هديتك بعد الولادة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اتبع هداه ووالاه وبعد.
لوحظ عند بعض الأخوات غفلة عن ذكر الله تعالى-خاصة في أيام الحيض والنفاس حيث تنقطع المرأة فيها عن الصلاة والصيام مما أدى بالبعض منهن إلى السأم والملل أو الشعور بالضيق أحياناً وطول الوقت أحياناً أخرى.
وقد أحببت كتابة هذه الكلمات مساهمة في إجلاء التوجيه الشرعي في الاستفادة من وقت المرأة في تلك الحال سائلة الله تعالى أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أختي في الله:
في مقدمة رسالتي هذه أبارك لك مولودك الجديد وأسأل الله العلي القدير أن يجعله من عباده الصالحين وأن يقر به عينيك وعيني والده وأن يسعدكما به ويسعده بكما، وأن يجعله ذخراً للإسلام والمسلمين.
أختي في الله:
اعلمي أن نعمة الولد عظيمة وشكرها أعظم، ومن شكرها حمد الله والثناء عليه قولاً وعملاً، فلا تغفلي يا أختي رعاك الله عن ذلك فقد فرج الله عنك كربة وخفف عنك ثقلاً فله الحمد أولاً وآخراً وظاهرا وباطنا.
أختي في الله:
في هذه الأيام التي تنقطعين فيها عن الصلاة والصيام شرع الله لك أذكاراً كثيرة تشغلين بها وقتك وتثقلين بها ميزانك وتتصلين بواسطتها بخالقك ورازقك، فلقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه".
وفي الذكر الحكيم يقول الله تعالى{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } البقرة: 152 ويقول:{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ }الأعراف:205، وفي الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي وأنا معه إذا ذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولا".
وبهذه المناسبة أختي في الله أذكرك ببعض الأذكار المشروعة التي ينبغي أن تداومي عليها، ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشرة رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحداً أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" (رواه أحمد).
وكذلك ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" (رواه البخاري).
كما أن على المسلم كثرة الاستغفار في كل حين وليكن سيد الاستغفار ملازماً لك، ففي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم" سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال: ومن قالها في الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة".
كما أوصيك أختي المسلمة بأذكار الصباح والمساء لما فيها من الفضل والثواب كما هي حصن منيع يحفظ الله سبحانه وتعالى بها عباده.
فرص لا تفوتك:
ومن فرص الخير التي ينبغي الحفاظ عليها إجابة المؤذن ومتابعته لما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي
فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" (رواه مسلم).
كما أن للدعاء فضل بعد الآذان في هذا الوقت إجابة من الله سبحانه وتعالى فعن عبد الله بن عمرو قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قل كما يقولون، فإذا انتهيت، فسل تعطه" وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدعاء لا يرد بين الآذان والإقامة" قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة".
احتساب الرضاعة والرعاية:
أختي في الله: سلمك الله من كل مكروه، لقد عانيت من أتعاب الحمل والولادة ما الله به عليم وها أنت ترين طفلك بين أحضانك، فاللهم لك الحمد على نعمتك، وحنيئذ يبدأ الواجب في تغذيته ونظافته وراحته، وليكن غذاؤه من ما خلق الله له وأوجده بفضله وكرمه، إنه حليب الأم فالله الله في الرضاعة الطبيعة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، قومي بواجبه محتسبة الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى , فأرضعيه وقومي على رعايته بصدر رحب ونصب عينيك ولا يفوتك أجر الاحتساب والنية الصالحة.
الطفل وحاجته إلى الحنان:
أختي في الله:
إن إرضاع الطفل والحرص على نظافته وإشعاره بالحنان أمر مهم لنموه، فالعناية بالطفل واحتضانه وإشعاره بالحنان والمحبة والرحمة والقرب منه والتوادد إليه عامل من عوامل بناء شخصيته وتقويم حياته منذ نعومة أظفاره.
