أ .عصــام ضــاهر..
من
الأمور المتفق عليها تربويا ، أن الطفل تتبلور سلوكياته ، ويكتسب عاداته
وقيمه ، وتتكون شخصيته ، وتنمى مهاراته في المرحلة الأولى من حياته ، أي
منذ الطفولة المبكرة ، وبالتالي تكون الأسرة هي المنبع التربوي الأول الذي
يستقي منه الطفل صفاته الشخصية وعاداته وقيمه ، ومهاراته الاجتماعية ،
وسلوكياته الحياتية .
ولمَ
لا ؟ والأسرة هي المحضن التربوي الأول التي ترعى البذرة الإنسانية منذ
ولادتها ، ومنها يكتسب الكثير من الخبرات والمعلومات ، والمهارات ،
والسلوكيات والقدرات التي تؤثر في نموه النفسي -إيجابا وسلبا – وهي التي
تشكل شخصيته بعد ذلك ، وكما قال الشاعر أبو العلاء المعري : وَيَنشَأُ
ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ ومما لاشك فيه أن
العصر الذي نعيشه يتصف بالمتغيرات السريعة والمتلاحقة ، في شتى المجالات
الحياتية ، وبالتالي أصبحت التنشئة الاجتماعية في ظل هذه المتغيرات من
الأمور الهامة والصعبة في آنٍ واحد ، وبالتالي فالأسرة تواجه كمًّا من
التحديات المتعددة في عملية التربية لا حصر لها .
وربما
أنتجت لنا هذه التحديات الكثير من الظواهر السلبية في التربية عند الأطفال
، مما يجعل البعض منا يتساءل عن كيفية التعامل مع مثل هذه الظواهر النفسية
، وكيفية التغلب عليها ومعالجتها .
ومن
هذه الظواهر التي نحاول أن نلقي عليها الضوء في هذه السطور هي ظاهرة
الانطوائية عند الأطفال ، فما الانطوائية ؟ وما الفرق بينها وبين الحياء
؟وما الذي يميز الطفل الانطوائي عن غيره ؟ وما أسباب الانطوائية ؟ وهل
للحاسب الآلي والتلفاز دور فيها ؟ وما نظرة الإسلام إلى الانطوائية ؟ وهل
يأخذ الطفل الانطوائي فرصته في الحياة الصحية ؟ وما البرنامج العملي
لمعالجتها ؟ ولنا همسة في النهاية .
تعريف الانطوائية والفرق بينها وبين الحياء ؟
- الانطوائية هي :
شعور
الإنسان بالنقص والدونية أمام الآخرين وانسحابه من الحياة الاجتماعية وعدم
التفاعل مع البيئة المحيطة به ، ويكون ذلك ناتجا من عدم امتلاكه للمهارات
الاجتماعية الأساسية واللازمة في عملية التفاعل وقلة ثقته بنفسه .
- وأما الحياء فهو :
إحساس
أو شعور داخلي يدفعنا إلى احترام الآخرين وعدم التدخل فيما لا يعنينا ،
فضلا عن كونه ترفعا عن المعاصي والآثام . إذا فالفرق بين الانطوائية
والحياء شاسع وكبير ، وذلك حتى لا نخلط – أخي المربي وأختي المربية –
بينهما .
أهم
ما يميز الطفل الانطوائي عن غيره من الأطفال هناك مجموعة من السمات التي
تميز الطفل الانطوائي عن غيره من الأطفال ، والتي يكاد يتفق عليها الكثير
من علماء النفس والتربية ، ومن هذه السمات والصفات :-
- يتمتع بالإحساس المرهف تجاه المواقف الحياتية .
- عندما يتحدث نجد صوته خافتا أثناء الكلام ، وربما يتلعثم في الحديث أمام الآخرين من خارج محيط أسرته .
- يتمتع بالنظرة الشاردة والحزينة ،ويتجنب النظر في عين من يحدثه ، وكلامه محدود ويستخدم الإشارات أثناء الحديث بشكل محدود .
