|
محمد الدويش المحتويات - مقدمة - هكذا شأن التربية - هدف الحياة يا أبت - الإهمال يا أبت - مفهوم الصداقة يا أبت - السيارة يا أبت - وسائل اللهو - بين الدراسة وصلاة الفجر - حين اكتشفت الشرارة - التعليم - يصلح إذا كبر - أزمة الثقة - مشاعري غالية يا أبت - أعطني جزءاً من وقتك يا أبت - المصارحة يا أبت - الواقعية يا أبت - الخوف والجبن - كيف يعالج الخطأ - القسوة والغلظة يا أبت - الرحمة والحنان يا أبت - المكافأة - الفجوة الحضارية يا أبت - فارق العمر يا أبت - الزواج يا أبت - الناس معادن يا أبت - القدوة يا أبت - مجالس الآباء حين يحضرها الابن - مرحلة الالتزام 1.هل كان لك دور يا أبت؟ 2.لماذا تكون عائقاً يا أبت ؟ 3.أتدري يا أبت كم حفظت من القرآن ؟ 4.أتعرف أصحابي ؟ 5.هل أنا متشدد فعلاً ؟ - أختي يا أبت ·وأخيرا مقدمة هذه أفكار تربوية من ابن إلى أبيه، يحدثه عن بعض الأخطاء التربوية، وهاهنا تنبيهات: 1- إن هذا الحديث لايعني أن نضع الآباء في قفص الاتهام، وقاعة المحاكمة، أو أن نواجه الأب بقائمة طويلة من التهم والأخطاء التربوية، إن القضية ابتداءً وانتهاءً هي محاولة للوصول إلى وضع أفضل، ومستوى أعلى من التربية. 2- لن نتحدث في هذه الدقائق عن نظرية تربوية شاملة، ولا عن أسس تربية الابن، إنما هو محاولة لإلقاء الضوء على بعض التصرفات التربوية الخاطئة التي تصدر من بعض الآباء. 3- الكثير من الآباء يدرك مسؤوليته عن التربية، وخطورة إهمال ابنه ومصطلح ( تربية الأبناء) مصطلح واضح له دلالات محددة لديه. لكن هذا شيء وسلوك الطريق السليم شيء آخر. 4- إن هذا الحديث لايعني أن الأب وحده هو المسؤول الأول والأخير، وأن نقف موقف المحامي والمدافع عن الابن؛ إنما الأب بدون شك يتحمل جزءاً من المسؤولية، ولايعني من الذي يتحمل الجزء الأكبر بقدر مايعني ضرورة الوقوف على الخطأ وتصحيحه. 5- وحديثنا هنا لايعني أن هذا شأن الجميع، وأسلوب الكافة، بل هناك من يحسن التربية، ويجيد التوجيه وهو مثال للأب المربي الواعي. 6-ولايعني أيضاً سرد هذه الأخطاء التربوية أن كل أب يحوي هذه الأخطاء جميعاً، فالأول له نصيب من هذا الخطأ دون ذاك، والثاني كذلك، والرابع.. والخامس. بل لعل هذه الأخطاء لايمكن أن تجتمع في أب واحد. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أدام الله علينا وعليكم نعمة الإسلام، والصحة والعافية، أحييك يا أبت بتحية أهل الإسلام، تحية المحبة والمودة، تحية من لهج قلبه بالتوقير والحب لك، ولسانه بالثناء عليك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يا أبت أذكرك مع إشراقة كل شمس وغروبها، أذكرك مع إقبال الليل وإدبار النهار، حين أسافر وحين أقيم، حين أحل وحين أرتحل؛ فمحياك لايفارق ناظري، وذكراك لاتزول عن خاطري. يا أبت كم هي عظيمة آلاؤك عليَّ، وكم هو جميل إحسانك لي، ولن أستطيع إحصاء أفضالك، أو عد محاسنك، فأنت الذي تفتحت عيني على رؤياه، وتحملت المشاق من أجلي . يا أبت لقد قرأت في كتاب الله عز وجل حواراً بين إبراهيم وأبيه وفي كل كلمة يقولها لأبيه يصدرها بقوله يا أبت. فأحببت أن يكون هذا عنوان رسالتي إليك يا أبت. ومعاذ الله، معاذ الله يا أبت أن أضع نفسي موضع إبراهيم، وأضعك موضع أبيه، أو أن أتحول إلى موجه لك ومعلم. يا أبت لقد عِشْتُ مرحلة من العمر مضت بما فيها، مرحلة غفوة وصبوة، ثم من الله علي بالهداية، وجلست أفكر ملياً وطويلاً فيما مضى، وما أعانيه؛ فقررت بعد طول تفكير ، وجزمت بعد طول تردد أن أسطر لك هذه الرسالة لأتحدث معك بكل صراحة، وأخاطبك بكل وضوح فأصارحك ببعض ما أرى أنه كان لاينبغي تجاهي من أساليب تربوية، وأنا أجزم أنك بإذن الله ستتجاوز هذه الأخطاء تجاهي أولاً، وتجاه إخوتي ثانياً. إن المصارحة ضرورة، يا أبت، والتهرب من الواقع لن يجني ثماره غيرنا. يا أبت : لايدر في بالك أبداً أن ماأذكره عنوان نقص قدرك لدي، أو دليل ضعف محبتك، أو مبادئ عقوق حاشا لله. إني وحين أسطر هذه السطور لازلت أدعو لك في صلاتي، وما تركت موطناً أرجو فيه إجابة الدعاء إلا وتوجهت لك بالدعاء الخالص. ولازال لساني يفيض لك بعبارات الثناء والاعتراف بالجميل ، أسأل الله أن يعينني على برك وأداء حقك. وقد تطول فصول هذه الرسالة لكن ذلك خير من أن تطول فصول المعاناة، ويكثر سرد الأخطاء وهو خير بكل حال من أن يكثر الندم والتحسر على الإهمال، وهذا أوان الشروع في المقصود. هكذا شأن التربية : [ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون]. " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته "متفق عليه. قال ابن مسعود رضي الله عنه : " حافظوا على أبنائكم في الصلاة وعودوهم الخير فإن الخير عادة ". قال ابن القيم : " قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً فللابن على أبيه حق؛ فكما قال الله تعالى [ووصينا الإنسان