بسم الله الرحمن الرحيم
حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل المضارع
حذفت في أربعة وعشرين موضعاً
حذف ياء التحول يفيد دائمًا الاستمرار
1- تؤتون:
في قوله تعالى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ(ي) مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا ءاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ(66) يوسف.
قطع الموثق من الله هو عدم الوفاء به، ولا خروج من الموثق حتى ينتهي غياب أخيهم بالعودة، فلا بد من الاستمرار على الموثق للوفاء به؛ لذلك حذفت الياء لدلالة الاستمرار على الشرط الذي طلبه يعقوب عليه السلام من أبنائه لحفظ أخيهم سالمًا من مكرهم حتى يعود إليه.
2- يؤتين:
في قوله تعالى: (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ(ي) خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا(40) الكهف.
بعد تحذيره لصاحب الجنتين من كفره، واغتراره وتطاوله على صاحبه بكثرة المال والولد؛ توقع له زوال النعمة عنه بحسبان من السماء، وكان رجاؤه بالله أن يؤتيه خيرًا من جنتيه؛ عطاء ونعمة لا تزول، خلافًا لما توقعه لصاحب الجنتين؛ لذلك حذفت ياء التحول علامة لما كان يرجوه من عطاء دائم من الله تعالى.
3- تتبعن:
في قوله تعالى: (قَالَ يَـاـهَـاـرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ(ي) أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي(93) طه.
عد موسى عليه السلام عدم فعل هارون عليه السلام شيئًا بتركهم أو ضرب عبادة قومهما للعجل بمن معه ولم يفتن بالعجل، هو قطع لما وصاه به من قبل؛ (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَـاـرُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(142) الأعراف، وقد اعتذر هارون عليه السلام عن موقفه بقوله: (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي (150) الأعراف، وقوله: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي(94) طه، فكان حذف ياء التحول لأن الملامة لأخيه على ما ظنه الخروج على الاستمرار في التبعية له ولوصيته.
4- تبشرون:
في قوله تعالى: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ(نِي) (54) الحجر.
كان تعجب إبراهيم عليه السلام من البشرى؛ من بقاء واستمرار القدرة على الإنجاب بعد بلوغه الكبر، ومن زوجه التي وصفت نفسها بأنها عجوز عقيم؛ فكان حذف ياء التحول لدلالة البشرى بعدم انقطاع رجائهما بوجود ولد لهما، مع بلوغهما الحالة التي هما عليها.
5- يحضرون:
في قوله تعالى: (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ(ي) (9 المؤمنون.
التعوذ بالله من الشياطين هو تعوذ دائم لحضروهم، لأنهم أذىً في كل أحوالهم، فكان حذف ياء التحول لمراد المتعوذ استمرار عدم حضور الشياطين في كل وقت وحال.
6- يحيين:
في قوله تعالى: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(ي) (81) الشعراء.
الإحياء الثاني في الآخرة؛ هو إحياء دائم مستمر لا انقطاع له، بينما أثبتت ياء يميتني لأن هذه الإماتة إلى أجل ينتهي بالبعث يوم القيامة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن إثبات الياء يفيد التخصيص، والتخصيص يدل على وجود آخرين، فإن الإماتة تكون من فعل الله عز وجل ومن فعل غيره من عباده، كقتل اليهود للأنبياء، أما الإحياء فلا يكون إلا من الله عز وجل وحده، وما انفرد به فهو مستمر له؛ فكان إثبات الياء مع الإماتة، وحذفها مع الإحياء.
7- ترن:
في قوله تعالى: (وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ(ي) أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا(39) الكهف
صاحب الجنتين يرى صاحبه على حالة دائمة مستمرة؛ من الفقر وقلة المال والولد لن تتغير، لذلك حذفت ياء التحول لدلالة هذا الاستعلاء والتطاول؛ على نظرة صاحب الجنتين لصاحبه.
8- ترجمون:
في قوله تعالى: (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ(ي) (20) الدخان.
حذف ياء ترجموني هو كحذف ياء يحضروني؛ لأن تعوذ موسى عليه السلام بالله هو تعوذ دائم من فرعون وقومه؛ بألا تصله أيديهم بأي أذى. ويحذر دائمًا من الشر والظلم والبطش من أي أحد كان.
9- لتردين:
في قوله تعالى: (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ(ي) (56) الصافات.