- ضعف القدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية ، وإذا مر بموقف مؤلم في حياته يفضل الصمت عن الكلام فيه .
-
يفضل الانعزال عن غيره من الأطفال ، وبالتالي فهو يفضل المجالات والألعاب
التي يغلب عيها الطابع الفردي ، وتكون دافعيته نحو ذاته .
-
يرفض المشاركة في المواقف والمحافل الاجتماعية المختلفة ( رحلات – نوادي –
حلقات تلاوة – الإذاعة المدرسية .... ) لانعدام ثقته بنفسه ، ويتصرف
تجاهها بحذر شديد . - شبكة الأصدقاء محدودة لديه ، وربما يعجز عن تكوين
صداقات جديدة ، لأنه يفضل الانعزال عن الآخرين من خارج محيط أسرته .
- يتردد في اتخاذ قراراته ، و يحتاج إلي وقت من التفكير قبل صنع القرار .
الأسباب التي تدفع الطفل إلى الانطوائية أيضا هناك العديد من تلك الأسباب التي تجعل من الطفل إنسانا انطوائيا ، ومن أهمها :-
- استخدام أسلوب العقاب مع الطفل بشكل مفرط ، خاصة الضرب المبرح .
- التعنيف الدائم للطفل عندما يخطئ ، وعدم إثابته في حالة الصواب .
- تلبية كل رغبات الطفل ، وتدليله بشكل مستمر . - عقد مقارنة بينه وبين غيره من الأطفال ممن هم في مثل عمره .
- عدم العدل والمساواة بينه وبين بقية أخوته .
- إهمال الطفل داخل المنزل وعدم مشاركته فيما يتعلق بالأسرة من مناسبات اجتماعية ، وعدم أخذ رأيه بحجة أنه مازال صغير السن .
[
وهناك أسباب اجتماعية أخرى قد تؤدي إلى ظهور السلوك الانطوائي لدى
الأطفال، منها اضطراب العلاقة الزوجية بين الآباء، وسوء العلاقة واضطرابها
مع الأطفال الآخرين من الأشقاء في الأسرة، والاعتماد على الآباء في كل ما
يتعلق بقضاء الحاجات، وازدواج المعايير في المعاملة بين الأبناء من قبل
الآباء .
أي
أن سمة الانطوائية مكتسبة عن طريق الأنماط التربوية التي تستخدمها الأسرة
في تنشئة الطفل و المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل، لذا أشارت كثير
من الدراسات التربوية إلى أهمية التنشئة التي يتلقاها الفرد في مراحل
مبكرة من الطفولة، منها توقع الآباء أن يتعلم الطفل بشكل سريع أسرع مما
تؤهله له قدراته واستعداداته ونضجه، فضلا عن الجهل بإمكانيات الطفل
الحقيقية مثل استعداداته العقلية والجسمية والانفعالية، لذا قد يتعرض إلى
العقاب البدني أو المعنوي إذا لم يستطع أن يحقق التعلم الذي يريده الآباء
منه ، وترى دراسات أخرى أن السلوك الانطوائي لدى الأطفال له علاقة بالجانب
الوراثي ] (همسات تربوية الدكتور غالب محمد رشيد الأسدي) .