بوالديه حسناً] وقال تعالى [قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة] قال علي بن أبي طالب : علموهم وأدبوهم. وقال تعالى [واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اعدلوا بين أولادكم " فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال تعالى [ولاتقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا] فمن أهمل تعليم ولده ماينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة؛ وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم على العقوق، فقال يا أبت إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً ". وقال الغزالي :"الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل مانقش، ومائلٌ إلى كل مايمال به إليه؛ فإن عُوِّد الخير وعُلِّمَه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه، والوالي له. وإلى هذا أشر أبو العلاء في قوله :- وينشأ ناشيء الفتيان فينـــا *** على ماكان عــوده أبــوه ومادان الفتى بحجى ولــكـن *** يعلمه التدين أقربـــــوه وهاهو ابن باديس يا أبت يقول : " إن الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي رباني تربية صالحة، ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقة أتبعها، ومشرباً أرده، وقاتني، وأعاشني، وبراني كالسهم، وحماني من المكاره صغيراً وكبيراً ". يتبع |
5 مشترك
أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
هومه
- مساهمة رقم 1
أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
هومه
- مساهمة رقم 2
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
هدف الحياة يا أبت
كثيراً ما تحدثني يا أبت حديثاً مستفيضاً عن المستقبل، حديثاً ألمس منه الحرص، وحرارة العاطفة: " يابني اجتهد في دراستك لتتفوق بإذن الله فتحصل على الشهادة العالية، والوظيفة المناسبة، لقد كنت تحدثني عن بناء المنزل، والزواج، والأولاد، والوظيفة" حتى اختزلت أهداف الحياة لتصبح هذا الهدف الوحيد، والمراد الأهم والأساس، لكني يا أبت لم أسمع منك يوماً من الأيام الحديث عن دوري في الحياة يابني اجتهد لتكون أهلاً لأن تخدم أمتك، وتساهم في نصرة دينك. يابني لقد ابتعد الناس عن شرع الله وأعرضوا عن معينه الصافي، فالأمل فيك أن تعد نفسك، وتبني ذاتك لتكون أهلاً للمشاركة في إنقاذ الأمة من رقادها ". ألا ترى يا أبت أن هدف الحياة أعلى وأسمى من مجرد حطام الدنيا الفاني، ويؤسفني يا أبت أن أقول لك نشأت وترعرعت والدنيا همي، فلأجلها أدرس، وأتعلم، وأعمل.
لقد حفظت يا أبت مما حفظته في عمدة الأحكام حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ".
عدل سابقا من قبل هومه في الخميس 05 فبراير 2009, 9:37 am عدل 1 مرات
امة الرحمن
- مساهمة رقم 3
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
ماشاء الله موضوع رائع جدا
ننتظر البقية بكل الشوق
ننتظر البقية بكل الشوق
هومه
- مساهمة رقم 4
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
حاضر حبيبتى امه الرحمن من عيونى انتظرينى فى البقيه القادم اروع ان شاء الله
مرورك دائما سبب لسعادتى حبيبتى
بارك الله فيك
مرورك دائما سبب لسعادتى حبيبتى
بارك الله فيك
هومه
- مساهمة رقم 6
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
بارك الله فيك اختى نور الصباح
اليك البقيه
الإهمال يا أبت
ألا تشعر يا أبت أن واجب التربية يفرض على المربي المتابعة لابنه ومعرفة مدخله ومخرجه؛ فما نصيبك أنت يا أبت من ذلك. إنك لاتعرف أحداً من أصدقائي اللهم إلا عن طريق الصدفة. أما أين أذهب؟ وكيف نقضي أوقاتنا؟ وماذا نمارس؟ فهذا مالاتعلم عنه شيئاً.
إن هذا السلوك التربوي والذي يكون دافعه الإهمال، أو الثقة المفرطة أحياناً. إن هذا السلوك يريح الابن، ويفتح له الباب على مصراعيه لكن نهايته يا أبت لن تكون محمودة العاقبة، ولامطمئنة النهاية.
إنني حين أدعوك يا أبت للمتابعة، والملاحظة فلست أدعوك أن تكون كوالد زميلي في الفصل والذي يحدثني عن نفسه يا أبت أن والده يفرض عليه رقابة صارمة، فلا يسمح له بالخروج من المنزل، ويشك في تصرفاته، ولابد أن يراه في المسجد وإلا فهذا يعني أنه لم يؤد الصلاة، ويقوم بتفتيش غرفته الخاصة، وأحياناً يتصنت على مكالماته الهاتفية. وتصور يا أبت أنه قام بقياس المسافة بين منزله والمدرسة ليعرف هل سار بسيارته إلى شيء آخر. إن هذا الأسلوب يا أبت يخرج ابناً محطماً لايثق بنفسه، ولايتعامل مع الآخرين، وحين تتاح له الفرصة فسينطلق دون قيد أو وازع. فحين ينتقل إلى الجامعة ويجاوز القرية فسينفتح على عالم لن يجيد التعامل معه، بل افترض أن والده قد مات فماذا ستكون حاله بعد ذلك؟
فالتوسط هو سنة الله في الحياة يا أبت؛ فالإهمال أمر مرفوض، والرقابة الصارمة والقسوة هي الأخرى مرفوضة كذلك.
