يعود الزوج إلى منزله منهكًا متعبًا قد أعيته متاعب الحياة
ومتطلباتها، فتقابله الزوجة بوجه شاحب عابس يشكو هموم الأولاد
ومسؤوليات المنزل، متذمرة من غياب زوجها الطويل عنهم، ومن رغبات
وطلبات كثيرة لم تحقق،
فلا يجد الزوج عندئذ بُدًّا من أمرين: إما أن يصب عليها
وابل همومه ومتاعبه في صورة غضب يهز كيانهما ويقضي على أنسهما لتنقلب حياتهما
صحراء جرداء لا أنيس فيها ولا جليس، ويعيش كلا الزوجين في أقصى نقطة من الخط
منعزلاً عن صاحبه أيامًا بل شهورًا، وربما أعوامًا، لا يلتقيان بالود فيها أبدًا!
وإما أن يتمالك الزوج نفسه ويلتمس لها العذر
وينسحب بكل هدوء إلى مخدعه مستسلمًا لنوم عميق،
وتبقى الزوجة تعاني الحسرة والهم والشعور بالتعاسة!.
وفي المقابل، قد تعاني أيضًا الزوجة من مسؤوليات رعاية الأسرة المتعددة، ومسؤوليات الزوج الجسيمة،
وقد يكون ثم حمل يثقل كاهلها تحمله كرهًا على كره،
وربما كانت عاملة خارج المنزل يستنزف عملها جهدًا ونشاطًا،
وإذ بالزوج يفاجئها كل يوم بضيف وضيفين، وكل أسبوع بوليمة ووليمتين،
فلا تكاد تنتهي من واحدة حتى تُعدَّ للأخرى، ثم نجده كذلك لا يتنازل عن أبسط حقوقه
ولو كان تلميع حذائه أو تأخيرًا لفنجان قهوته،
ثم تنفجر الحال بالزوجة إلى أن ترفع صوتها بالرفض لكل ذلك،
فتشتعل نار الخلاف يؤججها إبليس بخيله ورَجله،
حتى تكون نهايتها أمورًا لا تحمد عقباها وانهيارًا لصرح الزوجية، وتشتيت أولاد وتفريق بين زوجين..
من المسؤول عما حصل في الصورتين، الزوج أم الزوجة؟!
لا شك أن كلا الزوجين يتحمل جزءا من المسؤولية،
وله دور لا بد أن يعيه في مثل هذه القضايا التي لا يمكن تمثيلها بموقف عابر،
بل هي هم عميق تحتاج إلى فهم وبصيرة، وتفتقد إلى بلسم يضفي عليها الدفء والتفاهم والود.
إن هذا البلسم المفقود، يمكن أن يكون قاعدة عظيمة تندرج تحته أصول حل
الكثير من مشاكل حياتنا الزوجية، فكثير ممن يتصدون للكتابة في الإصلاح بين
الزوجين وسبل حل المشاكل، يغفلون عن قضية مراعاة ظروف الشريك الآخر،
لتمتلئ حياتهما بالحب والحنان، ويكون كل واحد عونا للآخر على أداء مهامه
وواجباته وعيش حياته بهناء تام.
إن الزوج بدءًا يمر بظروف كثيرة لا بد أن تراعيها الزوجة وتقدرها ولو على
حساب حقوقها، وكذلك الزوجة، فليست الحياة الزوجية ثكنة عسكرية لا بد لكل
فرد فيها أن يؤدي ما عليه بدقة متناهية بدون أي تأخير، بل هي مودة ومحبة
وأنس ورحمة، وآية من آيات الله في جعل الألفة بين قلبين غريبين مختلفين،
قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل
بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الروم: 21].
ومن أمثلة تقدير الظروف في حياتنا اليومية:
قدري ظروف زوجك الداعية
تقدير ظروف الزوج إن كان داعية أو طالب علم، يصرف الكثير من وقته وجهده في
دعوة الناس وإصلاحهم، أو يصرف جل وقته في طلب علم شرعي يتقرب به إلى الله
تعالى ويدعو الناس على بصيرة، فهنا يتضاعف دور الزوجة لتسد كثيرًا من
النقص الذي يخلفه غياب الأب، ولا بد أن تتحمل ذلك بصبر واحتساب، ولا تدع
مجالاً للمقارنات بحال غيرها ممن أزواجهن متفرغون لمتطلباتهم، ولتنتظر
عظيم الأجر والمنزلة الرفيعة عند الله في تهيئة المكان لراحة زوجها،
وتتذكر الدور العظيم الذي قامت به خديجة -رضي الله عنها- في إعانة الرسول
-صلى الله عليه وسلم- لتحمل أعباء الرسالة، كيف كانت تحمل له الطعام وهو
يتعبد ويتحنث الليالي ذوات العدد في غار حراء.
وفي المقابل، ليقدر الزوج هذه التضحية وهذا الصبر من زوجته، وليعط أهل
بيته شيئًا من وقته ويفرغ نفسه للجلوس معهم ومؤانستهم، ويحاول أن يعوض
فترات غيابه الطويلة عنهم.
قدري ظروف زوجك مع أهله
ومنها تقدير ظروف الزوج مع أهله، وخصوصًا الوالدين، فقد يكونان بحاجة إلى
عونه ومساعدته وجلوسه معهم، فعلى الزوجة أن تظهر الاحترام لهذا البر
وتعينه عليه، مظهرة المحبة لهم والاعتناء بشؤونهم، وتلتمس العذر لزوجها إن
قصر في حقوقها وحقوق أبنائها قليلاً لأجل هذه الصلة.
وبالمقابل، على الزوج أن يحرص على القيام بقصارى جهده في حقوق زوجته،
ويقدر تنازلاتها ويخصها بشيء من اهتمامه وإكباره وتقديره، ويسمعها الثناء
على إعانتها إياه في بر والديه وأهله.
قدري ظروف زوجك في عمله
ومنها تقدير ظروف العمل، فبعض الأزواج يكدح ويسعى ليلاً ونهارًا لجمع
المال وتوفير الحياة الكريمة لأسرته، ولا شك أن هذا السعي سيأخذ جهدًا
وطاقة، فلا بد من مراعاة الزوجة لذلك، وأن تعد نفسها لتخفف عنه أعباء
الحياة، ويجد لديها متنفسًا لمتاعبه ونصبه طوال اليوم، وليكن حديثك عن
المشاكل والهموم في وقت آخر مناسب.
وفي المقابل، على الزوج أن يضع نصب عينيه أن أولاده وأسرته أهم من المال،
فلا يكن كل غايته فيضحي دونه بكل شيء، فربما سعى لجمع ثروة عظيمة على حساب
راحته وتربية أبنائه، الذين ربما تمر الأيام لم يروه ولم يجالسوه، وربما
أسلمهم لوسائل لهو مفسدة مضلة.
قدري ظروف زوجك المالية
قد يكون الزوج مدينًا أو قليل ذات اليد، ومع ذلك تصر الزوجة على كماليات
ومظاهر ترهق كاهله وتزيد من همه، بدلاً من مساعدة الزوجة له والوقوف معه
في كربته.
همسات اخترتها لكم اتمنى تنفعكم نفعنا الله واياكم بما نقول ونسمع
منقول