دور التلفاز والحاسب الآلي في الانطوائية [ في دراسة د. ميرون أورلينس لمؤتمر (الأسرة والتكنولوجيا والتعليم)
بجامعة إلينوي 1997م، أكد أن استخدام الطفل للحاسوب ربما يؤثر على حياته
الشخصية وعلاقاته الأسرية وعلاقاته بالأصدقاء، وحذَّر من تصاعد المخاوف من
ضعف النمو الاجتماعي للطفل الذي يتزايد استخدامه له، وقال إن هذه المخاوف
ليست جديدةً حيث أكدت الدراسات أن الدوائرَ الإلكترونية مثل التليفزيون
والحاسوب وألعاب الفيديو لها نفس الخطورة على التفاعل الاجتماعي للطفل]
(أطفالنا والحاسوب.. عزلة أم تواصل اجتماعي؟! تحقيق أمل محمد ) نظرة
الإسلام إلى الانطوائية القارئ لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ،
والمتصفح للسيرة النبوية ، وسيرة السلف الصالح ، يجد الكثير من المواقف
التي تحث الإنسان على الجرأة وترغبه فيها ، وتطالبه بالبعد عن الانطوائية
، وترهبه منها ، ومن ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" (رواه أحمد وابن ماجة). وعلى الجرأة والبعد عن الانطوائية والخجل ربى السلف الصالح أبناءهم.
ومما
يروى في ذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً
لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ
فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا
النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ
أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ) صحيح البخاري - (ج 1 / ص 222) .
والتاريخ
مليء بقصص أطفال أعجبوا الكبار في جرأتهم ففي أيام عمر بن الخطاب رضي الله
عنه مر على أطفال يلعبون أعمارهم 5 إلى 6 سنوات فهربوا جميعاً إلا واحداً
منهم فسأله عمر لمَ لمْ تهرب ؟ فقال يا أمير المؤمنين : ليست الطريق ضيقة
فأوسعها لك ! ولم أفعل ذنبا لأهرب وأخافك!! وفي زمن عمر بن عبد العزيز قال
لطفل - في مجلس حينما أراد أن يتحدث في وجود من هو أكبر منه سنا - : اجلس
ودع غيرك يقوم (أي من هو أحسنّ منك) فقال الطفل : يا أمير المؤمنين المرء
بأصغريه قلبه ولسانه فإذا جعل الله للعبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فهو
المُقدّم ولو كان الأمر بالسِّن لكان هناك من هو أووى منك بالخلافة فأعجب
به عمر بن عبد العزيز، وجعله يتحدث .
الطفل
الانطوائي وفرصته في الحياة الصحية الواقع أن الأطفال الانطوائيين لا
يتمتعون بحياتهم بشكل أفضل ، ويعترضهم الكثير من المتاعب والمشاكل في
حياتهم ، فالصوت الخافت ، وقلة المهارات الاجتماعية أو انعدامها لديهم ،
وصعوبة التواصل الاجتماعي مع الآخرين ، كل ذلك يحرمهم من الكثير من فرص
الحياة الجيدة ، كما أنها تمنعهم من الاستفادة من مواهبهم وطاقاتهم
وإمكانياتهم الموجودة لديهم ، وتجعلهم يعيشون في قالب واحد .
برنامج عملي لمعالجة الانطوائية لدى الأطفال
أخي
المربي ، أختي المربية – إذا كان لديك طفل يعاني من الانطوائية ، أو من
الخجل بشكل زائد ، فعليك أن تستخدم معه هذا البرنامج لمعالجة هذه الظاهرة
، وذلك باتباع الآتي : -
- الابتعاد عن الأسباب التي تجعل الطفل انطوائيا " سبق ذكرها " .
- إقامة حوارات متواصلة مع الطفل ، وخاصة في الأشياء المحببة إليه ( طعامه وشرابه - ألعابه – ملابسه ... ) .
-
احتضان الطفل ، والتبسم في وجهه ، وأخذ رأيه في الأمور التي تناسب عمره
الزمني ، وخاصة تلك التي تتعلق بالأسرة أو أشياء خاصة به ( شراء ملابسه –
ترتيب المنزل .... ) .
- استماع آراء الطفل ، وعدم تجنب القصص التي يأتي بها بحجة ضيق الوقت أو عدم أهميتها .
- إشراك الطفل في القيام ببعض الأعمال التي تناسب عمره ( ترتيب غرفته – مساعدة الأم في المطبخ ... ) .