اليك البقيه
الإهمال يا أبت
ألا تشعر يا أبت أن واجب التربية يفرض على المربي المتابعة لابنه ومعرفة مدخله ومخرجه؛ فما نصيبك أنت يا أبت من ذلك. إنك لاتعرف أحداً من أصدقائي اللهم إلا عن طريق الصدفة. أما أين أذهب؟ وكيف نقضي أوقاتنا؟ وماذا نمارس؟ فهذا مالاتعلم عنه شيئاً.
إن هذا السلوك التربوي والذي يكون دافعه الإهمال، أو الثقة المفرطة أحياناً. إن هذا السلوك يريح الابن، ويفتح له الباب على مصراعيه لكن نهايته يا أبت لن تكون محمودة العاقبة، ولامطمئنة النهاية.
إنني حين أدعوك يا أبت للمتابعة، والملاحظة فلست أدعوك أن تكون كوالد زميلي في الفصل والذي يحدثني عن نفسه يا أبت أن والده يفرض عليه رقابة صارمة، فلا يسمح له بالخروج من المنزل، ويشك في تصرفاته، ولابد أن يراه في المسجد وإلا فهذا يعني أنه لم يؤد الصلاة، ويقوم بتفتيش غرفته الخاصة، وأحياناً يتصنت على مكالماته الهاتفية. وتصور يا أبت أنه قام بقياس المسافة بين منزله والمدرسة ليعرف هل سار بسيارته إلى شيء آخر. إن هذا الأسلوب يا أبت يخرج ابناً محطماً لايثق بنفسه، ولايتعامل مع الآخرين، وحين تتاح له الفرصة فسينطلق دون قيد أو وازع. فحين ينتقل إلى الجامعة ويجاوز القرية فسينفتح على عالم لن يجيد التعامل معه، بل افترض أن والده قد مات فماذا ستكون حاله بعد ذلك؟
فالتوسط هو سنة الله في الحياة يا أبت؛ فالإهمال أمر مرفوض، والرقابة الصارمة والقسوة هي الأخرى مرفوضة كذلك.
امة الرحمن
- مساهمة رقم 8
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
ربنا يعزك حبيبتي هومه
ويرفع قدرك
احبك في الله يا غاليه
ويرفع قدرك
احبك في الله يا غاليه
هومه
- مساهمة رقم 9
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
وجزاك حبيبتى نور الصباح الله خير الجزاءاللهم امين
حبيبتى امه الرحمن احبك الذى احببتنى له
واليكم البقيه
مفهوم الصداقة يا أبت
جليس السوء يا أبت كنافخ الكير كما شبهه صلى الله عليه وسلم وليس من وصف أبلغ من هذا الوصف. لقد كنت يا أبت تنهاني فعلاً عن جليس السوء لكني اكتشفت فيما بعد أن مفهوم السوء يحتاج إلى تحرير وتحديد. لقد سألتني عن صديقي محمد فقلت لك إنه ابن فلان، فقلت : نعم الرجل والده فقد كان صاحباً لي وخيِّراً، وكأني يا أبت سوف أصاحب والده، ومحمد يا أبت من أسوأ الشباب الذين صحبتهم، وأبناء خالي كانوا لايقلون عنه سوءاً، وقد كان لهم عظيم الأثر علي في مقتبل حياتي، ومع ذلك كانت قرابتهم هي المؤهل الوحيد لديك لتزكيتهم.
إن القرابة يا أبت، ومعرفة والد الصديق ليست معياراً في صلاحه.
حبيبتى امه الرحمن احبك الذى احببتنى له
واليكم البقيه
مفهوم الصداقة يا أبت
جليس السوء يا أبت كنافخ الكير كما شبهه صلى الله عليه وسلم وليس من وصف أبلغ من هذا الوصف. لقد كنت يا أبت تنهاني فعلاً عن جليس السوء لكني اكتشفت فيما بعد أن مفهوم السوء يحتاج إلى تحرير وتحديد. لقد سألتني عن صديقي محمد فقلت لك إنه ابن فلان، فقلت : نعم الرجل والده فقد كان صاحباً لي وخيِّراً، وكأني يا أبت سوف أصاحب والده، ومحمد يا أبت من أسوأ الشباب الذين صحبتهم، وأبناء خالي كانوا لايقلون عنه سوءاً، وقد كان لهم عظيم الأثر علي في مقتبل حياتي، ومع ذلك كانت قرابتهم هي المؤهل الوحيد لديك لتزكيتهم.
إن القرابة يا أبت، ومعرفة والد الصديق ليست معياراً في صلاحه.
هومه
- مساهمة رقم 10
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
السيارة يا أبت
يا أبت لاأنسى ذاك اليوم الذي سلمتني فيه مفتاح السيارة، ومعه بعض الوصايا العاجلة، لقد فرحت بها، وقدرت لك الموقف في حينه، وكنت أقدم لك مايرضيك للحصول على هذا المطلب، وبعد أن تقدم بي العمر اكتشفت يا أبت، أنه كان الأولى أن يتأخر هذا القرار.