استغلال الأوقات المباركة:
أختي في الله:
يقبل الليل وينام الناس وقد يوقظك طفلك في الليل مرتين أو ثلاث أو أكثر وتنهضين لإرضاعه والعناية به وتغيير ملابسه فلا تغفلي عن الدعاء والاستغفار في هذا الوقت المبارك وخاصة إذا كان في الثلث الأخير من الليل وقت التنزل الإلهي فادعى الله لطفلك وإخوانه وأطفال المسلمين بالصلاح والهداية وأن يصلح الله بهم، وينفع بهم الإسلام والمسلمين وليكن هذا أهم هدف ترجينه في ذريتك وادعي الله لك وللمسلمين في كل مكان ولنتذكر أن هناك ملك يقول " ولك بمثل ذلك "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا با لله، ثم قال: اللهم اغفرلي، أو دعا استجب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته )). رواه البخاري.
السلف والوقت
وبعد هذا أختي في الله: الوقت غالي الثمن فاحرصي على اغتنامه بما يزيدك قرباً من الله عز وجل ولنا في أسلافنا قدوة حسنة فلقد كانوا يحرصون أشد الحرص على اغتنام أوقاتهم حتى في أحلك ظروفهم وأشد ما يكون الواحد منهم من الأمراض والأسقام.
ولقد كان سلفنا الأبرار يحرصون على اغتنام الوقت حتى في سكرات الموت وكرباته قال إبراهيم الجراح: مرض ا لإمام أبو يوسف القاضي فأتيته أعوده فوجدته أغمي عليه فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم: ما تقول في مسألة كذا وكذا؟ فقلت: في مثل هذه الحال؟ فقال: لا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو ناجي، ثم قمت من عنده فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله.
ومن هنا أختي الكريمة قال الحسن البصري (لقد أدركت أقواما كانوا أشد حرصاً على أوقاتهم من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم) ثم لاحظي أختي الحبيبة أن الحسن يقول هذا الكلام للتابعين الذين جاءوا بعد الصحابة الكرام. فكيف لو أدرك الحسن زماننا هذا، الذي صار الوقت فيه أرخص وأهون من التراب الذي يداس بالأقدام، ماذا عساه أن يقول؟ فقد ذكر عن داود الطائي رحمه الله أنه كان يشرب الفتيت (أي الخبز المبلول بالماء) ولا يأكل الخبز الجاف بدون فت، فقالت له مولاته: أما تشتهي أكل الخبز؟ فقال لها: لقد وجدت بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قدر قراءه خمسين آية!! فتأملي رعاك الله هذه الهمة العالية وقد ترين في هذا الحرص الشديد على اغتنام أنفاس العمر حرص دعا داود الطائي إلى ترك أكل الخبز الجاف واستبداله بشرب الفتيت لأن شرب الفتيت يستغرق وقتاً أقل بنحو مقدار خمسين آية من القرآن أي مابين أربع إلى خمس دقائق فهو يريد إغتنام هذه الأوقات والدقاتق الغالية واستغلالها فليت شعري ما عسى أن يقول داود لو أدرك زماننا ورأى أن أكثر الناس يقضون أوقاتاً طويلة على موائد الطعام في لغو وثرثرة لا طائل من ورائها .
حين أسوق مثل هذه القصص أختي الفاضلة أقصد شحذ همتك ولكي تقفلي مدخل الشيطان عليك في إضاعة الوقت بحجة أنك متعبة فتفوت عليك أوقاتاً وفرصاً كان بإمكانك استغلالها في أعمال صالحة قدر استطاعتك والموفق من وفقه الله لاغتنام حياته في كل حين.
وفي هذا المجال أسوق إليك هذا الموقف لأحد الصالحين السابقين فقد ورد أنه كان أكثر الذكر لله عز وجل فلا يفتر لسانه عن ذكر الله حتى أنه لتعود لسانه على الذكر المتواصل يضع في فمه حجرا إذا أراد الدخول إلى الخلاء ليمسك عن الذكر خشية أن يذكر الله في مكان غير مناسب لعظمته سبحانه وتعالى.