من تردى في نار جهنم كان ترديه دائمًا ومستمرًا، وكان فيها خالدًا مخلدًا؛ وهذا ما كان يخشاه الناجي من النار، والحامد لله على نعمة النجاة. ولم يكن كقرينه الذي رآه في وسط الجحيم.
10- يردن:
في قوله تعالى: (ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ءالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ(ي) الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ(ي) عَنِّي شَفَـاـعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ(ي) (23) يس
إرادة الله نافذة مستمرة؛ لا قاطع، ولا مانع، ولا راد، ولا محول لها. لذلك حذفت ياء التحول من يردني علامة لنفاذ إرادة الله عز وجل.
11 - يسقين:
في قوله تعالى: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(ي) (79) الشعراء.
السقاية هي جلب الشراب لطالبه والمحتاج له، والله عز وجل هو الذي ينزل الماء ليشرب الناس ويحيي الأرض بعد موتها، والناس لا صنعة لهم ولا عمل في إعداد الماء، فالسقاية من الله تعالى وحده على الدوام، لذلك حذفت ياء التحول منها.
بينما أثبتت ياء يطعمني؛ لأن من الطعام ما يكون جاهزًا للأكل مباشرة، ومنه ما لا يمكنه تناوله إلا بعد إعداد الناس له ليكون صالحًا للأكل، وقد يتعدد إعداد الطعام الواحد ويتنوع؛ لذلك ثبتت ياء التحول فيه.
وملاحظة أخرى أن الطعام لم يذكر في القرآن من غذاء أهل الجنة، ولم يأت من مادته إلا بمعنى مذاقه في سورة محمد في قوله تعالى: (وَأَنْهَـاـرٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ(15) محمد؛ لأن الطعام في معظمه يتغير مذاقه عن الأصل المصنع منه تغييرًا قليلا، أو كبيرًا يجعله شيئًا آخر.
وذكر الطعام من أكل الناس في الدنيا كقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ ( الإنسان، ومن أكل أهل النار كقوله تعالى : (وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) المزمل، لأنه مكان هذا الطعام في النار، والنار هي التي تغير الطعام.
فيفهم من كل ذلك أن الله يطعمه في الدنيا، ويسقيه في الدنيا والآخرة؛ فيكون الطعام لأجل وينقطع والسقاية مستمرة ودائمة في الدنيا والآخرة، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يوجد في الجنة إلا ما هو طيب صالح للأكل من غير تدخل للإنسان في إصلاحه وإعداده، ولا مكان للنار في نضجه.
أما قوله تعالى:
في قوله تعالى: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) الواقعة، فالآية لم تشر إلى طريقة جعله شهيًا، فقد يكون لحمه لا يحتاج إلى طهي وشواء، ولا تقاس أمور الآخرة على الدنيا في كل شيء.
12- يشفين:
في قوله تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(ي) (80) الشعراء
شفاء المريض هو إخراجه من مرضه، وإن لم يخرج هلك، والهلاك هو نهاية الأجل، وتقدير ذلك لا يكون إلا لله تعالى، فخفت ياء التحول علامة لذلك.
وما يعالج به المرضى هو مما خلقه الله تعالى في النبات خاصة، وفي خصائص المواد، وهذه كلها من الله تعالى، ويكون فيها البحث عن العلاج، وقد يستفيد منها بعض الناس، ولا تنفع لغيرهم، وجميعها لا تحول بين الناس والموت الذي لا بد منه.
ناهيك عن الشفاء بالدعاء الذي لا يحتاج إلى دواء، والله هو الشافي في كل الأحوال على الدوام.
13- تشاقون:
في قوله تعالى: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ(ني) فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَـاـفِرِينَ(27) النحل.
هذا قول يخاطب به الله عز وجل يوم القيامة الذين استمروا على مشاققته في الدنيا، إلى أن لاقوه على إشراكهم، فكان حذف ياء التحول علامة استمرار المشاققة التي كانت سبب خزيهم والسوء الذي عليهم.
وسقطت مع حذف الياء نون الوقاية؛ لذهاب سببها.
14- تشهدون:
في قوله تعالى: (قَالَتْ يَـاـأَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ(ي) (32) النمل
تنفي ملكة سبأ من قطع أي أمر دون شهود الملأ، فهم يشهدون باستمرار تصرفها في أمور دولتها؛ لذلك كان حذف ياء التحول دلالة على إشهادها المستمر لهم في كل أمورها قبل أن تقطع رأيًا فيه.
15- يطعمون:
في قوله تعالى: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ(ي) (57) الذاريات.