معذرة يا أبت إن قلت لك إنك اشتريت السيارة استجابة لضغط أمي وإلحاحها، وثانياً لأكفيك أمور المنزل وحاجات الأهل، إن من حقك يا أبت أن تبحث عما يرضي ابنك، ومن حقك تجاه ابنك وواجبه نحوك أن يكفيك مؤنة المنزل وأعباءه؛ لكن ذلك ينبغي أن لايكون على حساب التربية يا أبت.
نعم أقولها يا أبت وبكل أسف لقد كنت قبل أن يهديني الله أذهب بسيارتي إلى حيث مالايرضي الله، دون أن تعلم أبت أين أذهب، أو حتى والدتي، ومع اعترافي يا أبت بأني أتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية إلا أني أعتقد أن من أعطاني السيارة في ذاك الوقت يتحمل جزءاً لايقل عما أتحمله أنا.
انتصار- الادارة العامة
- مساهمة رقم 11
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
الله يبارك فيك حبيتبي هومه
مشاركة قيمة هادفة نافعة بإذن الله
هدى الله الجميع اباء وابناء وامهات لكل خير
مشاركة قيمة هادفة نافعة بإذن الله
هدى الله الجميع اباء وابناء وامهات لكل خير
هومه
- مساهمة رقم 12
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
وفيك بارك الرحمن حبيبتى انتصار الله ما يحرمنى منك ولا من تشجيعك امين يارب العالمين
وسائل اللهو
يا أبت : من الذي أحضر جهاز التلفاز في البيت، وبعده جهاز الفيديو، وبعده صحن الاستقبال، من الذي سمح لي باقتناء المجلات الهابطة، والأغاني الساقطة، أليس أبي؟ ويطالبني بعد ذلك بالاتزان، بالجد في الدراسة والتفرغ لها، وقد تاه قلبي في أودية وشعاب أخرى لاتخفى عليك يا أبت.
ألا ترى أن الأولى كان يا أبت هو ذكر مساويء هذه الأجهزة، والتحذير منها، والنهي عنها بدلاً من تأمينها، أو السماح باقتنائها.
بين الدراسة وصلاة الفجر
لقد حفظت يا أبت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر "، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لايتخلف عنها إلا منافق "، وأبي يوقظني لصلاة الفجر أحياناً، لكنه لايزيد على أن يوقظني بكلمة واحدة ثم ينصرف، وكم من مرة تخلفت عن الصلاة فلم أسمع منه كلمة عتاب، أما الإجازة فأنت تعلم متى كنت أصليها.
أما حين تخلفت يا أبت عن الدراسة فتعلم ماذا صنعت معي يا أبت، أترضى يا أبت أن يقول الناس عنك إن الصلاة أقل شأناً وأهون قدراً لديك من الدراسة وأمور الدنيا ؟ اسمح لي يا أبت إن قلت إن صنيعك يشعر الناس بذلك.
وكم كنت أتمنى أن تصنع كما يصنع والد جارنا محمد فهو يحدثني عن والده أنه يوقظه للصلاة بكل هدوء، ثم يصحبه إلى المسجد، وهذا شأنه من الصغر حتى اعتاد على ذلك. وذات يوم تأخر عن الصلاة فدعاه والده وقال له يابني لاتخفى عليك قيمة الصلاة وفضلها، وخاصة صلاة الفجر. واليوم لم تستيقظ للصلاة، فأرجو أن تفكر ملياً ما السبب في ذلك ؟ فإن اكتشفت أنه السهر حرصت على النوم مبكراً، وهكذا.
يالها من تربية عالية يا أبت.
وسائل اللهو
يا أبت : من الذي أحضر جهاز التلفاز في البيت، وبعده جهاز الفيديو، وبعده صحن الاستقبال، من الذي سمح لي باقتناء المجلات الهابطة، والأغاني الساقطة، أليس أبي؟ ويطالبني بعد ذلك بالاتزان، بالجد في الدراسة والتفرغ لها، وقد تاه قلبي في أودية وشعاب أخرى لاتخفى عليك يا أبت.
ألا ترى أن الأولى كان يا أبت هو ذكر مساويء هذه الأجهزة، والتحذير منها، والنهي عنها بدلاً من تأمينها، أو السماح باقتنائها.
بين الدراسة وصلاة الفجر
لقد حفظت يا أبت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر "، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لايتخلف عنها إلا منافق "، وأبي يوقظني لصلاة الفجر أحياناً، لكنه لايزيد على أن يوقظني بكلمة واحدة ثم ينصرف، وكم من مرة تخلفت عن الصلاة فلم أسمع منه كلمة عتاب، أما الإجازة فأنت تعلم متى كنت أصليها.
أما حين تخلفت يا أبت عن الدراسة فتعلم ماذا صنعت معي يا أبت، أترضى يا أبت أن يقول الناس عنك إن الصلاة أقل شأناً وأهون قدراً لديك من الدراسة وأمور الدنيا ؟ اسمح لي يا أبت إن قلت إن صنيعك يشعر الناس بذلك.
وكم كنت أتمنى أن تصنع كما يصنع والد جارنا محمد فهو يحدثني عن والده أنه يوقظه للصلاة بكل هدوء، ثم يصحبه إلى المسجد، وهذا شأنه من الصغر حتى اعتاد على ذلك. وذات يوم تأخر عن الصلاة فدعاه والده وقال له يابني لاتخفى عليك قيمة الصلاة وفضلها، وخاصة صلاة الفجر. واليوم لم تستيقظ للصلاة، فأرجو أن تفكر ملياً ما السبب في ذلك ؟ فإن اكتشفت أنه السهر حرصت على النوم مبكراً، وهكذا.
يالها من تربية عالية يا أبت.
