د. معاذ حوا
القلب عليه مدار الخير أو الشر في نفس الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم : « ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحتْ صلحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسدَ الجسد كله، ألا وهي القلب » أخرجه البخاري ومسلم.
البيئة التي تهيئ للقلب الظرف الأنسب لتزكية النفس وهي:
التذكُّر ووسائله
- مهما حاول الإنسان أن يزكي نفسه وقلبه؛ فإن سيره في تزكية النفس يبقى ضعيفاً، ما لم تتهيأ له البيئة المناسبة للبعد عن المعاصي وأسبابها، والبيئة المناسبة لإقامة الطاعات والتقرب إلى الله.
- وأهم أمر يرجع إليه تزكية القلب وبه تتهيأُ البيئة المناسبة لتزكية القلب وتطهيره؛ هو التذكر.
فبعد معرفة الإنسان للحقائق الكبرى والعقائد السليمة التي يعرف بها الإنسان ربه وصفاته، ويعرف نفسه وعبوديته، ويعرف بها الرسالة التي طلبت منه، والرسول الذي جاء بها، ويعرف بها الآخرة التي يسير إليها، ونحو ذلك من الحقائق المهمة والتي يترتب عليها مسار حياة الإنسان، بعد معرفة هذه الأمور؛ لا بد أن يتذكرها المسلم، وأن تكون حاضرة في قلبه حتى تُوجِد تعلُّقاً نفسياً صحيحاً، وتوجهاً قلبياً سليماً، وتدفع إلى عمل صحيح.
لذلك أَمَرَنا الله تعالى بالتذكر وعنَّف الذي لا يتذكرون، في مثل قوله: { أَفَلا تَذَكَّرُونَ } [الصافات: 155]، { وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ } [الصافات: 13].
ومدح الله تعالى أهل التذكر وبين أن التذكر لا يكون ذلك إلا من أهل العقول والقلوب وأهل الإنابة والرجوع إلى الحق: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [البقرة: 269]، { وما يتذكر إلا من ينيب }.
وأمر الله أنبياءه صلوات الله عليهم وسلامه أن يكون مذكرين للناس، قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55]، كما أمر موسى عليه الصلاة والسلام أن يكون مذكراً لقومه بآيات الله تعالى الدالة على رحمته وإحسانه وآياته الدالة على قدرته وقوته ونقمته: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [إبراهيم: 5].
وكما أَمَرَنا الله بالتذكر ويقظة الفكر والقلب؛ نهانا عن ضده وهو الغفلة، وبين لنا أن مشكلة أكثر الناس في الغفلة، وحُذِّرنا من فسادها ونتائجها الخطيرة، في مثل قوله تعالى: { وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } [الأعراف: 205]، { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [يونس: 92]، { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يونس: 7-8].
الوسائل المعينة على التذكر:
لقد شرع الله تعالى وسائل عمليةً كثيرةً تعين على التذكُّر، وأهمها: قراءة القرآن، والذكر، والتفكر، وصحبة الصالحين والشيوخ المربين الصادقين، وإقامة العبادات وعمل الجوارح بها، وفيما يأتي بيان ارتباط هذه الأمور بالتذكر، وبيان كونها أسباباً له:
1) قراءة القرآن الكريم:
قراءة القرآن مع التدبر لما فيه من حقائق ومواعظ وتنبيهات وتذكيرات، قال سبحانه وتعالى : { أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [العنكبوت: 51] { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 2] { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [الزمر: 27]، { سورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النور: 1].
2) ذكر الله تعالى:
ذكر الله مع الحضور، واستحضار صفاته، وتعظيم جلاله، ورؤية فضله: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } [الفرقان: 62]، فالأوقات في الليل والنهار خلقها الله تعالى يخلف بعضها بعضاً لتكون محلاً للتذكر ولشكر الله سبحانه.
3) التفكُّر:
إن إعمال العقل في التفكر في فعل الله وخلقه، وما يؤدي إلى معرفة صفاته، والله تعالى نبهنا في آيات كثيرة إلى أن المخلوقات والتفكر فيها أسباب للتذكر، في مثل قوله: { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } [النحل: 13]، { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ } [الواقعة: 62].