إن الله عز وجل ليس بحاجة لرزق ولا طعام يعد، فالله تعالى هو الذي يهب الرزق للعباد، وما يهبه، هو مستغن عن حاجته إليه، فكان حذف الياء علامة غنى الله الدائم عما يحتاجه إليه الناس.
16- ليعبدون:
في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(ي) (56) الذاريات.
العبادة هي السبب الذي خلق من أجله الجن والإنس، واستمرارهم عليها هو المطلوب حتى يلاقوه، لذلك حذفت الياء علامة استمرار السبب الذي من أجله كان خلقهم.
أما إثبات ياء التحول في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـاـلِحَـاـتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَـاـسِقُونَ(55) النور.
فلأن هناك وعدًا وشرطًا؛ ولا يتحقق التمكين في الدين، والاستخلاف الأرض، والأمن بعد الخوف للذين آمنوا وعملوا الصالحات إلا بعد الوفاء بالشرط؛ وهو أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، ولو حذف ياء التحول لكان الشرط بلا حد يقف عنده ليكون هناك تحقق للوعد، ولن يكون لهم عند ذلك تمكين في الأرض، لأن المخاطبين بها أمة لا تنتهي إلا بهلاك آخرها.
فإثبات الياء دل على أن الوعد يتحقق بعد عبادتهم لله تعالى بالقدر الذي يبين إخلاصهم لله في عبادته، وقد تحقق ذلك بعد غزوة الأحزاب التي نزلت هذه الآيات في سورتها.
فإن تحولوا بعد ذلك عن إخلاص العبادة الله تعالى؛ حول الله تعالى وعده لهم إلى خلافه.
17- تعلمن:
في قوله تعالى: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ(ي) مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66) الكهف.
هذا طلب من موسى عليه السلام من العبد الصالح أن يعلمه ما لا يعرف عنه شيئًا، ولا يعرف حدود ما سيتعلمه منه، فكان حذف الياء علامة على أن باب التعلم مفتوح؛ غير محدد بزمن، أو بعدد المسائل المتعلمة، لكن موسى عليه السلام قطع ذلك بعدم صبره على ما يراه مخالفًا في ظاهره لما يعلمه من الحق.
18- تفندون:
في قوله تعالى: (وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ(ي) (94) يوسف.
لقد عهد يعقوب عليه السلام من بنيه التفنيد الدائم له بإخفاء ما فعلوه بيوسف عليه السلام، وادعاء أكل الذئب له، واستمروا على تفنيدهم لأبيهم؛ فلما قال أبوهم: (إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)؛ قالوا: (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَـاـلِكَ الْقَدِيمِ (95) يوسف، فقد استمروا على تفنيدهم، كما توقع منهم، وعلى ذلك كان حذف الياء علامة لذلك الاستمرار في التفنيد.
19- يقتلون:
في قوله تعالى: (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ(ي) (14) الشعراء
وفي قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ(ي) (33) القصص
القتل إذا وقع استمر، ولا رجعة للحياة بعد وقوعه، لذلك حذفت ياء يقتلوني في الموضعين، فوق دأب فرعون وجنوده القتل لبني إسرائيل قوم موسى عليه السلام، وائتمارهم لقتله بعد أن قام بقتل واحد منهم؛ فنجاه الله منهم إلى مدين، بعيدًا عنهم فترة غيابه عنهم.
20- يكذبون:
في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(ي) (12) الشعراء
وفي قوله تعالى: (وَأَخِي هَـاـرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(ي) (34) القصص
موسى عليه السلام من بني إسرائيل؛ القوم المستضعفين المستعبدين؛ الذين لا كلمة لهم عند فرعون وقومه، فكيف إذا جاء لهم بأمر يهدم فيه ألوهية فرعون؟!
ويجعله عبدًا لله، ويطلب منه الاستجابة لأمر الله وطاعته؟!
ويكون هذا الطلب من فرد من بني إسرائيل؟!
فإن التكذيب هو الذي يتوقعه موسى عليه السلام من فرعون وقومه وملئه، واستمرارهم على التكذيب، وقد كان ذلك إلى أن أهلكهم الله تعالى بالغرق باليم، وعلى هذه الاستمرارية في التكذيب كان حذف الياء.
21- أتمدونن:
في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمـاـنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ(ي) بِمَالٍ فَمَا ءاتَـاـنِ(ي) اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا ءاتَـاـكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) النمل.