الفقيرة إلى الله
- مساهمة رقم 13
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
ماشاء الله حبيبتي هومة
نقل جيد ،نسأل الله أن ينفعنا وإياك به
كما أسأله سبحانه أن يرزقنا ذا الإبن الذي ينصح بهذا الحرص والأدب
ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) آمين )
متابعين بشوق
هومه
- مساهمة رقم 15
رد: أفكار تربوية من الأبناء إلى الآباء
حين اكتشفت الشرارة:
لازال في خاطري وهاجسي يا أبت موقفك حين اكتشفت أول مظهر من مظاهر الانحراف عند أخي - وقد كان ذلك بالطبع عن طريق الصدفة وبعد وقت طويل - أتذكر يا أبت كيف كان موقفك ؟ كلمات لاذعة كالعادة، وتأنيب قاس، وماهي إلا أيام وكأن شيئاً لم يكن، حتى استمرأ أخي ماهو عليه، وألف الفساد.
ما رأيك يا أبت لو كان البديل أن جلست معه جلسة خاصة، وفتحت له قلبك، وسألته المصارحة. ما السبب ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟ أتعرف عواقب هذا الطريق ؟ وما ذا أستطيع أن أعينك به ؟ وهذا كله مع قدر من الحزم والجدية، ألا ترى أن هذا البديل قد يكون أنجع، وأن هذا الحل قد يكون أولى.
الـتـــعلــيم:
أعتقد يا أبت أن التربية أبعد مدىً من مجرد الأمر بالصلاة، والنهي عن المنكرات، والتي حتى لانسمعها إلا بلغة أعلنت المقاطعة التامة مع الرفق والحكمة. أليس من حقي يا أبت عليك أن تأخذ بيدي في وصية بالغة، أو موعظة، أو تذكير، أو تعليم مسألة من المسائل.
لقد قرأت يا أبت في كتاب الله عن لقمان الذي آتاه الله الحكمة وصيته الجامعة الفذة لابنه؛ وكم كنت أتمنى أن أتلقى منك مثل هذا التوجيه والتعليم.
يا أبت أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت.... "
قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : كان سعد يعلمنا خمساً يذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر " رواه البخاري.
قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص : كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول يابَني إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها.
يا أبت : قال ابن سحنون في كتابه آداب المعلمين عن القاضي الورع عيسى بن مسكين أنه كان يقرئ بناته وحفيداته. قال عياض: فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه، وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله أسد بن الفرات بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة.
لقد كان السلف يا أبت يعنون بتعليم أبنائهم وتوجيههم ومن ثم حفظ لنا التاريخ الوصايا الكثيرة التي تلقوها من آبائهم. روى الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع أن إبراهيم بن الحبيب بن الشهيد قال: قال لي أبي : ائت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إلي من كثير من الحديث.
وحين سافرت يأبت مع أستاذي في رحلة مدرسية عشت فيها جواً أستذكر طيفه وخياله كل يوم، فكنت أسمع التوجيه، والموعظة، والتأديب، والفائدة من أستاذي بلغة التعليم، والتربية. مما كنت لا أسمعه من أبي وللأسف. ومما حفظته في المدرسة يا أبت :_
عود بنيك على الآداب في الصغر ***كيــما تقر بهم عيناك في الكـــبر
فإنما مثل الآداب تجمعهـــــا*** في عنفوان الصبا كالنقش في الحجـر
يصلح إذا كبر:
كنت أقدم الشاي يوماً للضيوف وأسمع بالطبع مايدور بينكم من نقاش كان يهمني بدرجة كبيرة لأنه حديث عنا معشر الأبناء. وصدمت بتعليقك : ( يكبر حين يصلح... هكذا الشباب... وقد كنا نحن في الصغر كذلك حتى هدانا الله... ) وقلت في نفسي نعم تقول كنا كذلك لأنك للأسف يا أبت لم تعلم ماذا نصنع، ولاتدري ماذا نمارس، ولو علمت بذلك كان لك منطق آخر ولغة أخرى، وقد تساءلت بمرارة يا أبت عن هذا المنطق يكبر حين يصلح، فمن يضمن ذلك، ولم لايكون البديل يزداد إيغالاً في السوء والانحراف؟ ثم هل تضمن له أن يكبر يا أبت ؟. أتذكر قبل شهرين حين توفي اثنين من زملائي تغمدهم الله برحمته، وبعدهم بأسبوعين توفي اثنان كذلك، ولم تتصور أن ابنك لن يكون كهؤلاء فيتخطفه الأجل قبل الموعد الموهوم الذي تنتظر أن يتوب فيه.
أزمة الثقة:
أجد يا أبت فرقاً شاسعاً بين ما ألقاه منك من تعامل حين أكون مع الناس، وبين مافي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام:" أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟" فقال الغلام : لا والله يارسول الله لاأوثر بنصيبي منك أحداً، فتله – أي وضعه – رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى الشيخان يا أبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه : " من الشجر شجرة لايسقط ورقها ومثلها مثل المسلم فحدثوني ماهي؟" فذهب الناس في شجر البوادي وكان ابن عمر أصغر القوم فاستحيا أن يقول إنها النخلة، وحين أخبر أباه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له : لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا.
يا أبت لقد تجرأ ابن عمر رضي الله عنه أن يحدث أباه بعد ذلك بما دار في نفسه، وشجعه أبوه رضي الله عنه على أن يكون قالها، وفي الوقت نفسه لم يعاتبه ويوبخه على عدم قوله لها.
