اعرف قدراتك وحاول استثمارها أيها الداعية
حسين بن علي الشقراوي
السعي
للارتقاء إلى درجة الكمال غاية نبيلة وفضيلة عظيمة. فالداعية يطمح أن يكون
عابداً عالماً مجاهداً منفقاً.. إلى غير ذلك من صفات الكمال البشري، ولكن
قد يحول بينه وبين ذلك القدرات أو الإمكانات أو البيئة أو غيرها من
العوائق المختلفة.
ولا
يعني هذا أن يرضى الداعية بأقل المراتب أو التقاعس عن طلب أكمل الصفات،
ولكن ينبغي له أن يعرف قدراته وإمكاناته حتى يبدع فيما يحسن، ويبرز فيما
يتناسب مع طبيعته ومهاراته، كي يكتب لعمله النجاح والاستمرار، كما في
الحديث المتفق عليه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: ( اعملوا، فكل ميسر لما خلق له).
والمتأمل في سيرة الصحابة - رضي الله عنهم - يجد أن بعضهم قد برز في جانب من جوانب الدين والدعوة حتى فاق فيه غيره من الصحابة.
فهذا
أبو هريرة - رضي الله عنه - كان شيخ المحدثين من الصحابة، وزيد بن ثابت
كان أفرض الأمة أي أعلمهم بالفرائض ومعاذ بن جبل سيد العلماء، وخالد بن
الوليد سيف الله المسلول، وعبدالله بن مسعود سيد القراء، وغيرهم ممن
تميزوا بصفات سبقوا بها غيرهم، ولم يبلغ درجة الكمال البشري في الصفات إلا
قلة من الصحابة منهم الخلفاء الراشدون، ولكنهم جميعاً يشتركون في الصفات
الأساسية للداعية المسلم، وإن تفاوتوا في مقدارها مثل الإيمان بالله
والإخلاص والتقى والورع والعلم بفرائض الدين ونحوها مما جعلهم أئمة يُهتدى
بهم وسادة لكل القرون من بعدهم، فهم يملكون نفوساً تواقة لكل فضيلة،
وسباقة لكل خير.
ولعل
من أهم أسباب تفاوتهم أن كلاً منهم عرف قدراته وإمكاناته، فأحسن استغلالها
حتى برع فيما يحسن. فلما لم يملك أبو هريرة رضي الله عنه من المال والقوة
الجسدية ما يملك غيره لكنه كان يملك ذاكرة قوية حافظة وعقلا ًمتوقداً
توجهت فطرته إلى حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما
كان خالد بن الوليد رضي الله عنه يملك الدهاء العسكري والشجاعة الفائقة،
وجهها إلى الجهاد في سبيل الله والذب عن دينه، ومثله مثل حمزة رضي الله
عنه والزبير والمقداد، وهكذا سائر الصحابة رضوان عليهم، حتى فاقوا أقرانهم
وبرزوا فيما يحسنون، وتميل إليه طبائعهم وفطرتهم.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: إني لأحب الصوم وأرغبه، لكني إذا صمت ضعفت عن قراءة القرآن فتركت كثرة الصيام لحفظ القرآن.
كثرة
التنقل تهدد القدرات :لذلك ينبغي على الداعية أن يعطي نفسه وقتاً كافياً
لاكتشاف مواهبه وصقل مهاراته واكتمال خبرته؛ لأن سرعة التقلب وكثرة التنقل
بين المهمات الدعوية قد يهدر القدرات ويضيع المواهب، فيكون الداعية
كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى؛ وإن حصل له الأجر والثواب.
وإذا
أغلقت أمام الداعية بعض أبواب الدعوة التي يميل إليها ويبدع فيها فيجب
عليه ألا يهاب أن يطرق أبواباً أخرى لعل الله أن يعوضه فيها خيراً كثيراً.
فإن كان مبرزاً في الخطابة والمواعظ فأُغلق الباب دونه فليطرق باب الكتابة
والتأليف، فبينهما شبه كبير، وإن أغلق باب الجهاد فعليه بالدعوة والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن أغلق هذا الباب فليلزم الدعوة الخاصة،
وهكذا حتى يستمر جهد الداعية بلا انقطاع، ويظل حياً بدعوته حتى يلقى ربه
تبارك وتعالى على ذلك وينال بشرى النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث
عمرو بن الحمق الخزاعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب
الله عبداً عسله، فقيل: وما عسله؟ قال: يوفق له عملاً صالحاً بين يدي
أجله، حتى يرضى عنه جيرانه أو قال من حوله). رواه أحمد والحاكم وصححه،
ووافقه الذهبي.