اقترحات
وفي هذا المجال أسجل لك أختي المؤمنة بعض الاقتراحات البسيطة التي يمكنك بواسطتها استغلال وقتك في هذه الأيام بالنافع ولك أيضاً أن تنفعي بها غيرك ومنها:
1- مراجعة حفظك من القرآن الكريم.
2- قراءة التفسير كتفسير جزء عم لأن سوره تتكرر غالباً في صلاتنا وهذا سبب لتدبر الصلاة ومن أمتع وأفضل ما كتب في هذا المجال كتاب تفسير جزء عم للشيخ محمدبن صالح العثيمين رحمه الله وغيره كثير في موضوعه.
3- حفظ شيء من الأحاديث مع قراءة شرحها ومن ذلك أحاديث الأربعين النووية التي لو حفظت منها في كل يوم حديثين لأكملتها في عشرين يوماً وكانت بإذن الله تعالى زاداً لك وتقوية في إيمانك ويمكنك استغلالها ومناقشتها مع من يزورك في هذه الفترة وغيرها فتستفيدين وتفيدي غيرك، ثم اعلمي أنك باطلاعك هذا وتعلمك أمور دينك تزدادين رفعة عند مولاك{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة-11
وفي الحديث عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يرد لله به خيراً يفقهه في الدين
وفي حديث أبي الدرداء قال سمعت رسول الله يقول من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وفيه يقول " وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء"
ومن الاقتراحات الحرص على الصدقة والانفاق في وجوه البر على قدر الاستطاعة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث ثمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما قالت فاعجبني شأنها فذكرت ذلك الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله عز وجل قد أوجب لها بها الجنة. عزيزتي الأم هذا الأجر والثواب على تمرة فما بالك بمن تصدق بأكثر من ذلك، فلربما تصدقت على مسكين ففرجت عنه وقضيت حاجته فلم يجد ما يكافئك به غير أن يرفع يديه إلى الله بدعاء الله عز وجل فيكون سبباً لسعادتك في الدنيا والآخرة.
خرجت امرأة ذات يوم من منزلها إلى إحدى البقالات المجاورة لمنزلها لشراء حاجة لهما يسيرة من طعام (خبزاً و نحوه)، وكانت قليلة ذات اليد وفي طريق عودتها إلى منزلها رأت أحد العمال الأجانب فأحست بفقره وقالت لعلي أتصدق عليه بما اشتريت وقدمته على نفسها، وكان لهذه المرأة ولد شاب لا يعرف طريق المسجد ولا يحافظ على صلاته وعندما عادت إلى بيتها قبيل أذان المغرب وكان ابنها نائما أيقظته للذهاب بها إلى إحدى القرى المجاورة لبلدتها وحان وقت صلاة المغرب وهم في الطريق فما كان من هذا الشاب إلا أن أوقف سيارته عند أحد المساجد في الطريق ودخل ليصلي، وقد كانت هذه أمنية أمه ولكنها لم تتوقع هذا العمل منه فحقق الله لها تلك الأمنية دون تدخل منها فكانت انطلاقة خير له ولعل هذا كان بفضل الله ثم بسبب صدقتها على ذلك العامل وربما أن هذا العامل دعا لهما ولذريتها بدعوة صالحة فاستجاب الله لدعائه.
إذن أختي هذه دعوة للإنفاق في سبيل الله ابتغاء وجهه تعالى، وإني لأعلم عن بعض الأمهات من تستأذن زوجها لتتصدق بما يقدم لها ولمولودها من الهدايا أو المال أو الحلي على أسرة فقيرة، فيا حبذا لو يكون هذا نهج كل أم تفرج به هم وتنفس به كرب، ولقد علمت أن أماً رزقت بتوأم وتمر على أبيهم ساعات يبكي لفقره ولعدم وجود ما يشتري لهم به الحليب، فتصدقي أختي لتجدي بإذن الله انشراح الصدر وتيسير الأمر وتوفيق الله تعالى.
وصية: وفي ختام المجلس وبعد الزيارة عليك اعتياد ذكر كفارة المجلس مع الزائرات فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد أن يقوم من المجلس قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، واستغفرك وأتوب إليك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اتبع هداه ووالاه وبعد.