كنت أقرأ في التاريخ يا أبت عن سيرة أسامة بن زيد رضي الله عنه، وعبدالله بن عمر، والأرقم بن الأرقم، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم من شباب الصحابة الذين كانت لهم أدوار محمودة في تاريخ أمتهم، وفكرت يوماً من الأيام أن أتطلع لأكون مثلهم، وأقتدي بهم. لكني وجدت أن أبي قد رباني على أني لست مؤهلاً إلا لإيصال الأهل للسوق، وإحضار الخبز للمنزل؛ حتى الفاكهة لست مؤهلاً لشرائها من السوق، فضلاً عن الذبيحة، ومع ذلك لست مؤهلاً لاستقبال الضيوف، أو الجلوس معهم إلا حين أقوم بتقديم القهوة والشاي فقط.
ألا ترى يا أبت أن هذا قد أدى إلا طمس الثقة بنفسي حتى أصبحت أشعر أني لست مؤهلاً لأي دور في الحياة.
مشاعري غالية يا أبت:
أتذكر يا أبت حين كان الضيوف لديك فأحضرت الشاي، وتعثرت في الطريق، أتذكر كلمات التأنيب أمام عمومتي وأقاربي؟ إن كنت نسيتها فإن الصافع ينسى مالاينساه المصفوع، وهل تتصور أني نسيت يا أبت حين قدمت إليك وقد أخفقت في امتحان الدور الأول في حين نجح إخوتي وفي مجلس قريب من المجلس نفسه فلقيت من الانتقاد والسخرية منك ما لقيت؟ وهل تريدني أن أنسى ذاك التأنيب القاسي الذي وجهته لي أمام زملائي وأصحابي؟
بل أحياناً يا أبت تحملني ما لم أتحمل؛ ففي ذات مساء أمرتني أن أحضر الطيب للضيوف فذهبت إلى أمي فوجدته لم ينته بعد وعدت إليك، ألم يكن لديك بديل عن التأنيب لي ولأمي ؟ أو ليس الأولى أن تقدر في نفسك أنه لما ينته بعد؟ وهب أنه تأخر لدقائق وما ذا في الأمر؟ أعتذر لك يا أبت عن الاستطراد في هذه الأمثلة لأقول لك بعد ذلك ألا تتصور أني إنسان أحمل مشاعر وأحتاج كغيري للاحترام والاعتراف بشخصيتي ؟
لقد حفظت يا أبت في عمدة الأحكام أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتذر لأحد أصحابه حين أهدى له صيداً وهو محرم، فلما رأى مافي وجهه دعاه، واعتذر له وقال:" لم نرده عليك إلا أنا حرم".
أعطني جزءاً من وقتك يا أبت :
كم هما شخصيتان متخلفتان يا أبت، شخصية أبي حين يكون مع أصحابه وزملائه يتحدث وإياهم بكل انبساطة وسعة بال، وقد علته ابتسامة مشرقة، والشخصية الثانية لأبي نفسه حين يجلس معنا فلا نراه إلا على وجبة الطعام، والسكوت قد خيم على الجميع لايقطعه إلا الأوامر التي ترد منه تارة وتارة. أما أن يصحبنا في نزهة، أو يباسطنا الحديث، أو يسأل عن أحوالنا فهذا ما لايمكن. إني حين أراك يا أبت مع أقرانك يؤسفني أن أقول إني أحدق النظر فيك، وأعيده مرة وأخرى. أهذا هو أبي فعلاً. لقد كنت أشعر أني يتيم حين حفظت في المدرسة :-
لـيس اليتيم من انتهى أبواه من *** هم الحياة وخلفاه ذليـــلاً
إن اليتيم الذي تلقى لــــــه*** أماً تخلت أو أبا مشغــولاً
يا أبت أقترح عليك أن تمسك ورقة وقلماً وتسجل فيه كم ساعة تقضيها في العمل الرسمي من وقتك ؟ ثم كم ساعة للراحة ؟ وكم ساعة للزملاء ؟ وكم ساعة لمشاغلك الخاصة ؟ وأخيراً كم ساعة لتربية أبنائك ؟ أخشى أن تجد إجابة مزعجة يا أبتك أخبرك عنها سلفاً لأني أعرفك جيداً. ستجد أن وقت التربية - إن استطعت أن تحسبه - لايمثل إلا نسبة تافهة من وقتك لاتسحتق الذكر. هل فكرت ياأبي أن تقرأ كتاباً أو تسمع شريطاً عن التربية وأسسها. أهكذا قدر أبنائك عندك ؟ وقيمتهم لديك ؟
يا أبت لقد دعاني ذلك أن أمنح زملائي الثقة المفرطة، وأن أستأمنهم على مشكلاتي، وأستشيرهم في أموري، وأستأمرهم في قراراتي، مع أنني أدرك أن أبي أكثر خبرة، وأصدق لهجة، وأعمق نصحاً من زملائي، لكني لاأجد الوقت المناسب له لأفاتحه الحديث، ولو وجدت الوقت لكانت أمامي العقبة الآتية:
المصارحة يا أبت :
لقد حدثتني نفسي مرة يا أبت أن أصارحك ببعض مشكلاتي ومعاناتي حين كنت وإياك على مائدة الطعام وقد سيطر عليها الصمت المطبق كالعادة، ولكني لم أستطع لأني أعرف أن الجواب سيأتيني قبل أن أكمل حديثي، لأني أعرف أني لن أعطى الفرصة للحديث، ناهيك عن أن تناقش مشكلتي بهدوء وتجرد وبموضوعية بعيدة عن التشنج والغضب.