استنكر سليمان عليه السلام على رسل ملكة سبأ أن يمدوه بمال لم يطلبه، وما لا حاجة له به، وكأنه ملك همه زيادة ملكه وماله، بدلا من مجيئهم إليه مسلمون، فعلى ما قصد في استنكاره كان حذف الياء.
22- ينقذون:
في قوله تعالى: (ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ءالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ(ي) الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ(ي) عَنِّي شَفَـاـعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ(ي) (23) يس.
تكلمنا من قبل عن حذف ياء "يردن"، و"تغن"، وفي الآية حذف ثالث لياء "ينقذون"؛
ونفي المنقذ من عذاب وبطش الله بالمشركين به؛ هو نفي دائم، ولا كاشف لعقاب الله إذا وقع؛ فكان في حذف الياء بيان لنفي دائم لوجود منقذ ينقذ المشرك بالله من عقابه الله وعذابه.
23- يهدِيْن: حذفت ياء يهديْني (بتسكين الياء) في أربعة مواضع، وأثبتت في موضع واحد فقط؛
في قوله تعالى: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ(ي) (62) الشعراء.
قال موسى عليه السلام ذلك؛ لأن الله تعالى هو الذي أمره بهذا الخروج، وهو الذي معه ويتولاه، وسيهديه سبيل النجاة الدائمة من فرعون، فكانت نجاة دائمة من فرعون بهلاكه هو وجنوده.
وحذفت في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ(ي) (7 الشعراء.
قال إبراهيم عليه السلام ذلك؛ في بيان من هو ربه الذي يعبده؛ فنسب خلقه إليه، وأثبتت ياء خلقني لأن خلقه قد حدث، وانتهى الأمر بالوجود، أما الهداية فأمر يتجدد، والحاجة إلى الهداية الدائمة مستمرة، فكان حذف الياء علامة للاستمرار، كما كان إثباتها علامة للانقطاع والانتهاء.
وحذفت في قوله تعالى: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ(ي) (99) الصافات.
وسبب حذفها مثل سبب حذفها في السابقتين، فإبراهيم عليه السلام معتمد على رب يهديه هداية دائمة، في كل مسعى وطريق، وكانت هجرته إلى ربه، فهداه إلى الأرض المباركة.
وحذفت في قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(ي) (27) الزخرف.
وهذا موضع آخر يبين إبراهيم عليه السلام علاقته بربه في معرض البراءة من شرك قومه؛ فربه الذي يؤمن به ويعتمد عليه سيديم هدايته كما هداه من قبل، لذلك حذفت الياء، لأن الحاجة للهداية باستمرار.
أما إثبات ياء فطرني في هذا الموضع وبقية المواضع؛ هو كإثبات ياء خلقني، لأنه فعل قد تحقق مرة واحدة بالوجود، لتبدأ بالمخلوق الحياة، وليس هو فعل متجددًا ويتكرر في ذات الفرد في حياته.
أما إثبات ياء "يهدني" في قوله تعالى: (فَلَمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّـاـلِّينَ(77) الأنعام
فلأن إبراهيم عليه السلام قال قوله هذا؛ بعد تنقله من اتخاذ النجم رباً، إلى اتخاذ القمر ربًا، ولم يكن ذلك عن هدى من الله سابق، عندها طلب الهداية من الله ليقطع على نفسه طريق الضلال ويخرج منه؛ فالمسألة ليست في الاستمرار؛ ولكن في الخروج من الضلال والثبات على هدىً من الله؛ لذلك ثبتت الياء.
فإبراهيم عليه السلام لا يريد إلهًا يحضر ويغيب، كما كان يفعل أبوه آزر معه في السرداب.. فجعل مما مر به طريقًا لمعرفة الله عز وجل، واستدراج قومه ليؤمنوا بالله الذي آمن به.
24 - يهدِيَن: (بفتح الياء) حذف الياء في موضع واحد؛
في قوله تعالى: (إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ(ي) رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا(24) الكهف
الهداية موجودة، فلما أحدث النسيان قطعًا لها، جاء الأمر بطلب الاستمرار للهداية من الله، وعلى ذلك كان حذف الياء.
أما إثباتها في قوله تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ(22) القصص.
لأن سؤال موسى عليه السلام لربه كان في أمر واحد محدد هو طريق النجاة من كيد فرعون وملئه لقتله فنجاه الله وأوصله سالماً إلى مدين.