لوحظ عند بعض الأخوات غفلة عن ذكر الله تعالى-خاصة في أيام الحيض والنفاس حيث تنقطع المرأة فيها عن الصلاة والصيام مما أدى بالبعض منهن إلى السأم والملل أو الشعور بالضيق أحياناً وطول الوقت أحياناً أخرى.
وقد أحببت كتابة هذه الكلمات مساهمة في إجلاء التوجيه الشرعي في الاستفادة من وقت المرأة في تلك الحال سائلة الله تعالى أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أختي في الله:
في مقدمة رسالتي هذه أبارك لك مولودك الجديد وأسأل الله العلي القدير أن يجعله من عباده الصالحين وأن يقر به عينيك وعيني والده وأن يسعدكما به ويسعده بكما، وأن يجعله ذخراً للإسلام والمسلمين.
أختي في الله:
اعلمي أن نعمة الولد عظيمة وشكرها أعظم، ومن شكرها حمد الله والثناء عليه قولاً وعملاً، فلا تغفلي يا أختي رعاك الله عن ذلك فقد فرج الله عنك كربة وخفف عنك ثقلاً فله الحمد أولاً وآخراً وظاهرا وباطنا.
أختي في الله:
في هذه الأيام التي تنقطعين فيها عن الصلاة والصيام شرع الله لك أذكاراً كثيرة تشغلين بها وقتك وتثقلين بها ميزانك وتتصلين بواسطتها بخالقك ورازقك، فلقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه".
وفي الذكر الحكيم يقول الله تعالى{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } البقرة: 152 ويقول:{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ }الأعراف:205، وفي الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي وأنا معه إذا ذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولا".
وبهذه المناسبة أختي في الله أذكرك ببعض الأذكار المشروعة التي ينبغي أن تداومي عليها، ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشرة رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحداً أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" (رواه أحمد).
وكذلك ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" (رواه البخاري).
كما أن على المسلم كثرة الاستغفار في كل حين وليكن سيد الاستغفار ملازماً لك، ففي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم" سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال: ومن قالها في الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة".
كما أوصيك أختي المسلمة بأذكار الصباح والمساء لما فيها من الفضل والثواب كما هي حصن منيع يحفظ الله سبحانه وتعالى بها عباده.
فرص لا تفوتك:
ومن فرص الخير التي ينبغي الحفاظ عليها إجابة المؤذن ومتابعته لما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي
فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" (رواه مسلم).
كما أن للدعاء فضل بعد الآذان في هذا الوقت إجابة من الله سبحانه وتعالى فعن عبد الله بن عمرو قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قل كما يقولون، فإذا انتهيت، فسل تعطه" وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدعاء لا يرد بين الآذان والإقامة" قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة".
احتساب الرضاعة والرعاية:
أختي في الله: سلمك الله من كل مكروه، لقد عانيت من أتعاب الحمل والولادة ما الله به عليم وها أنت ترين طفلك بين أحضانك، فاللهم لك الحمد على نعمتك، وحنيئذ يبدأ الواجب في تغذيته ونظافته وراحته، وليكن غذاؤه من ما خلق الله له وأوجده بفضله وكرمه، إنه حليب الأم فالله الله في الرضاعة الطبيعة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، قومي بواجبه محتسبة الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى , فأرضعيه وقومي على رعايته بصدر رحب ونصب عينيك ولا يفوتك أجر الاحتساب والنية الصالحة.
الطفل وحاجته إلى الحنان:
أختي في الله:
إن إرضاع الطفل والحرص على نظافته وإشعاره بالحنان أمر مهم لنموه، فالعناية بالطفل واحتضانه وإشعاره بالحنان والمحبة والرحمة والقرب منه والتوادد إليه عامل من عوامل بناء شخصيته وتقويم حياته منذ نعومة أظفاره.