4) صحبة الشيوخ والصالحين والصادقين:
قال تعالى: { الرحمن فاسأل به خبيراً } فالعارف الخبير بالله تسأله فيعرفك عن الله تعالى ويذكرك به وبصفاته وأفعاله، وتسمع مواعظه ودروسه فيوصل إليك ما أراد الله أن يوصله إليك مما أوحى به على أنبيائه: { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [القصص: 51].
ومن واجب الشيوخ المُرَبِّين أن لا يَكُفُّوا عن تذكير الناس، عسى أن ينتفعوا: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى } [عبس: 3-4].
وإذا كان من واجب أستاذ العقيدة أن يوصل الحقائق والعقائد، فأستاذ التزكية يُذَكِّر بها أيضاً، وإذا كان من واجب أستاذ الفقه أن يوصل أحكام الأعمال، فأستاذ التزكية يُذَكِّر بوجوب تعلُّمها والعمل بها أيضاً، كما أن من واجب أستاذ التزكية أن يحرك القلوب ويدفعها إلى العمل بمقتضى العقائد والحقائق، كأن يذكرهم بأن إيمانهم بأن الله رقيب سميع بصير يقتضي وجود المراقبة ودوامها في قلب المسلم، ومن واجب أستاذ التزكية أن يدفع النفوس ويُرَغِّبها ويحثها على العمل بأحكام الله وأوامره ويبين لها أجر ذلك وفضيلته وكرامته وحلاوته، فأكثر عمل الشيخ المربي المزكي ترجع إلى القلب والتأثير عليه.
5) أعمال العبادات:
إن جميع العبادات التي يؤديها الجسد تذكِّر القلب بمعاني إيمانية، فكل عبادة ظاهرة وكل عمل جسدي شُرِع ليغذِّي معاني قلبية وليذكر بها، فالسجود - مثلاً - يذكر بعظمة الله ويذكِّر بذلة العبد له، والزكاة تذكِّر بهوان الدنيا وإخراجها من القلب والتصدق بها لأجل الله، وتذكر برقة القلب وحبه الإحسان إلى المسلمين الضعفاء، والصيام يذكِّر بفقر الإنسان وحاجته واضطراره إلى الطعام والشراب الذي خلقه الله، ويذكره بأنه ضعيف محتاج إلى نعم الله، ويذكِّر الصيام بوجوب التجرد عن شهوات النفس، ويُذَكِّرُ الجهاد بأن النفس والمال لله، فإذا طلبهما الله من عبده بَذَلَهما له وهو راضٍ مستسلم، ويُذَكِّر الحج بالشكر لله تعالى على نعمة الأنعام، كما يفتح الحج مجالاً واسعاً من الوقت للذكر وللتذلل لله تعالى والإقبال عليه.
فهذه العبادات وغيرها هي ظروف ومحلّات لِنُدْخِل التذكر من خلالها، فنتذكر الحقائق والعقائد، ونَخرُج بها عن الغفلة والنسيان، فكلّما كثرت العبادات كلّما كثر التذكر وظهرت آثاره في انتباه القلب وحضورِ المعاني التي بها توجَد الأحوال والمقامات والصفات القلبية السليمة، كالشكر والصبر والخوف والرجاء والإخلاص والتوكل والأنس والحب وغير ذلك.
وكلما قلَّت العبادات كلما قَلَّ التذكر وزادت الغفلة، فتظهر أمراض القلوب والمعاني التي بها توجد الصفات القلبية المذمومة، كالرياء، وجحود النعمة، والتذمر من البلاء ومن الواجبات، والتكبر، والتعلق بالدنيا وبالأسباب، وغير ذلك.
وتنبيهاً إلى ما في العبادات من تذكر وذكر قال تعالى: { وأقم الصلاة لذكري } ، وقال: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36] وقال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى } [طه: 124]، فسمى أحكامه والقيام بما أَمَر به ذكراً، لما فيه من تذكير بالله وبما يجب تجاهه.