-
تشجيع الطفل على المشاركة في المحافل الاجتماعية المختلفة ( رحلات – حلقات
تلاوة مسجدية – زيارات – الرياضة الجماعية ) وحثه على مشاركة أصحابه في
أفراحهم وأحزانهم .
-
تعليم وتدريب الطفل على النظر في عين من يحدثه . - تشجيع الطفل على تكوين
صداقات جديدة وخاصة من البيئة المحيطة به من أقربائه وجيرانه ، ولنساعده
في بداية الأمر على ذلك بأن نقوم بدعوتهم لزيارته بعد الاتفاق معه .
- تجنب نصح الطفل أمام الآخرين ، وإنما إذا أردت أن تنصحه فليكن ذلك على انفراد ، مع التلطف في النصيحة .
- حث وتشجيع الطفل على ممارسة هواياته التي يحبها ، وخاصة تلك التي تسهم بشكل فعال في زيادة الجرأة لديه .
-
إلحاق الطفل بروضة للأطفال ؛ ليخرج من عزلته ، ولأن ذلك يسهم بشكل فعال في
دمج الطفل وسط الصغار ، وإكسابه العديد من المهارات الاجتماعية فضلا عن
تكوين الصداقات العديدة .
-
وأخيرا الدعاء للطفل أن يرزقه الله الجرأة ويخرجه من طور العزلة وأن
تستعين بالله تعالى على تربيتهم والقرآن الكريم مليء بأن الأنبياء
والصالحين استعانوا بالله تعالى على تربية أولادهم (رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (128) البقرة) (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) آل عمران) فينبغي أن لا نغفل عن الاستعانة بالله لتربية وصلاح الأبناء.
من
الأمور المتفق عليها تربويا ، أن الطفل تتبلور سلوكياته ، ويكتسب عاداته
وقيمه ، وتتكون شخصيته ، وتنمى مهاراته في المرحلة الأولى من حياته ، أي
منذ الطفولة المبكرة ، وبالتالي تكون الأسرة هي المنبع التربوي الأول الذي
يستقي منه الطفل صفاته الشخصية وعاداته وقيمه ، ومهاراته الاجتماعية ،
وسلوكياته الحياتية .
ولمَ
لا ؟ والأسرة هي المحضن التربوي الأول التي ترعى البذرة الإنسانية منذ
ولادتها ، ومنها يكتسب الكثير من الخبرات والمعلومات ، والمهارات ،
والسلوكيات والقدرات التي تؤثر في نموه النفسي -إيجابا وسلبا – وهي التي
تشكل شخصيته بعد ذلك ، وكما قال الشاعر أبو العلاء المعري : وَيَنشَأُ
ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ ومما لاشك فيه أن
العصر الذي نعيشه يتصف بالمتغيرات السريعة والمتلاحقة ، في شتى المجالات
الحياتية ، وبالتالي أصبحت التنشئة الاجتماعية في ظل هذه المتغيرات من
الأمور الهامة والصعبة في آنٍ واحد ، وبالتالي فالأسرة تواجه كمًّا من
التحديات المتعددة في عملية التربية لا حصر لها .
وربما
أنتجت لنا هذه التحديات الكثير من الظواهر السلبية في التربية عند الأطفال
، مما يجعل البعض منا يتساءل عن كيفية التعامل مع مثل هذه الظواهر النفسية
، وكيفية التغلب عليها ومعالجتها .
ومن
هذه الظواهر التي نحاول أن نلقي عليها الضوء في هذه السطور هي ظاهرة
الانطوائية عند الأطفال ، فما الانطوائية ؟ وما الفرق بينها وبين الحياء
؟وما الذي يميز الطفل الانطوائي عن غيره ؟ وما أسباب الانطوائية ؟ وهل
للحاسب الآلي والتلفاز دور فيها ؟ وما نظرة الإسلام إلى الانطوائية ؟ وهل
يأخذ الطفل الانطوائي فرصته في الحياة الصحية ؟ وما البرنامج العملي
لمعالجتها ؟ ولنا همسة في النهاية .