يا أبت ألا توافقني أن الابن يحتاج إلى أن يفتح الأب له صدره، حتى يفضي له بما يريد، ويشكو له مما يعاني؟ وأن لغة النقد والتشنج تقضي على كل حماسة منه للمصارحة يدفعه لها حرارة المشكلة؟
لازال في خاطري وهاجسي يا أبت موقفك حين اكتشفت أول مظهر من مظاهر الانحراف عند أخي - وقد كان ذلك بالطبع عن طريق الصدفة وبعد وقت طويل - أتذكر يا أبت كيف كان موقفك ؟ كلمات لاذعة كالعادة، وتأنيب قاس، وماهي إلا أيام وكأن شيئاً لم يكن، حتى استمرأ أخي ماهو عليه، وألف الفساد.
ما رأيك يا أبت لو كان البديل أن جلست معه جلسة خاصة، وفتحت له قلبك، وسألته المصارحة. ما السبب ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟ أتعرف عواقب هذا الطريق ؟ وما ذا أستطيع أن أعينك به ؟ وهذا كله مع قدر من الحزم والجدية، ألا ترى أن هذا البديل قد يكون أنجع، وأن هذا الحل قد يكون أولى.
الـتـــعلــيم:
أعتقد يا أبت أن التربية أبعد مدىً من مجرد الأمر بالصلاة، والنهي عن المنكرات، والتي حتى لانسمعها إلا بلغة أعلنت المقاطعة التامة مع الرفق والحكمة. أليس من حقي يا أبت عليك أن تأخذ بيدي في وصية بالغة، أو موعظة، أو تذكير، أو تعليم مسألة من المسائل.
لقد قرأت يا أبت في كتاب الله عن لقمان الذي آتاه الله الحكمة وصيته الجامعة الفذة لابنه؛ وكم كنت أتمنى أن أتلقى منك مثل هذا التوجيه والتعليم.
يا أبت أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت.... "
قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : كان سعد يعلمنا خمساً يذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر " رواه البخاري.
قال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص : كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول يابَني إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها.
يا أبت : قال ابن سحنون في كتابه آداب المعلمين عن القاضي الورع عيسى بن مسكين أنه كان يقرئ بناته وحفيداته. قال عياض: فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه، وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله أسد بن الفرات بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة.
لقد كان السلف يا أبت يعنون بتعليم أبنائهم وتوجيههم ومن ثم حفظ لنا التاريخ الوصايا الكثيرة التي تلقوها من آبائهم. روى الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع أن إبراهيم بن الحبيب بن الشهيد قال: قال لي أبي : ائت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإن ذاك أحب إلي من كثير من الحديث.
وحين سافرت يأبت مع أستاذي في رحلة مدرسية عشت فيها جواً أستذكر طيفه وخياله كل يوم، فكنت أسمع التوجيه، والموعظة، والتأديب، والفائدة من أستاذي بلغة التعليم، والتربية. مما كنت لا أسمعه من أبي وللأسف. ومما حفظته في المدرسة يا أبت :_
عود بنيك على الآداب في الصغر ***كيــما تقر بهم عيناك في الكـــبر
فإنما مثل الآداب تجمعهـــــا*** في عنفوان الصبا كالنقش في الحجـر
يصلح إذا كبر:
كنت أقدم الشاي يوماً للضيوف وأسمع بالطبع مايدور بينكم من نقاش كان يهمني بدرجة كبيرة لأنه حديث عنا معشر الأبناء. وصدمت بتعليقك : ( يكبر حين يصلح... هكذا الشباب... وقد كنا نحن في الصغر كذلك حتى هدانا الله... ) وقلت في نفسي نعم تقول كنا كذلك لأنك للأسف يا أبت لم تعلم ماذا نصنع، ولاتدري ماذا نمارس، ولو علمت بذلك كان لك منطق آخر ولغة أخرى، وقد تساءلت بمرارة يا أبت عن هذا المنطق يكبر حين يصلح، فمن يضمن ذلك، ولم لايكون البديل يزداد إيغالاً في السوء والانحراف؟ ثم هل تضمن له أن يكبر يا أبت ؟. أتذكر قبل شهرين حين توفي اثنين من زملائي تغمدهم الله برحمته، وبعدهم بأسبوعين توفي اثنان كذلك، ولم تتصور أن ابنك لن يكون كهؤلاء فيتخطفه الأجل قبل الموعد الموهوم الذي تنتظر أن يتوب فيه.
أزمة الثقة:
أجد يا أبت فرقاً شاسعاً بين ما ألقاه منك من تعامل حين أكون مع الناس، وبين مافي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام:" أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟" فقال الغلام : لا والله يارسول الله لاأوثر بنصيبي منك أحداً، فتله – أي وضعه – رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى الشيخان يا أبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه : " من الشجر شجرة لايسقط ورقها ومثلها مثل المسلم فحدثوني ماهي؟" فذهب الناس في شجر البوادي وكان ابن عمر أصغر القوم فاستحيا أن يقول إنها النخلة، وحين أخبر أباه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له : لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا.
يا أبت لقد تجرأ ابن عمر رضي الله عنه أن يحدث أباه بعد ذلك بما دار في نفسه، وشجعه أبوه رضي الله عنه على أن يكون قالها، وفي الوقت نفسه لم يعاتبه ويوبخه على عدم قوله لها.