الكاتب - أبو مُسْلِم / عبْد المَجِيد العَرَابْلِي
حذف ياء المتكلم الزائدة المتصلة بالفعل المضارع
حذفت في أربعة وعشرين موضعاً
حذف ياء التحول يفيد دائمًا الاستمرار
1- تؤتون:
في قوله تعالى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ(ي) مَوْثِقًا مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا ءاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ(66) يوسف.
قطع الموثق من الله هو عدم الوفاء به، ولا خروج من الموثق حتى ينتهي غياب أخيهم بالعودة، فلا بد من الاستمرار على الموثق للوفاء به؛ لذلك حذفت الياء لدلالة الاستمرار على الشرط الذي طلبه يعقوب عليه السلام من أبنائه لحفظ أخيهم سالمًا من مكرهم حتى يعود إليه.
2- يؤتين:
في قوله تعالى: (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ(ي) خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا(40) الكهف.
بعد تحذيره لصاحب الجنتين من كفره، واغتراره وتطاوله على صاحبه بكثرة المال والولد؛ توقع له زوال النعمة عنه بحسبان من السماء، وكان رجاؤه بالله أن يؤتيه خيرًا من جنتيه؛ عطاء ونعمة لا تزول، خلافًا لما توقعه لصاحب الجنتين؛ لذلك حذفت ياء التحول علامة لما كان يرجوه من عطاء دائم من الله تعالى.
3- تتبعن:
في قوله تعالى: (قَالَ يَـاـهَـاـرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ(ي) أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي(93) طه.
عد موسى عليه السلام عدم فعل هارون عليه السلام شيئًا بتركهم أو ضرب عبادة قومهما للعجل بمن معه ولم يفتن بالعجل، هو قطع لما وصاه به من قبل؛ (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَـاـرُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(142) الأعراف، وقد اعتذر هارون عليه السلام عن موقفه بقوله: (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي (150) الأعراف، وقوله: (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي(94) طه، فكان حذف ياء التحول لأن الملامة لأخيه على ما ظنه الخروج على الاستمرار في التبعية له ولوصيته.
4- تبشرون:
في قوله تعالى: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ(نِي) (54) الحجر.
كان تعجب إبراهيم عليه السلام من البشرى؛ من بقاء واستمرار القدرة على الإنجاب بعد بلوغه الكبر، ومن زوجه التي وصفت نفسها بأنها عجوز عقيم؛ فكان حذف ياء التحول لدلالة البشرى بعدم انقطاع رجائهما بوجود ولد لهما، مع بلوغهما الحالة التي هما عليها.
5- يحضرون:
في قوله تعالى: (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ(ي) (9 المؤمنون.
التعوذ بالله من الشياطين هو تعوذ دائم لحضروهم، لأنهم أذىً في كل أحوالهم، فكان حذف ياء التحول لمراد المتعوذ استمرار عدم حضور الشياطين في كل وقت وحال.
6- يحيين:
في قوله تعالى: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(ي) (81) الشعراء.
الإحياء الثاني في الآخرة؛ هو إحياء دائم مستمر لا انقطاع له، بينما أثبتت ياء يميتني لأن هذه الإماتة إلى أجل ينتهي بالبعث يوم القيامة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن إثبات الياء يفيد التخصيص، والتخصيص يدل على وجود آخرين، فإن الإماتة تكون من فعل الله عز وجل ومن فعل غيره من عباده، كقتل اليهود للأنبياء، أما الإحياء فلا يكون إلا من الله عز وجل وحده، وما انفرد به فهو مستمر له؛ فكان إثبات الياء مع الإماتة، وحذفها مع الإحياء.
7- ترن:
في قوله تعالى: (وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ(ي) أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا(39) الكهف
صاحب الجنتين يرى صاحبه على حالة دائمة مستمرة؛ من الفقر وقلة المال والولد لن تتغير، لذلك حذفت ياء التحول لدلالة هذا الاستعلاء والتطاول؛ على نظرة صاحب الجنتين لصاحبه.
8- ترجمون:
في قوله تعالى: (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ(ي) (20) الدخان.
حذف ياء ترجموني هو كحذف ياء يحضروني؛ لأن تعوذ موسى عليه السلام بالله هو تعوذ دائم من فرعون وقومه؛ بألا تصله أيديهم بأي أذى. ويحذر دائمًا من الشر والظلم والبطش من أي أحد كان.
9- لتردين:
في قوله تعالى: (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ(ي) (56) الصافات.