تعريف الانطوائية والفرق بينها وبين الحياء ؟
- الانطوائية هي :
شعور
الإنسان بالنقص والدونية أمام الآخرين وانسحابه من الحياة الاجتماعية وعدم
التفاعل مع البيئة المحيطة به ، ويكون ذلك ناتجا من عدم امتلاكه للمهارات
الاجتماعية الأساسية واللازمة في عملية التفاعل وقلة ثقته بنفسه .
- وأما الحياء فهو :
إحساس
أو شعور داخلي يدفعنا إلى احترام الآخرين وعدم التدخل فيما لا يعنينا ،
فضلا عن كونه ترفعا عن المعاصي والآثام . إذا فالفرق بين الانطوائية
والحياء شاسع وكبير ، وذلك حتى لا نخلط – أخي المربي وأختي المربية –
بينهما .
أهم
ما يميز الطفل الانطوائي عن غيره من الأطفال هناك مجموعة من السمات التي
تميز الطفل الانطوائي عن غيره من الأطفال ، والتي يكاد يتفق عليها الكثير
من علماء النفس والتربية ، ومن هذه السمات والصفات :-
- يتمتع بالإحساس المرهف تجاه المواقف الحياتية .
- عندما يتحدث نجد صوته خافتا أثناء الكلام ، وربما يتلعثم في الحديث أمام الآخرين من خارج محيط أسرته .
- يتمتع بالنظرة الشاردة والحزينة ،ويتجنب النظر في عين من يحدثه ، وكلامه محدود ويستخدم الإشارات أثناء الحديث بشكل محدود .
- ضعف القدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية ، وإذا مر بموقف مؤلم في حياته يفضل الصمت عن الكلام فيه .
-
يفضل الانعزال عن غيره من الأطفال ، وبالتالي فهو يفضل المجالات والألعاب
التي يغلب عيها الطابع الفردي ، وتكون دافعيته نحو ذاته .
-
يرفض المشاركة في المواقف والمحافل الاجتماعية المختلفة ( رحلات – نوادي –
حلقات تلاوة – الإذاعة المدرسية .... ) لانعدام ثقته بنفسه ، ويتصرف
تجاهها بحذر شديد . - شبكة الأصدقاء محدودة لديه ، وربما يعجز عن تكوين
صداقات جديدة ، لأنه يفضل الانعزال عن الآخرين من خارج محيط أسرته .
- يتردد في اتخاذ قراراته ، و يحتاج إلي وقت من التفكير قبل صنع القرار .
الأسباب التي تدفع الطفل إلى الانطوائية أيضا هناك العديد من تلك الأسباب التي تجعل من الطفل إنسانا انطوائيا ، ومن أهمها :-
- استخدام أسلوب العقاب مع الطفل بشكل مفرط ، خاصة الضرب المبرح .
- التعنيف الدائم للطفل عندما يخطئ ، وعدم إثابته في حالة الصواب .
- تلبية كل رغبات الطفل ، وتدليله بشكل مستمر . - عقد مقارنة بينه وبين غيره من الأطفال ممن هم في مثل عمره .
- عدم العدل والمساواة بينه وبين بقية أخوته .
- إهمال الطفل داخل المنزل وعدم مشاركته فيما يتعلق بالأسرة من مناسبات اجتماعية ، وعدم أخذ رأيه بحجة أنه مازال صغير السن .
[
وهناك أسباب اجتماعية أخرى قد تؤدي إلى ظهور السلوك الانطوائي لدى
الأطفال، منها اضطراب العلاقة الزوجية بين الآباء، وسوء العلاقة واضطرابها
مع الأطفال الآخرين من الأشقاء في الأسرة، والاعتماد على الآباء في كل ما
يتعلق بقضاء الحاجات، وازدواج المعايير في المعاملة بين الأبناء من قبل
الآباء .