كنت أقرأ في التاريخ يا أبت عن سيرة أسامة بن زيد رضي الله عنه، وعبدالله بن عمر، والأرقم بن الأرقم، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم من شباب الصحابة الذين كانت لهم أدوار محمودة في تاريخ أمتهم، وفكرت يوماً من الأيام أن أتطلع لأكون مثلهم، وأقتدي بهم. لكني وجدت أن أبي قد رباني على أني لست مؤهلاً إلا لإيصال الأهل للسوق، وإحضار الخبز للمنزل؛ حتى الفاكهة لست مؤهلاً لشرائها من السوق، فضلاً عن الذبيحة، ومع ذلك لست مؤهلاً لاستقبال الضيوف، أو الجلوس معهم إلا حين أقوم بتقديم القهوة والشاي فقط.
ألا ترى يا أبت أن هذا قد أدى إلا طمس الثقة بنفسي حتى أصبحت أشعر أني لست مؤهلاً لأي دور في الحياة.
مشاعري غالية يا أبت:
أتذكر يا أبت حين كان الضيوف لديك فأحضرت الشاي، وتعثرت في الطريق، أتذكر كلمات التأنيب أمام عمومتي وأقاربي؟ إن كنت نسيتها فإن الصافع ينسى مالاينساه المصفوع، وهل تتصور أني نسيت يا أبت حين قدمت إليك وقد أخفقت في امتحان الدور الأول في حين نجح إخوتي وفي مجلس قريب من المجلس نفسه فلقيت من الانتقاد والسخرية منك ما لقيت؟ وهل تريدني أن أنسى ذاك التأنيب القاسي الذي وجهته لي أمام زملائي وأصحابي؟
بل أحياناً يا أبت تحملني ما لم أتحمل؛ ففي ذات مساء أمرتني أن أحضر الطيب للضيوف فذهبت إلى أمي فوجدته لم ينته بعد وعدت إليك، ألم يكن لديك بديل عن التأنيب لي ولأمي ؟ أو ليس الأولى أن تقدر في نفسك أنه لما ينته بعد؟ وهب أنه تأخر لدقائق وما ذا في الأمر؟ أعتذر لك يا أبت عن الاستطراد في هذه الأمثلة لأقول لك بعد ذلك ألا تتصور أني إنسان أحمل مشاعر وأحتاج كغيري للاحترام والاعتراف بشخصيتي ؟
لقد حفظت يا أبت في عمدة الأحكام أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتذر لأحد أصحابه حين أهدى له صيداً وهو محرم، فلما رأى مافي وجهه دعاه، واعتذر له وقال:" لم نرده عليك إلا أنا حرم".
أعطني جزءاً من وقتك يا أبت :
كم هما شخصيتان متخلفتان يا أبت، شخصية أبي حين يكون مع أصحابه وزملائه يتحدث وإياهم بكل انبساطة وسعة بال، وقد علته ابتسامة مشرقة، والشخصية الثانية لأبي نفسه حين يجلس معنا فلا نراه إلا على وجبة الطعام، والسكوت قد خيم على الجميع لايقطعه إلا الأوامر التي ترد منه تارة وتارة. أما أن يصحبنا في نزهة، أو يباسطنا الحديث، أو يسأل عن أحوالنا فهذا ما لايمكن. إني حين أراك يا أبت مع أقرانك يؤسفني أن أقول إني أحدق النظر فيك، وأعيده مرة وأخرى. أهذا هو أبي فعلاً. لقد كنت أشعر أني يتيم حين حفظت في المدرسة :-
لـيس اليتيم من انتهى أبواه من *** هم الحياة وخلفاه ذليـــلاً
إن اليتيم الذي تلقى لــــــه*** أماً تخلت أو أبا مشغــولاً
يا أبت أقترح عليك أن تمسك ورقة وقلماً وتسجل فيه كم ساعة تقضيها في العمل الرسمي من وقتك ؟ ثم كم ساعة للراحة ؟ وكم ساعة للزملاء ؟ وكم ساعة لمشاغلك الخاصة ؟ وأخيراً كم ساعة لتربية أبنائك ؟ أخشى أن تجد إجابة مزعجة يا أبتك أخبرك عنها سلفاً لأني أعرفك جيداً. ستجد أن وقت التربية - إن استطعت أن تحسبه - لايمثل إلا نسبة تافهة من وقتك لاتسحتق الذكر. هل فكرت ياأبي أن تقرأ كتاباً أو تسمع شريطاً عن التربية وأسسها. أهكذا قدر أبنائك عندك ؟ وقيمتهم لديك ؟
يا أبت لقد دعاني ذلك أن أمنح زملائي الثقة المفرطة، وأن أستأمنهم على مشكلاتي، وأستشيرهم في أموري، وأستأمرهم في قراراتي، مع أنني أدرك أن أبي أكثر خبرة، وأصدق لهجة، وأعمق نصحاً من زملائي، لكني لاأجد الوقت المناسب له لأفاتحه الحديث، ولو وجدت الوقت لكانت أمامي العقبة الآتية:
المصارحة يا أبت :
لقد حدثتني نفسي مرة يا أبت أن أصارحك ببعض مشكلاتي ومعاناتي حين كنت وإياك على مائدة الطعام وقد سيطر عليها الصمت المطبق كالعادة، ولكني لم أستطع لأني أعرف أن الجواب سيأتيني قبل أن أكمل حديثي، لأني أعرف أني لن أعطى الفرصة للحديث، ناهيك عن أن تناقش مشكلتي بهدوء وتجرد وبموضوعية بعيدة عن التشنج والغضب.
يا أبت ألا توافقني أن الابن يحتاج إلى أن يفتح الأب له صدره، حتى يفضي له بما يريد، ويشكو له مما يعاني؟ وأن لغة النقد والتشنج تقضي على كل حماسة منه للمصارحة يدفعه لها حرارة المشكلة؟