من تردى في نار جهنم كان ترديه دائمًا ومستمرًا، وكان فيها خالدًا مخلدًا؛ وهذا ما كان يخشاه الناجي من النار، والحامد لله على نعمة النجاة. ولم يكن كقرينه الذي رآه في وسط الجحيم.
10- يردن:
في قوله تعالى: (ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ءالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ(ي) الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ(ي) عَنِّي شَفَـاـعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ(ي) (23) يس
إرادة الله نافذة مستمرة؛ لا قاطع، ولا مانع، ولا راد، ولا محول لها. لذلك حذفت ياء التحول من يردني علامة لنفاذ إرادة الله عز وجل.
11 - يسقين:
في قوله تعالى: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(ي) (79) الشعراء.
السقاية هي جلب الشراب لطالبه والمحتاج له، والله عز وجل هو الذي ينزل الماء ليشرب الناس ويحيي الأرض بعد موتها، والناس لا صنعة لهم ولا عمل في إعداد الماء، فالسقاية من الله تعالى وحده على الدوام، لذلك حذفت ياء التحول منها.
بينما أثبتت ياء يطعمني؛ لأن من الطعام ما يكون جاهزًا للأكل مباشرة، ومنه ما لا يمكنه تناوله إلا بعد إعداد الناس له ليكون صالحًا للأكل، وقد يتعدد إعداد الطعام الواحد ويتنوع؛ لذلك ثبتت ياء التحول فيه.
وملاحظة أخرى أن الطعام لم يذكر في القرآن من غذاء أهل الجنة، ولم يأت من مادته إلا بمعنى مذاقه في سورة محمد في قوله تعالى: (وَأَنْهَـاـرٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ(15) محمد؛ لأن الطعام في معظمه يتغير مذاقه عن الأصل المصنع منه تغييرًا قليلا، أو كبيرًا يجعله شيئًا آخر.
وذكر الطعام من أكل الناس في الدنيا كقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ ( الإنسان، ومن أكل أهل النار كقوله تعالى : (وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) المزمل، لأنه مكان هذا الطعام في النار، والنار هي التي تغير الطعام.
فيفهم من كل ذلك أن الله يطعمه في الدنيا، ويسقيه في الدنيا والآخرة؛ فيكون الطعام لأجل وينقطع والسقاية مستمرة ودائمة في الدنيا والآخرة، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يوجد في الجنة إلا ما هو طيب صالح للأكل من غير تدخل للإنسان في إصلاحه وإعداده، ولا مكان للنار في نضجه.
أما قوله تعالى:
في قوله تعالى: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) الواقعة، فالآية لم تشر إلى طريقة جعله شهيًا، فقد يكون لحمه لا يحتاج إلى طهي وشواء، ولا تقاس أمور الآخرة على الدنيا في كل شيء.
12- يشفين:
في قوله تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(ي) (80) الشعراء
شفاء المريض هو إخراجه من مرضه، وإن لم يخرج هلك، والهلاك هو نهاية الأجل، وتقدير ذلك لا يكون إلا لله تعالى، فخفت ياء التحول علامة لذلك.
وما يعالج به المرضى هو مما خلقه الله تعالى في النبات خاصة، وفي خصائص المواد، وهذه كلها من الله تعالى، ويكون فيها البحث عن العلاج، وقد يستفيد منها بعض الناس، ولا تنفع لغيرهم، وجميعها لا تحول بين الناس والموت الذي لا بد منه.
ناهيك عن الشفاء بالدعاء الذي لا يحتاج إلى دواء، والله هو الشافي في كل الأحوال على الدوام.
13- تشاقون:
في قوله تعالى: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ(ني) فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَـاـفِرِينَ(27) النحل.
هذا قول يخاطب به الله عز وجل يوم القيامة الذين استمروا على مشاققته في الدنيا، إلى أن لاقوه على إشراكهم، فكان حذف ياء التحول علامة استمرار المشاققة التي كانت سبب خزيهم والسوء الذي عليهم.
وسقطت مع حذف الياء نون الوقاية؛ لذهاب سببها.
14- تشهدون:
في قوله تعالى: (قَالَتْ يَـاـأَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ(ي) (32) النمل
تنفي ملكة سبأ من قطع أي أمر دون شهود الملأ، فهم يشهدون باستمرار تصرفها في أمور دولتها؛ لذلك كان حذف ياء التحول دلالة على إشهادها المستمر لهم في كل أمورها قبل أن تقطع رأيًا فيه.
15- يطعمون:
في قوله تعالى: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ(ي) (57) الذاريات.