أي
أن سمة الانطوائية مكتسبة عن طريق الأنماط التربوية التي تستخدمها الأسرة
في تنشئة الطفل و المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل، لذا أشارت كثير
من الدراسات التربوية إلى أهمية التنشئة التي يتلقاها الفرد في مراحل
مبكرة من الطفولة، منها توقع الآباء أن يتعلم الطفل بشكل سريع أسرع مما
تؤهله له قدراته واستعداداته ونضجه، فضلا عن الجهل بإمكانيات الطفل
الحقيقية مثل استعداداته العقلية والجسمية والانفعالية، لذا قد يتعرض إلى
العقاب البدني أو المعنوي إذا لم يستطع أن يحقق التعلم الذي يريده الآباء
منه ، وترى دراسات أخرى أن السلوك الانطوائي لدى الأطفال له علاقة بالجانب
الوراثي ] (همسات تربوية الدكتور غالب محمد رشيد الأسدي) .
دور التلفاز والحاسب الآلي في الانطوائية [ في دراسة د. ميرون أورلينس لمؤتمر (الأسرة والتكنولوجيا والتعليم)
بجامعة إلينوي 1997م، أكد أن استخدام الطفل للحاسوب ربما يؤثر على حياته
الشخصية وعلاقاته الأسرية وعلاقاته بالأصدقاء، وحذَّر من تصاعد المخاوف من
ضعف النمو الاجتماعي للطفل الذي يتزايد استخدامه له، وقال إن هذه المخاوف
ليست جديدةً حيث أكدت الدراسات أن الدوائرَ الإلكترونية مثل التليفزيون
والحاسوب وألعاب الفيديو لها نفس الخطورة على التفاعل الاجتماعي للطفل]
(أطفالنا والحاسوب.. عزلة أم تواصل اجتماعي؟! تحقيق أمل محمد ) نظرة
الإسلام إلى الانطوائية القارئ لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ،
والمتصفح للسيرة النبوية ، وسيرة السلف الصالح ، يجد الكثير من المواقف
التي تحث الإنسان على الجرأة وترغبه فيها ، وتطالبه بالبعد عن الانطوائية
، وترهبه منها ، ومن ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" (رواه أحمد وابن ماجة). وعلى الجرأة والبعد عن الانطوائية والخجل ربى السلف الصالح أبناءهم.
ومما
يروى في ذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً
لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ
فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا
النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ
أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ) صحيح البخاري - (ج 1 / ص 222) .
والتاريخ
مليء بقصص أطفال أعجبوا الكبار في جرأتهم ففي أيام عمر بن الخطاب رضي الله
عنه مر على أطفال يلعبون أعمارهم 5 إلى 6 سنوات فهربوا جميعاً إلا واحداً
منهم فسأله عمر لمَ لمْ تهرب ؟ فقال يا أمير المؤمنين : ليست الطريق ضيقة
فأوسعها لك ! ولم أفعل ذنبا لأهرب وأخافك!! وفي زمن عمر بن عبد العزيز قال
لطفل - في مجلس حينما أراد أن يتحدث في وجود من هو أكبر منه سنا - : اجلس
ودع غيرك يقوم (أي من هو أحسنّ منك) فقال الطفل : يا أمير المؤمنين المرء
بأصغريه قلبه ولسانه فإذا جعل الله للعبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فهو
المُقدّم ولو كان الأمر بالسِّن لكان هناك من هو أووى منك بالخلافة فأعجب
به عمر بن عبد العزيز، وجعله يتحدث .
