لـحـظـة الـيـقـظـة ...
كـان رجـلا عـاميـا من عـامـة الناس الذيـن تعـوّدوا الكـسـل في شـؤون ديـنهـم ، و جـهـلوا ما أراد منهم الجـليل و حـثهـم عليه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من تعـلُّم العـلم ، و هو من الذين يمقـتون القـراءة ، و يـكـتفـون بما رأوا عليه آباءهم و أجـدادهـم ، حـسـبوا أن هذا هـو الدين و غيره محـدث ...
جلـس إلى حـلقـة كـنت أديرهـا ابـعـض الشـباب الذيـن يـصـغرونه سـنا ، لـتعـلم أحـكـام التـجويـد ، حتى إذا وصـلـه الدور و قـرأ ، و بـدت علـيه الجـهالـة و الخـطأ الكـثير ، فكـنـت أصـلح له الخـطأ مـرة بعد مـرة حتى رأيـت عليه الإحـراج و احـمرار الوجـه ، و الضـيق الذي لم أعـهـده عليـه غـير ذلك الوقـت ، فلمل انتـهـينا من الحـلقة ، انـفرد بي و كـان غاضـبا عليّ بسـبب إحـراجـه أمـام من يـصـغرونه سـنا ، و انـقـطع عـني فـلم أعـد أراه كما كان من قبل . حتى رأيـته بعـد مـدة من الزمـن يأتيـني و يـدعـو لي بالخـير ، و يتأسـف عما بدر منه ، و قال لي : كـانت تلك اللحـظـة التي جـلـست مـعكـم لـتعـلم التـجويـد هـي نـقـطة البـداية التي جـعلـتني أسـأل نفـسي كـيف أكـون بهـذا الـسن ولا أعـرف أحـكام الـدين ، وهـؤلاء الفـتيـة أحـسـن مـني ، هـذا دعـاني لأسـتدرك ما فـات من عـمري ، فـقررت الالـتحـاق بـكـلية الـشريـعـة لـتعـلم العـلم ، و ملازمـة العـلمـاء ، و ما هـي إلا ســنة أو أكـثر إلا و ذلك الرجـل يـنقـلب رأسـا على عـقـب من ذلك الإنـسـان الذي لا يمـيل للقـراءة و يـجـهل أحـكـام الديـن ، إلى الرجـل الذي يقـرأ أكــثر من مـرجـع من أمـهـات مـراجـع الفـقه و الحـديـث و اللـغـة و يـعـرف الكـثير من أقـوال فـحـول العـلمـاء ، وما من كـتاب حـديث تـصدره المـطابع إلا كـان ســبّـاقا لـقراءتـه .....
وكـلما رآنـي ذكـرني بتلك اللـحظـة من لـحـظات اليـقـظة .
الإنـسـان عـندما يـغلـق جـهـاز الإحـسـاس ، تتـوقـف عـنه عمـلية اليـقظـة بـسـبب تـبـلد الحـس ، أما ذلك الإنـسان ذو الإحـساس المـرهـف المـتفـتح دومـا لكـل ما يـسـمع و يرى ، فـهو الذي يـحظى بنـوبات اليـقـظة مرة بعد مرة ، فـتغـير الكـلمـة الواحـدة ، و المـنظـر الواـحد من حـياته و عـاداته و مـألوفـاته الكــثيرة ، فـيـقطـع المسـافـات الطـويـلة بوقـت قـصـير .
يروى أن الإمـام الطـبري عـندما كـان غـلاما ، و رأى خـطه أحـد العـلماء قال له : " إن خـطك يـشبه خـط العـلمـاء " هـذه الكـلـمة عـملـت عـملـها في نـفسه فأعـد نـفسـه من تلك اللـحـظة لأن يـكـون عالـما ، و كـان ما كـان ، فأصـبح شـيخ التـفـسير و التاريـخ و غـيرهـا من العـلوم .
وكـذلك الإمام سـيـبويه يروى أنه قـيل له في حـلقة الفـقه بـعـدما ألـحن بـسبب أعـجمـيته " أخـطأت " فقـام من الحـلقـة و قال : والله لأتـعـلمـن علـما لا يقـال لي فيه أخـطأت . و كان أن أصـبح شـيخ اللغـة بلا مـنازع .
تلك لـحـظات اليـقـظة التي لا يرزقـها إلا من فـتح أبـواب الإحـساس في نـفسـه . و لم يـقـل : ( إنا وجـدنآ ءابآءنا على أمة و إنا على أثارهـم مـقـتدون ) ...