البيئة التي تهيئ للقلب الظرف الأنسب لتزكية النفس وهي:
التذكُّر ووسائله
- مهما حاول الإنسان أن يزكي نفسه وقلبه؛ فإن سيره في تزكية النفس يبقى ضعيفاً، ما لم تتهيأ له البيئة المناسبة للبعد عن المعاصي وأسبابها، والبيئة المناسبة لإقامة الطاعات والتقرب إلى الله.
- وأهم أمر يرجع إليه تزكية القلب وبه تتهيأُ البيئة المناسبة لتزكية القلب وتطهيره؛ هو التذكر.
فبعد معرفة الإنسان للحقائق الكبرى والعقائد السليمة التي يعرف بها الإنسان ربه وصفاته، ويعرف نفسه وعبوديته، ويعرف بها الرسالة التي طلبت منه، والرسول الذي جاء بها، ويعرف بها الآخرة التي يسير إليها، ونحو ذلك من الحقائق المهمة والتي يترتب عليها مسار حياة الإنسان، بعد معرفة هذه الأمور؛ لا بد أن يتذكرها المسلم، وأن تكون حاضرة في قلبه حتى تُوجِد تعلُّقاً نفسياً صحيحاً، وتوجهاً قلبياً سليماً، وتدفع إلى عمل صحيح.
لذلك أَمَرَنا الله تعالى بالتذكر وعنَّف الذي لا يتذكرون، في مثل قوله: { أَفَلا تَذَكَّرُونَ } [الصافات: 155]، { وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ } [الصافات: 13].
ومدح الله تعالى أهل التذكر وبين أن التذكر لا يكون ذلك إلا من أهل العقول والقلوب وأهل الإنابة والرجوع إلى الحق: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [البقرة: 269]، { وما يتذكر إلا من ينيب }.
وأمر الله أنبياءه صلوات الله عليهم وسلامه أن يكون مذكرين للناس، قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55]، كما أمر موسى عليه الصلاة والسلام أن يكون مذكراً لقومه بآيات الله تعالى الدالة على رحمته وإحسانه وآياته الدالة على قدرته وقوته ونقمته: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [إبراهيم: 5].
وكما أَمَرَنا الله بالتذكر ويقظة الفكر والقلب؛ نهانا عن ضده وهو الغفلة، وبين لنا أن مشكلة أكثر الناس في الغفلة، وحُذِّرنا من فسادها ونتائجها الخطيرة، في مثل قوله تعالى: { وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } [الأعراف: 205]، { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [يونس: 92]، { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يونس: 7-8].
الوسائل المعينة على التذكر:
لقد شرع الله تعالى وسائل عمليةً كثيرةً تعين على التذكُّر، وأهمها: قراءة القرآن، والذكر، والتفكر، وصحبة الصالحين والشيوخ المربين الصادقين، وإقامة العبادات وعمل الجوارح بها، وفيما يأتي بيان ارتباط هذه الأمور بالتذكر، وبيان كونها أسباباً له:
1) قراءة القرآن الكريم:
قراءة القرآن مع التدبر لما فيه من حقائق ومواعظ وتنبيهات وتذكيرات، قال سبحانه وتعالى : { أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [العنكبوت: 51] { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 2] { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [الزمر: 27]، { سورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النور: 1].
2) ذكر الله تعالى:
ذكر الله مع الحضور، واستحضار صفاته، وتعظيم جلاله، ورؤية فضله: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } [الفرقان: 62]، فالأوقات في الليل والنهار خلقها الله تعالى يخلف بعضها بعضاً لتكون محلاً للتذكر ولشكر الله سبحانه.
3) التفكُّر:
إن إعمال العقل في التفكر في فعل الله وخلقه، وما يؤدي إلى معرفة صفاته، والله تعالى نبهنا في آيات كثيرة إلى أن المخلوقات والتفكر فيها أسباب للتذكر، في مثل قوله: { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } [النحل: 13]، { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ } [الواقعة: 62].