حسين بن علي الشقراوي
السعي
للارتقاء إلى درجة الكمال غاية نبيلة وفضيلة عظيمة. فالداعية يطمح أن يكون
عابداً عالماً مجاهداً منفقاً.. إلى غير ذلك من صفات الكمال البشري، ولكن
قد يحول بينه وبين ذلك القدرات أو الإمكانات أو البيئة أو غيرها من
العوائق المختلفة.
ولا
يعني هذا أن يرضى الداعية بأقل المراتب أو التقاعس عن طلب أكمل الصفات،
ولكن ينبغي له أن يعرف قدراته وإمكاناته حتى يبدع فيما يحسن، ويبرز فيما
يتناسب مع طبيعته ومهاراته، كي يكتب لعمله النجاح والاستمرار، كما في
الحديث المتفق عليه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: ( اعملوا، فكل ميسر لما خلق له).
والمتأمل في سيرة الصحابة - رضي الله عنهم - يجد أن بعضهم قد برز في جانب من جوانب الدين والدعوة حتى فاق فيه غيره من الصحابة.
فهذا
أبو هريرة - رضي الله عنه - كان شيخ المحدثين من الصحابة، وزيد بن ثابت
كان أفرض الأمة أي أعلمهم بالفرائض ومعاذ بن جبل سيد العلماء، وخالد بن
الوليد سيف الله المسلول، وعبدالله بن مسعود سيد القراء، وغيرهم ممن
تميزوا بصفات سبقوا بها غيرهم، ولم يبلغ درجة الكمال البشري في الصفات إلا
قلة من الصحابة منهم الخلفاء الراشدون، ولكنهم جميعاً يشتركون في الصفات
الأساسية للداعية المسلم، وإن تفاوتوا في مقدارها مثل الإيمان بالله
والإخلاص والتقى والورع والعلم بفرائض الدين ونحوها مما جعلهم أئمة يُهتدى
بهم وسادة لكل القرون من بعدهم، فهم يملكون نفوساً تواقة لكل فضيلة،
وسباقة لكل خير.
ولعل
من أهم أسباب تفاوتهم أن كلاً منهم عرف قدراته وإمكاناته، فأحسن استغلالها
حتى برع فيما يحسن. فلما لم يملك أبو هريرة رضي الله عنه من المال والقوة
الجسدية ما يملك غيره لكنه كان يملك ذاكرة قوية حافظة وعقلا ًمتوقداً
توجهت فطرته إلى حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما
كان خالد بن الوليد رضي الله عنه يملك الدهاء العسكري والشجاعة الفائقة،
وجهها إلى الجهاد في سبيل الله والذب عن دينه، ومثله مثل حمزة رضي الله
عنه والزبير والمقداد، وهكذا سائر الصحابة رضوان عليهم، حتى فاقوا أقرانهم
وبرزوا فيما يحسنون، وتميل إليه طبائعهم وفطرتهم.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: إني لأحب الصوم وأرغبه، لكني إذا صمت ضعفت عن قراءة القرآن فتركت كثرة الصيام لحفظ القرآن.
كثرة
التنقل تهدد القدرات :لذلك ينبغي على الداعية أن يعطي نفسه وقتاً كافياً
لاكتشاف مواهبه وصقل مهاراته واكتمال خبرته؛ لأن سرعة التقلب وكثرة التنقل
بين المهمات الدعوية قد يهدر القدرات ويضيع المواهب، فيكون الداعية
كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى؛ وإن حصل له الأجر والثواب.
وإذا
أغلقت أمام الداعية بعض أبواب الدعوة التي يميل إليها ويبدع فيها فيجب
عليه ألا يهاب أن يطرق أبواباً أخرى لعل الله أن يعوضه فيها خيراً كثيراً.
فإن كان مبرزاً في الخطابة والمواعظ فأُغلق الباب دونه فليطرق باب الكتابة
والتأليف، فبينهما شبه كبير، وإن أغلق باب الجهاد فعليه بالدعوة والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن أغلق هذا الباب فليلزم الدعوة الخاصة،
وهكذا حتى يستمر جهد الداعية بلا انقطاع، ويظل حياً بدعوته حتى يلقى ربه
تبارك وتعالى على ذلك وينال بشرى النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث
عمرو بن الحمق الخزاعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب
الله عبداً عسله، فقيل: وما عسله؟ قال: يوفق له عملاً صالحاً بين يدي
أجله، حتى يرضى عنه جيرانه أو قال من حوله). رواه أحمد والحاكم وصححه،
ووافقه الذهبي.