الطفل
الانطوائي وفرصته في الحياة الصحية الواقع أن الأطفال الانطوائيين لا
يتمتعون بحياتهم بشكل أفضل ، ويعترضهم الكثير من المتاعب والمشاكل في
حياتهم ، فالصوت الخافت ، وقلة المهارات الاجتماعية أو انعدامها لديهم ،
وصعوبة التواصل الاجتماعي مع الآخرين ، كل ذلك يحرمهم من الكثير من فرص
الحياة الجيدة ، كما أنها تمنعهم من الاستفادة من مواهبهم وطاقاتهم
وإمكانياتهم الموجودة لديهم ، وتجعلهم يعيشون في قالب واحد .
برنامج عملي لمعالجة الانطوائية لدى الأطفال
أخي
المربي ، أختي المربية – إذا كان لديك طفل يعاني من الانطوائية ، أو من
الخجل بشكل زائد ، فعليك أن تستخدم معه هذا البرنامج لمعالجة هذه الظاهرة
، وذلك باتباع الآتي : -
- الابتعاد عن الأسباب التي تجعل الطفل انطوائيا " سبق ذكرها " .
- إقامة حوارات متواصلة مع الطفل ، وخاصة في الأشياء المحببة إليه ( طعامه وشرابه - ألعابه – ملابسه ... ) .
-
احتضان الطفل ، والتبسم في وجهه ، وأخذ رأيه في الأمور التي تناسب عمره
الزمني ، وخاصة تلك التي تتعلق بالأسرة أو أشياء خاصة به ( شراء ملابسه –
ترتيب المنزل .... ) .
- استماع آراء الطفل ، وعدم تجنب القصص التي يأتي بها بحجة ضيق الوقت أو عدم أهميتها .
- إشراك الطفل في القيام ببعض الأعمال التي تناسب عمره ( ترتيب غرفته – مساعدة الأم في المطبخ ... ) .
-
تشجيع الطفل على المشاركة في المحافل الاجتماعية المختلفة ( رحلات – حلقات
تلاوة مسجدية – زيارات – الرياضة الجماعية ) وحثه على مشاركة أصحابه في
أفراحهم وأحزانهم .
-
تعليم وتدريب الطفل على النظر في عين من يحدثه . - تشجيع الطفل على تكوين
صداقات جديدة وخاصة من البيئة المحيطة به من أقربائه وجيرانه ، ولنساعده
في بداية الأمر على ذلك بأن نقوم بدعوتهم لزيارته بعد الاتفاق معه .
- تجنب نصح الطفل أمام الآخرين ، وإنما إذا أردت أن تنصحه فليكن ذلك على انفراد ، مع التلطف في النصيحة .
- حث وتشجيع الطفل على ممارسة هواياته التي يحبها ، وخاصة تلك التي تسهم بشكل فعال في زيادة الجرأة لديه .
-
إلحاق الطفل بروضة للأطفال ؛ ليخرج من عزلته ، ولأن ذلك يسهم بشكل فعال في
دمج الطفل وسط الصغار ، وإكسابه العديد من المهارات الاجتماعية فضلا عن
تكوين الصداقات العديدة .
-
وأخيرا الدعاء للطفل أن يرزقه الله الجرأة ويخرجه من طور العزلة وأن
تستعين بالله تعالى على تربيتهم والقرآن الكريم مليء بأن الأنبياء
والصالحين استعانوا بالله تعالى على تربية أولادهم (رَبَّنَا
وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (128) البقرة) (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) آل عمران) فينبغي أن لا نغفل عن الاستعانة بالله لتربية وصلاح الأبناء.
وأخيرا لنا همسة في آذان المربين والمربيات [
سأل معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس عن الولد ، فقال : يا أمير
المؤمنين - أولادنا ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ،
وسماء ظليلة ، وبهم نصول عند كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا
فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبّوك جهدهم ، ولا تكن عليهم قفلا فيتمنّوا موتك
ويكرهوا قربك ويملوا حياتك. فقال له معاوية : لله أنت ! لقد دخلت علىّ
وإني لمملوء غيظا على يزيد ولقد أصلحت من قلبي له ما كان فسد ] بهجة المجالس وأنس المجالس - ج 1.