4) صحبة الشيوخ والصالحين والصادقين:
قال تعالى: { الرحمن فاسأل به خبيراً } فالعارف الخبير بالله تسأله فيعرفك عن الله تعالى ويذكرك به وبصفاته وأفعاله، وتسمع مواعظه ودروسه فيوصل إليك ما أراد الله أن يوصله إليك مما أوحى به على أنبيائه: { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [القصص: 51].
ومن واجب الشيوخ المُرَبِّين أن لا يَكُفُّوا عن تذكير الناس، عسى أن ينتفعوا: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى } [عبس: 3-4].
وإذا كان من واجب أستاذ العقيدة أن يوصل الحقائق والعقائد، فأستاذ التزكية يُذَكِّر بها أيضاً، وإذا كان من واجب أستاذ الفقه أن يوصل أحكام الأعمال، فأستاذ التزكية يُذَكِّر بوجوب تعلُّمها والعمل بها أيضاً، كما أن من واجب أستاذ التزكية أن يحرك القلوب ويدفعها إلى العمل بمقتضى العقائد والحقائق، كأن يذكرهم بأن إيمانهم بأن الله رقيب سميع بصير يقتضي وجود المراقبة ودوامها في قلب المسلم، ومن واجب أستاذ التزكية أن يدفع النفوس ويُرَغِّبها ويحثها على العمل بأحكام الله وأوامره ويبين لها أجر ذلك وفضيلته وكرامته وحلاوته، فأكثر عمل الشيخ المربي المزكي ترجع إلى القلب والتأثير عليه.
5) أعمال العبادات:
إن جميع العبادات التي يؤديها الجسد تذكِّر القلب بمعاني إيمانية، فكل عبادة ظاهرة وكل عمل جسدي شُرِع ليغذِّي معاني قلبية وليذكر بها، فالسجود - مثلاً - يذكر بعظمة الله ويذكِّر بذلة العبد له، والزكاة تذكِّر بهوان الدنيا وإخراجها من القلب والتصدق بها لأجل الله، وتذكر برقة القلب وحبه الإحسان إلى المسلمين الضعفاء، والصيام يذكِّر بفقر الإنسان وحاجته واضطراره إلى الطعام والشراب الذي خلقه الله، ويذكره بأنه ضعيف محتاج إلى نعم الله، ويذكِّر الصيام بوجوب التجرد عن شهوات النفس، ويُذَكِّرُ الجهاد بأن النفس والمال لله، فإذا طلبهما الله من عبده بَذَلَهما له وهو راضٍ مستسلم، ويُذَكِّر الحج بالشكر لله تعالى على نعمة الأنعام، كما يفتح الحج مجالاً واسعاً من الوقت للذكر وللتذلل لله تعالى والإقبال عليه.
فهذه العبادات وغيرها هي ظروف ومحلّات لِنُدْخِل التذكر من خلالها، فنتذكر الحقائق والعقائد، ونَخرُج بها عن الغفلة والنسيان، فكلّما كثرت العبادات كلّما كثر التذكر وظهرت آثاره في انتباه القلب وحضورِ المعاني التي بها توجَد الأحوال والمقامات والصفات القلبية السليمة، كالشكر والصبر والخوف والرجاء والإخلاص والتوكل والأنس والحب وغير ذلك.
وكلما قلَّت العبادات كلما قَلَّ التذكر وزادت الغفلة، فتظهر أمراض القلوب والمعاني التي بها توجد الصفات القلبية المذمومة، كالرياء، وجحود النعمة، والتذمر من البلاء ومن الواجبات، والتكبر، والتعلق بالدنيا وبالأسباب، وغير ذلك.
وتنبيهاً إلى ما في العبادات من تذكر وذكر قال تعالى: { وأقم الصلاة لذكري } ، وقال: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36] وقال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى } [طه: 124]، فسمى أحكامه والقيام بما أَمَر به ذكراً، لما فيه من تذكير بالله وبما يجب تجاهه.