جنان الرحمن- الإدارة
من طرف جنان الرحمن الخميس 10 ديسمبر 2009, 5:54 am
ولكن كـونوا ربانيين
الحمد لله القائل ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (ا4) عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5) .
والصلاة والسلام على رسول الله القائل : ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )(1) .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
عباد الله غداً يبدأ العام الدراسي وغداً تفتح الجامعات والمعاهد والمدارس أبوابها .
وغداً يخرج شبابنا وكريماتنا لتلقي العلم النافع .
وغداً تسهل السنة الدراسية يومها الأول .
والسؤال : ما هو موقفنا من العلم ؟ وما هو العلم الذي نريده ؟ وما هو واجب العلم علينا ؟ وما هي مسؤولية الأساتذة الأخيار والمعلمين الأبرار تجاه شباب الأمة وكريمات الأمة ؟
أيها الأبرار ، لقد مدح الله العلم وأثنى على العلماء وبجلهم وذكرهم في كثير من الآيات .
يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله في أول طرق الدعوة وخطواتها: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) (محمد: من الآية19) فقبل أن تبدأ في الدعوة ، وقبل أن تبدأ في الحياة ، وقبل أن تبدأ في المسيرة ، عليك بطلب العلم ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه) ، فأملأ قلبك بالإيمان واملأ جوارحك باليقين .
وقال الله له ممتناً عليه يوم أن أخرجه من بين جبال مكة و وهادها وشعابها فعلمه الله وفهمه : ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (النساء: من الآية113) ، فالله الذي علمك .
والله هو الذي فقهك
والله هو الذي نور بصيرتك .
واستشهد الله العلماء وطلبة العلم على أكبر شهادة في الدنيا ، وعلى أكبر شهادة عرفتها الإنسانية ، وهي شهادة التوحيد فقال عز من قائل : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18) ، فانظر كيف جعلهم الله شهداء على وحدانيته وشهداء على ألوهيته لعظم قدرهم .
ووصف الله طلبة العلم بأنهم يخشونه تبارك وتعالى ، وأنهم يقفون عند حدوده ، وبأنهم لا ينتهكون حرماته، وبأنهم يراقبونه في السر والعلن فقال : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (فاطر: من الآية28) .
ووصف الله طلبة العلم بأن عندهم من الفهم للدعوة والفهم للفكر في الدين والاستنباط للنصوص الشيء الكبير فقال : ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت: من الآية43) . فهذه الرسالة الخالدة ، وهذه المبادئ الأصيلة ، وهذه الأهداف الجليلة لا يعقلها إلا من يفهم عن الله أمره ونهيه .
ولم يأمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتزود من شيء إلا من العلم فقال له ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114) .
والله عز وجل حكم بين طلبة العلم وبين غيرهم فقال : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون) (الزمر: من الآية9) ، وسكت عن الجواب للعلم به .
وقال سبحانه وتعالى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)(المجادلة: من الآية11) .
أيها المسلمون :
إن العلم ليس في حفظ النصوص .. فمن الناس من يحفظ القرآن ولكنه فاجر يلعنه القرآن وتلعنه السنة .
ومن الناس من يردد الكلمات ولكن قلبه ما عرف الله ، فالعلم هو خشية الله .. والعمل بما تعلمت .
أيها المسلمون .. لقد أتي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى هذه الأمة الضائعة .. الأمة الضالة .. الأمة المسكينة فهداها إلى الله : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2) .
لكن كيف علمهم ؟
أعلمهم بالسوط والسيف ؟
أعلمهم بالحبس والسجن ؟
أعلمهم بالحديد والنار ؟
لا والله ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران: من الآية159) ، أي لو كنت قاسياً في تعليمك لما اجتمعت عليك القلوب .
ولكنه كان كما قال الله : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)(آل عمران:من الآية159) وقال عنه أنه: ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: من الآية128) ، وقال عنه : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) .
لقد أتيت أيها المصطفى إلى العرب الذين هم كقرن الثور يتقاتلون على موارد الشاة ومربط الناقة ، فأتيت بالخلق وبالبسمة واللين وبالرفق ، فانقادت لك القلوب ، فحررتها من وثنيتها وشركيتها وقدتها إلى الله .
إن الدعة الذين يحاولون اليوم أن يصلحوا بالتجريح والعنف وبالتعريض بالناس ، وبالنقد لبعض العلماء الذين لهم زلات انغمرت في بحار حسناتهم ، إن هؤلاء لا يفقهون ولا يعلمون وهم يفسدون أكثر مما يصلحون ، وسوف يعلمون النتيجة لاحقاً لأنهم لم يعملوا كما عمل ( صلى الله عليه وسلم ) والرسل قبله .
لقد أرسل الله موسى إلى فرعون المجرم فقال تعالى لموسى وهارون : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:44) .
قال سفيان الثوري : القول اللين أن ينادياه بالكنية !
ويقول الله لرسولنا ( صلى الله عليه وسلم ) ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:63) ، إنها لمعجزة كبرى .. فكيف الفت بين تلكم القبائل المتشاحنة حتى أصبحوا إخواناً متحابين متصافين متقاربين ؟ إنها الحكمة افتقدها كثير منا هذا الزمان ، فلذلك تنافرنا وتشتتنا.
أفلا يأخذ الأساتذة الأخيار ، المعلمون الأبرار ، درساً من هذا الأسلوب الراقي في تعليم الشباب المسلمين ؟
لقد أخطأ كثير من الأساتذة والمدرسين يوم استخدموا السوط والعنف في تعليم أبناء المسلمين ، لأن العنف لا يولد إلا عنفاً ولأن البغض لا يأتي إلا ببغض .
يقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم .
فالجمل إذا رأى منك صلفاً ورأى منك حدة قطع حباله وغضب عليك فكيف بالأجيال وكيف بأبناء المسلمين؟
والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان في تعليمه يخاطب الناس على قدر عقولهم فأستاذ الابتدائي ليس كأستاذ الجامعة ، لأن لكل مستوى دراسي حقائق ومعلومات ولغات يفهمها .
في صحيح البخاري أنه ( صلى الله عليه وسلم ) سمع أن أحد أطفال المسلمين كان له طائر أسمه(النغر) يلعب به فمات الطائر، فأراد ( صلى الله عليه وسلم) أن يواسي أحزانه فذهب غليه في بيته وأظهر له الأسى (صلى الله عليه وسلم ) وقال : يا أبا عمير ما فعل النغير .
قال أهل العلم : فيه درس عظيم على أن الناس يخاطبون على قدر عقولهم ، وأن المعلومات تصلهم على قدر العقول .
وكان ( صلى الله عليه وسلم ) إذا تكلم في الأعراب خاطبهم بكلام يفهمونه على قدر مستواهم وعلى ما تطلبه فهومهم ، فإذا أتى إلى أبي بكر وعمر وعثمان وجلة الصحابة كلمهم في القضايا الكبرى .