إن الله عز وجل ليس بحاجة لرزق ولا طعام يعد، فالله تعالى هو الذي يهب الرزق للعباد، وما يهبه، هو مستغن عن حاجته إليه، فكان حذف الياء علامة غنى الله الدائم عما يحتاجه إليه الناس.
16- ليعبدون:
في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(ي) (56) الذاريات.
العبادة هي السبب الذي خلق من أجله الجن والإنس، واستمرارهم عليها هو المطلوب حتى يلاقوه، لذلك حذفت الياء علامة استمرار السبب الذي من أجله كان خلقهم.
أما إثبات ياء التحول في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـاـلِحَـاـتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَـاـسِقُونَ(55) النور.
فلأن هناك وعدًا وشرطًا؛ ولا يتحقق التمكين في الدين، والاستخلاف الأرض، والأمن بعد الخوف للذين آمنوا وعملوا الصالحات إلا بعد الوفاء بالشرط؛ وهو أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، ولو حذف ياء التحول لكان الشرط بلا حد يقف عنده ليكون هناك تحقق للوعد، ولن يكون لهم عند ذلك تمكين في الأرض، لأن المخاطبين بها أمة لا تنتهي إلا بهلاك آخرها.
فإثبات الياء دل على أن الوعد يتحقق بعد عبادتهم لله تعالى بالقدر الذي يبين إخلاصهم لله في عبادته، وقد تحقق ذلك بعد غزوة الأحزاب التي نزلت هذه الآيات في سورتها.
فإن تحولوا بعد ذلك عن إخلاص العبادة الله تعالى؛ حول الله تعالى وعده لهم إلى خلافه.
17- تعلمن:
في قوله تعالى: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ(ي) مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66) الكهف.
هذا طلب من موسى عليه السلام من العبد الصالح أن يعلمه ما لا يعرف عنه شيئًا، ولا يعرف حدود ما سيتعلمه منه، فكان حذف الياء علامة على أن باب التعلم مفتوح؛ غير محدد بزمن، أو بعدد المسائل المتعلمة، لكن موسى عليه السلام قطع ذلك بعدم صبره على ما يراه مخالفًا في ظاهره لما يعلمه من الحق.
18- تفندون:
في قوله تعالى: (وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ(ي) (94) يوسف.
لقد عهد يعقوب عليه السلام من بنيه التفنيد الدائم له بإخفاء ما فعلوه بيوسف عليه السلام، وادعاء أكل الذئب له، واستمروا على تفنيدهم لأبيهم؛ فلما قال أبوهم: (إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)؛ قالوا: (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَـاـلِكَ الْقَدِيمِ (95) يوسف، فقد استمروا على تفنيدهم، كما توقع منهم، وعلى ذلك كان حذف الياء علامة لذلك الاستمرار في التفنيد.
19- يقتلون:
في قوله تعالى: (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ(ي) (14) الشعراء
وفي قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ(ي) (33) القصص
القتل إذا وقع استمر، ولا رجعة للحياة بعد وقوعه، لذلك حذفت ياء يقتلوني في الموضعين، فوق دأب فرعون وجنوده القتل لبني إسرائيل قوم موسى عليه السلام، وائتمارهم لقتله بعد أن قام بقتل واحد منهم؛ فنجاه الله منهم إلى مدين، بعيدًا عنهم فترة غيابه عنهم.
20- يكذبون:
في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(ي) (12) الشعراء
وفي قوله تعالى: (وَأَخِي هَـاـرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(ي) (34) القصص
موسى عليه السلام من بني إسرائيل؛ القوم المستضعفين المستعبدين؛ الذين لا كلمة لهم عند فرعون وقومه، فكيف إذا جاء لهم بأمر يهدم فيه ألوهية فرعون؟!
ويجعله عبدًا لله، ويطلب منه الاستجابة لأمر الله وطاعته؟!
ويكون هذا الطلب من فرد من بني إسرائيل؟!
فإن التكذيب هو الذي يتوقعه موسى عليه السلام من فرعون وقومه وملئه، واستمرارهم على التكذيب، وقد كان ذلك إلى أن أهلكهم الله تعالى بالغرق باليم، وعلى هذه الاستمرارية في التكذيب كان حذف الياء.
21- أتمدونن:
في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمـاـنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ(ي) بِمَالٍ فَمَا ءاتَـاـنِ(ي) اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا ءاتَـاـكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) النمل.