كـان رجـلا عـاميـا من عـامـة الناس الذيـن تعـوّدوا الكـسـل في شـؤون ديـنهـم ، و جـهـلوا ما أراد منهم الجـليل و حـثهـم عليه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من تعـلُّم العـلم ، و هو من الذين يمقـتون القـراءة ، و يـكـتفـون بما رأوا عليه آباءهم و أجـدادهـم ، حـسـبوا أن هذا هـو الدين و غيره محـدث ...
جلـس إلى حـلقـة كـنت أديرهـا ابـعـض الشـباب الذيـن يـصـغرونه سـنا ، لـتعـلم أحـكـام التـجويـد ، حتى إذا وصـلـه الدور و قـرأ ، و بـدت علـيه الجـهالـة و الخـطأ الكـثير ، فكـنـت أصـلح له الخـطأ مـرة بعد مـرة حتى رأيـت عليه الإحـراج و احـمرار الوجـه ، و الضـيق الذي لم أعـهـده عليـه غـير ذلك الوقـت ، فلمل انتـهـينا من الحـلقة ، انـفرد بي و كـان غاضـبا عليّ بسـبب إحـراجـه أمـام من يـصـغرونه سـنا ، و انـقـطع عـني فـلم أعـد أراه كما كان من قبل . حتى رأيـته بعـد مـدة من الزمـن يأتيـني و يـدعـو لي بالخـير ، و يتأسـف عما بدر منه ، و قال لي : كـانت تلك اللحـظـة التي جـلـست مـعكـم لـتعـلم التـجويـد هـي نـقـطة البـداية التي جـعلـتني أسـأل نفـسي كـيف أكـون بهـذا الـسن ولا أعـرف أحـكام الـدين ، وهـؤلاء الفـتيـة أحـسـن مـني ، هـذا دعـاني لأسـتدرك ما فـات من عـمري ، فـقررت الالـتحـاق بـكـلية الـشريـعـة لـتعـلم العـلم ، و ملازمـة العـلمـاء ، و ما هـي إلا ســنة أو أكـثر إلا و ذلك الرجـل يـنقـلب رأسـا على عـقـب من ذلك الإنـسـان الذي لا يمـيل للقـراءة و يـجـهل أحـكـام الديـن ، إلى الرجـل الذي يقـرأ أكــثر من مـرجـع من أمـهـات مـراجـع الفـقه و الحـديـث و اللـغـة و يـعـرف الكـثير من أقـوال فـحـول العـلمـاء ، وما من كـتاب حـديث تـصدره المـطابع إلا كـان ســبّـاقا لـقراءتـه .....
وكـلما رآنـي ذكـرني بتلك اللـحظـة من لـحـظات اليـقـظة .
الإنـسـان عـندما يـغلـق جـهـاز الإحـسـاس ، تتـوقـف عـنه عمـلية اليـقظـة بـسـبب تـبـلد الحـس ، أما ذلك الإنـسان ذو الإحـساس المـرهـف المـتفـتح دومـا لكـل ما يـسـمع و يرى ، فـهو الذي يـحظى بنـوبات اليـقـظة مرة بعد مرة ، فـتغـير الكـلمـة الواحـدة ، و المـنظـر الواـحد من حـياته و عـاداته و مـألوفـاته الكــثيرة ، فـيـقطـع المسـافـات الطـويـلة بوقـت قـصـير .
يروى أن الإمـام الطـبري عـندما كـان غـلاما ، و رأى خـطه أحـد العـلماء قال له : " إن خـطك يـشبه خـط العـلمـاء " هـذه الكـلـمة عـملـت عـملـها في نـفسه فأعـد نـفسـه من تلك اللـحـظة لأن يـكـون عالـما ، و كـان ما كـان ، فأصـبح شـيخ التـفـسير و التاريـخ و غـيرهـا من العـلوم .
وكـذلك الإمام سـيـبويه يروى أنه قـيل له في حـلقة الفـقه بـعـدما ألـحن بـسبب أعـجمـيته " أخـطأت " فقـام من الحـلقـة و قال : والله لأتـعـلمـن علـما لا يقـال لي فيه أخـطأت . و كان أن أصـبح شـيخ اللغـة بلا مـنازع .
تلك لـحـظات اليـقـظة التي لا يرزقـها إلا من فـتح أبـواب الإحـساس في نـفسـه . و لم يـقـل : ( إنا وجـدنآ ءابآءنا على أمة و إنا على أثارهـم مـقـتدون ) ...
" تأملات بعد الفجر " للشيخ : عبد الحميد البلالي ...