مـــــــــراتـــــــــب الـــــــــجـــــــــهـــــــــاد :::
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..أما بعد:
قـال ابـن الـقـيـم الـجـوزيـه رحـمـه الـلـه:
فالـــجـــهـــاد أربـــع مـــراتـــب:
جهاد النفس..
وجهاد الشيطان..
وجهاد الكفار..
وجهاد المنافقين..
فـجـهـاد الـنـفـس أربـع مـراتـب أيـضـا:
إحـــداهـــا:
أن يجاهدها على تعلم الهدى..ودين الحق الذي لا فلاح لها..ولا سعادة لها في معاشها ومعادها إلا به..ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين..
الـــثـــانـــيـــة:
أن يجاهدها على العمل به بعد علمه..فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرّها لم ينفعها..
الـــثـــالـــثـــة:
أن يجاهدها على الدعوة إليه..وتعليمه من لا يعلمه..وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى..فلا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله..
الـــرابـــعـــة:
أن يجاهد على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله..وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله..
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين..فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يُسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه ويدعو إليه..فمن علم وعمل وعلَّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات..
وأمـا جـهـاد الـشـيـطـان فـمـرتـبـتـان:
إحـــداهـــمـــا:
جهاده على دفع ما يُلقى إلى العبد من الشبهات..والشكوك القادحة في الإيمان..
الـــثـــانـــيـــة:
جهاده على دفع ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات..
فالجهاد الأول يكون بعده اليقين..والجهاد الثاني يكون بعده الصبر..قال تعالى: " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " (السجدة 24) ..
فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر..فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة..واليقين يدفع الشكوك والشبهات..
وأمـا جـهـاد الـكـفـار والـمـنـافـقـيـن فـأربـع مـراتـب:
بالقلب..
واللسان..
والمال..
والنفس..
وجهاد الكفار أخص باليد..وجهاد المنافقين أخصّ باللسان..
وأمـا جـهـاد أربـاب الـظـلـم والـبـدع والـمـنـكـرات فـثـلاث مـراتـب:
باليد إذا قدر..
فإن عجز انتقل إلى اللسان..
فإن عجز جاهد بقلبه..
فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد.. " ومن مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " (أخرجه مسلم 1073 "مختصر" والنسائي 109 وأبي داود 2502) .. ولا يتم الجهاد إلا بالهجرة ولا الهجرة والجهاد إلا بالإيمان..الراجون رحمة الله هم الذين قاموا بهذه الثلاثة..قال تعالى: " إن الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم " (البقرة 218) ..
وكـمـا أن الإيـمـان فـرض عـلـى كـل أحـد فـفـرض عـلـيـه هـجـرتـان فـي كـل وقـت:
هجرة إلى الله عز وجل بالتوحيد والإخلاص والإنابة والتوكل والخوف والرجاء والمحبة والتوبة..
وهجرة إلى رسوله بالمتابعة والانقياد لأمره والتصديق بخبره وتقديم أمره وخبره.. " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " (أخرجه البخاري 1/7 ومسلم 1907 وأخرجه أبو داود 2201 والترمذي 1647 والنسائي 1/59 ،60 وهو في البخاري أيضا 1/126 ، 5/117 ، 7/177 ، 9/100 ، 11/496 ، 12/290) ..
وفرض عليه جهاد نفسه في ذات الله وجهاد شيطانه..فهذا لله فرض عين لا ينوب فيه أحد عن أحد..وأما جهاد الكفار والمنافين..فقد يكتفي فيه ببعض الأمة إذا حصل فهم مقصود الجهاد..
وأكمل الخلق عند الله..من كمل مراتب الجهاد كلها..والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد..ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله فإنه كمل مراتب الجهاد وجاهد في الله حق جهاده.. (زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه وسلم) ..
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين..
(الدرر العلمية من كلام ابن قيم الجوزية..أعدها وخرج أحاديثها: أبو وداعة الأثري)