعها بالعذاب الشديد فقال تعالى: فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا . والغي: هو واد في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر جعله الله لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات.
فسعيد بن المسيب من شدة حرصه على الصلاة حافظ على دخول المسجد قبل الأذان لمدة تزيد عن 40 سنه. وقد قال النبي : {ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ } قالوا: بلى يارسول الله. قال: { إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذالكم الرباط فذالكم الرباط }.
أما في زماننا فلا يحلوا للبعض النوم إلا في وقت الصلاة والبعض يسمع صوت المنبه للصلاة ولكن لايستيقظ، وأخرون يوقظون للصلاة ولا يستجيبون ولكن لو سمعوا بأن لصا في البيت أو أن صافرة الأنذار انطلقت لرأيت سرعة الإنتباه وقوة الوثبة.
-فالمؤمن الحق هو المؤمن السريع الاستجابة لأمر الله ماستطاع إلى ذالك سبيلا. فقد قال تعالى: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا . فالمؤمن إذا استجاب لأمر ربه تبارك وتعالى وامتثل أوامره. فإن الله تعالى يلقي في نفسه الراحة والاطمئنان. ولا يلزم أن يعلم عن الحكمة من مشروعية بعض النواهي التي نهى الله عنها. فقد تكون الحكمة عن النواهي معلومة، وقد تكون غير معلومة ولكن ليكن شعار المؤمن ( سمعنا وأطعنا ). والله تعالى يقول: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا . وقال سبحانه: ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فسيظهر معنى الاستجابة لأمر الله تعالى في قول النبي : { إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها } قال تعالى: ياأيها الذين آمنوا لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها .
وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم مثلا رائعا في الطاعة وعدم السؤال عما لايهم. فقد قال النبي إن الله يضحك) فلم يسأل الصحابة رضي الله عنهم عن كيفية الضحك. وهل ضحكه سبحانه وتعالى مثل ضحك المخلوقين؟ لم يسألوا عن هذا أبداً. بل قالوالانعدم الخير من رب يضحك)
فالصلاة أمرها عظيم جدا. يقول أبو بكر بن عبدالله المزني: ( من مثلك يا ابن آدم، خلي بينك وبين الماء والمحراب متى شئت تطهرت ودخلت على ربك عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان ولاحاجب ). فالسلف أعطوا الصلاة حقها وأنزلوها منزلتها ولذلك كانت عندهم المقياس الأول كما أكد ذلك عمربن الخطاب بقوله: ( إذا رأيت الرجل يضيع من الصلاة هو و الله لغيرها أشد تضييعا ). ويقول أحدهم: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام فأول ماأتفقد من أمره صلاته فإن وجدته يقيمها ويتمها أقمت وسمعت منه. وإن وجدته يضيعها رجعت ولم أسمع منه وقلت: هو لغير الصلاة أضيع.
وكان سعيد بن عبدالعزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى ولم تكن صلاة الجماعة تعدل عندهم شيئا من امور الدنيا التي نلهث وراءها وربما نؤخر الصلاة من أجل الدنيا. وقد جاء أحد السلف الصالح إلى المسجد فقيل له: إن الناس قد انصرفوا فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لفضل هذه الصلاة أحب إلي من ولاية العراق.
والبعض منا يفوت صلاة الجماعة لأمر بسيط وشغل قليل من امور الدنيا لايعد شيئا يذكر، فما بالك بولاية العراق؟!!
وقد لايكتب للرجل من صلاته إلا بعضها كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: { إن الرجل لينصرف ماكتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها } لماذا? لأنه لم يأتي بأركان الصلاة وواجباتها وسننها ومستحباتها على الوجه الأكمل.
وقد قال عمر بن الخطاب على المنبر: ( إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة ). قيل: وكيف ذلك؟ قال: ( لايتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عز وجل ). هذا قول عمربن الخطاب في صدر الإسلام فماذا عن واقعنا نحن اليوم! والكثير إلا من رحم الله تذهب به أموال الدنيا وأسواقها يبيع ويشتر ويزيد وينقص وهو في الصلاة وما ذلك إلامن غفلتنا.
يقول الشيخ عبدالرحمن الدوسري رحمه الله تعالى في تفسير سورة البقرة في قوله تعالى: ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة قد أظهر الطب الحديث فائدة للصلاة، وهي أن الدماغ ينتفع انتفاعا كبيرا بالصلاة ذات الخشوع وهذا من الأدلة التي تبين سبب قوة تفكير الصحابة رضي الله عنهم وسلامة عقولهم ونفوذ بصيرتهم.
ثم قال رحمه الله تعالى: إن في الصلاة علاجا شافيا من أمراض اجتماعية فتكت بالناس وهي الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وقهر الرجال. وذلك أن هذه الثمانية التي تعوذ منها النبي مقسمة إلى أزواج، وكل زوجين منها قريبان ومترادفان من بعض. فالهم والحزن إخوان، والعجز والكسل إخوان، والجبن والبخل إخوان، وضلع الدين وقهر الرجال إخوان.
فالمكروه المؤلم إذا ورد على القلب فإما أن يكون سببه ماضيا أومستقبلا:
- فان كان ماضيا أوجب له الحزن، وان كان مستقبلا أوجب له الهم.
- وتفويت المصالح على الإنسان أو تخلفه عن تحقيقها بالسعي والطلب إما أن يكون من عدم الإرادة فهو الكسل.
- وحبس الخير عن الغير إما أن يكون بالنفس والبدن فهو الجبن وإما إن يكون بالمال فهذا هو البخل.
- وقهر الرجال إما أن يكون بحق فهو غلبة الدين، وإما أن يكون بباطل فهو قهر الرجال. والمصلي الصحيح الذي يقيم الصلاة بكامل حق إقامتها ينجيه الله من ذلك كله.
فالله تعالى يقول: واستعينوا بالصبر والصلاة فجمع الله بين الصبر الذي يستعان به على تحمل المشاق والمكاره، وبين الصلاة التي توطن النفس وتروضها وتصلها بربها، وتبعث الراحة والطمأنينة. وقال النبي : { أرحنا بها يا بلال } فمن لم يجد راحته وهو يصلي فأين يجدها؟
وأما عن صلاة الفجر فحدث ولاحرج قل من يشهد صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد وأصبحت ثقيلة إلا على من رحم الله تعالى فالمؤمن الذي يهب من فراشه مسرعا ويترك لذة النوم ولين الفراش يردد مع المؤذن مايقول ثم يسير إلى صلاة الفجر بخطوات مطمئنة وقد يكون في برد قارس وضلام دامس. فالنبي يبشره بالنور التام يوم القيامة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: { بشروا المشاءين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة }، وعلى الإنسان أن يخلص في عملة لله وحده لاشريك له وأن يصلح باطنه وظاهره مخلصا لله، يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: ( ماأسر احد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه، وفلتات لسانه والغرض الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ) فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله ظاهره فالذي يصلح باطنه يصلح الله له ظاهره. كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ).
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
منقول