استنكر سليمان عليه السلام على رسل ملكة سبأ أن يمدوه بمال لم يطلبه، وما لا حاجة له به، وكأنه ملك همه زيادة ملكه وماله، بدلا من مجيئهم إليه مسلمون، فعلى ما قصد في استنكاره كان حذف الياء.
22- ينقذون:
في قوله تعالى: (ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ ءالِهَةً إِنْ يُرِدْنِ(ي) الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ(ي) عَنِّي شَفَـاـعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ(ي) (23) يس.
تكلمنا من قبل عن حذف ياء "يردن"، و"تغن"، وفي الآية حذف ثالث لياء "ينقذون"؛
ونفي المنقذ من عذاب وبطش الله بالمشركين به؛ هو نفي دائم، ولا كاشف لعقاب الله إذا وقع؛ فكان في حذف الياء بيان لنفي دائم لوجود منقذ ينقذ المشرك بالله من عقابه الله وعذابه.
23- يهدِيْن: حذفت ياء يهديْني (بتسكين الياء) في أربعة مواضع، وأثبتت في موضع واحد فقط؛
في قوله تعالى: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ(ي) (62) الشعراء.
قال موسى عليه السلام ذلك؛ لأن الله تعالى هو الذي أمره بهذا الخروج، وهو الذي معه ويتولاه، وسيهديه سبيل النجاة الدائمة من فرعون، فكانت نجاة دائمة من فرعون بهلاكه هو وجنوده.
وحذفت في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ(ي) (7 الشعراء.
قال إبراهيم عليه السلام ذلك؛ في بيان من هو ربه الذي يعبده؛ فنسب خلقه إليه، وأثبتت ياء خلقني لأن خلقه قد حدث، وانتهى الأمر بالوجود، أما الهداية فأمر يتجدد، والحاجة إلى الهداية الدائمة مستمرة، فكان حذف الياء علامة للاستمرار، كما كان إثباتها علامة للانقطاع والانتهاء.
وحذفت في قوله تعالى: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ(ي) (99) الصافات.
وسبب حذفها مثل سبب حذفها في السابقتين، فإبراهيم عليه السلام معتمد على رب يهديه هداية دائمة، في كل مسعى وطريق، وكانت هجرته إلى ربه، فهداه إلى الأرض المباركة.
وحذفت في قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(ي) (27) الزخرف.
وهذا موضع آخر يبين إبراهيم عليه السلام علاقته بربه في معرض البراءة من شرك قومه؛ فربه الذي يؤمن به ويعتمد عليه سيديم هدايته كما هداه من قبل، لذلك حذفت الياء، لأن الحاجة للهداية باستمرار.
أما إثبات ياء فطرني في هذا الموضع وبقية المواضع؛ هو كإثبات ياء خلقني، لأنه فعل قد تحقق مرة واحدة بالوجود، لتبدأ بالمخلوق الحياة، وليس هو فعل متجددًا ويتكرر في ذات الفرد في حياته.
أما إثبات ياء "يهدني" في قوله تعالى: (فَلَمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّـاـلِّينَ(77) الأنعام
فلأن إبراهيم عليه السلام قال قوله هذا؛ بعد تنقله من اتخاذ النجم رباً، إلى اتخاذ القمر ربًا، ولم يكن ذلك عن هدى من الله سابق، عندها طلب الهداية من الله ليقطع على نفسه طريق الضلال ويخرج منه؛ فالمسألة ليست في الاستمرار؛ ولكن في الخروج من الضلال والثبات على هدىً من الله؛ لذلك ثبتت الياء.
فإبراهيم عليه السلام لا يريد إلهًا يحضر ويغيب، كما كان يفعل أبوه آزر معه في السرداب.. فجعل مما مر به طريقًا لمعرفة الله عز وجل، واستدراج قومه ليؤمنوا بالله الذي آمن به.
24 - يهدِيَن: (بفتح الياء) حذف الياء في موضع واحد؛
في قوله تعالى: (إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ(ي) رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا(24) الكهف
الهداية موجودة، فلما أحدث النسيان قطعًا لها، جاء الأمر بطلب الاستمرار للهداية من الله، وعلى ذلك كان حذف الياء.
أما إثباتها في قوله تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ(22) القصص.
لأن سؤال موسى عليه السلام لربه كان في أمر واحد محدد هو طريق النجاة من كيد فرعون وملئه لقتله فنجاه الله وأوصله سالماً إلى مدين.
الكاتب - أبو مُسْلِم / عبْد المَجِيد العَرَابْلِي