استغلال الأوقات المباركة:
أختي في الله:
يقبل الليل وينام الناس وقد يوقظك طفلك في الليل مرتين أو ثلاث أو أكثر وتنهضين لإرضاعه والعناية به وتغيير ملابسه فلا تغفلي عن الدعاء والاستغفار في هذا الوقت المبارك وخاصة إذا كان في الثلث الأخير من الليل وقت التنزل الإلهي فادعى الله لطفلك وإخوانه وأطفال المسلمين بالصلاح والهداية وأن يصلح الله بهم، وينفع بهم الإسلام والمسلمين وليكن هذا أهم هدف ترجينه في ذريتك وادعي الله لك وللمسلمين في كل مكان ولنتذكر أن هناك ملك يقول " ولك بمثل ذلك "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا با لله، ثم قال: اللهم اغفرلي، أو دعا استجب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته )). رواه البخاري.
السلف والوقت
وبعد هذا أختي في الله: الوقت غالي الثمن فاحرصي على اغتنامه بما يزيدك قرباً من الله عز وجل ولنا في أسلافنا قدوة حسنة فلقد كانوا يحرصون أشد الحرص على اغتنام أوقاتهم حتى في أحلك ظروفهم وأشد ما يكون الواحد منهم من الأمراض والأسقام.
ولقد كان سلفنا الأبرار يحرصون على اغتنام الوقت حتى في سكرات الموت وكرباته قال إبراهيم الجراح: مرض ا لإمام أبو يوسف القاضي فأتيته أعوده فوجدته أغمي عليه فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم: ما تقول في مسألة كذا وكذا؟ فقلت: في مثل هذه الحال؟ فقال: لا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو ناجي، ثم قمت من عنده فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله.
ومن هنا أختي الكريمة قال الحسن البصري (لقد أدركت أقواما كانوا أشد حرصاً على أوقاتهم من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم) ثم لاحظي أختي الحبيبة أن الحسن يقول هذا الكلام للتابعين الذين جاءوا بعد الصحابة الكرام. فكيف لو أدرك الحسن زماننا هذا، الذي صار الوقت فيه أرخص وأهون من التراب الذي يداس بالأقدام، ماذا عساه أن يقول؟ فقد ذكر عن داود الطائي رحمه الله أنه كان يشرب الفتيت (أي الخبز المبلول بالماء) ولا يأكل الخبز الجاف بدون فت، فقالت له مولاته: أما تشتهي أكل الخبز؟ فقال لها: لقد وجدت بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قدر قراءه خمسين آية!! فتأملي رعاك الله هذه الهمة العالية وقد ترين في هذا الحرص الشديد على اغتنام أنفاس العمر حرص دعا داود الطائي إلى ترك أكل الخبز الجاف واستبداله بشرب الفتيت لأن شرب الفتيت يستغرق وقتاً أقل بنحو مقدار خمسين آية من القرآن أي مابين أربع إلى خمس دقائق فهو يريد إغتنام هذه الأوقات والدقاتق الغالية واستغلالها فليت شعري ما عسى أن يقول داود لو أدرك زماننا ورأى أن أكثر الناس يقضون أوقاتاً طويلة على موائد الطعام في لغو وثرثرة لا طائل من ورائها .
حين أسوق مثل هذه القصص أختي الفاضلة أقصد شحذ همتك ولكي تقفلي مدخل الشيطان عليك في إضاعة الوقت بحجة أنك متعبة فتفوت عليك أوقاتاً وفرصاً كان بإمكانك استغلالها في أعمال صالحة قدر استطاعتك والموفق من وفقه الله لاغتنام حياته في كل حين.
وفي هذا المجال أسوق إليك هذا الموقف لأحد الصالحين السابقين فقد ورد أنه كان أكثر الذكر لله عز وجل فلا يفتر لسانه عن ذكر الله حتى أنه لتعود لسانه على الذكر المتواصل يضع في فمه حجرا إذا أراد الدخول إلى الخلاء ليمسك عن الذكر خشية أن يذكر الله في مكان غير مناسب لعظمته سبحانه وتعالى.
اقترحات
وفي هذا المجال أسجل لك أختي المؤمنة بعض الاقتراحات البسيطة التي يمكنك بواسطتها استغلال وقتك في هذه الأيام بالنافع ولك أيضاً أن تنفعي بها غيرك ومنها:
1- مراجعة حفظك من القرآن الكريم.
2- قراءة التفسير كتفسير جزء عم لأن سوره تتكرر غالباً في صلاتنا وهذا سبب لتدبر الصلاة ومن أمتع وأفضل ما كتب في هذا المجال كتاب تفسير جزء عم للشيخ محمدبن صالح العثيمين رحمه الله وغيره كثير في موضوعه.
3- حفظ شيء من الأحاديث مع قراءة شرحها ومن ذلك أحاديث الأربعين النووية التي لو حفظت منها في كل يوم حديثين لأكملتها في عشرين يوماً وكانت بإذن الله تعالى زاداً لك وتقوية في إيمانك ويمكنك استغلالها ومناقشتها مع من يزورك في هذه الفترة وغيرها فتستفيدين وتفيدي غيرك، ثم اعلمي أنك باطلاعك هذا وتعلمك أمور دينك تزدادين رفعة عند مولاك{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة-11
وفي الحديث عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يرد لله به خيراً يفقهه في الدين
وفي حديث أبي الدرداء قال سمعت رسول الله يقول من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وفيه يقول " وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء"
ومن الاقتراحات الحرص على الصدقة والانفاق في وجوه البر على قدر الاستطاعة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث ثمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما قالت فاعجبني شأنها فذكرت ذلك الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله عز وجل قد أوجب لها بها الجنة. عزيزتي الأم هذا الأجر والثواب على تمرة فما بالك بمن تصدق بأكثر من ذلك، فلربما تصدقت على مسكين ففرجت عنه وقضيت حاجته فلم يجد ما يكافئك به غير أن يرفع يديه إلى الله بدعاء الله عز وجل فيكون سبباً لسعادتك في الدنيا والآخرة.
خرجت امرأة ذات يوم من منزلها إلى إحدى البقالات المجاورة لمنزلها لشراء حاجة لهما يسيرة من طعام (خبزاً و نحوه)، وكانت قليلة ذات اليد وفي طريق عودتها إلى منزلها رأت أحد العمال الأجانب فأحست بفقره وقالت لعلي أتصدق عليه بما اشتريت وقدمته على نفسها، وكان لهذه المرأة ولد شاب لا يعرف طريق المسجد ولا يحافظ على صلاته وعندما عادت إلى بيتها قبيل أذان المغرب وكان ابنها نائما أيقظته للذهاب بها إلى إحدى القرى المجاورة لبلدتها وحان وقت صلاة المغرب وهم في الطريق فما كان من هذا الشاب إلا أن أوقف سيارته عند أحد المساجد في الطريق ودخل ليصلي، وقد كانت هذه أمنية أمه ولكنها لم تتوقع هذا العمل منه فحقق الله لها تلك الأمنية دون تدخل منها فكانت انطلاقة خير له ولعل هذا كان بفضل الله ثم بسبب صدقتها على ذلك العامل وربما أن هذا العامل دعا لهما ولذريتها بدعوة صالحة فاستجاب الله لدعائه.
إذن أختي هذه دعوة للإنفاق في سبيل الله ابتغاء وجهه تعالى، وإني لأعلم عن بعض الأمهات من تستأذن زوجها لتتصدق بما يقدم لها ولمولودها من الهدايا أو المال أو الحلي على أسرة فقيرة، فيا حبذا لو يكون هذا نهج كل أم تفرج به هم وتنفس به كرب، ولقد علمت أن أماً رزقت بتوأم وتمر على أبيهم ساعات يبكي لفقره ولعدم وجود ما يشتري لهم به الحليب، فتصدقي أختي لتجدي بإذن الله انشراح الصدر وتيسير الأمر وتوفيق الله تعالى.
وصية: وفي ختام المجلس وبعد الزيارة عليك اعتياد ذكر كفارة المجلس مع الزائرات فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد أن يقوم من المجلس قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، واستغفرك وأتوب إليك.