أحبتي في الله السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أما بعد فقد اطلعت على جملة من المقامات للشيخ عائض القرني و قد أعجبتني
جدا و خاصة منها المقامة الوعظية,لذلك أردت أن أنقلها اليكم لتعم الفائدة
ان شاء الله :
قلنا لأحد العلماء ، النبلاء ، الأولياء : عظنا موعظة ، للقلوب موقظة ،
فإن قلوبنا بالذنوب مريضة ، وأجنحتنا بالخطايا مهيضة ، فنحن قد أدمنّا
الذنوب ، وعصينا علاّم الغيوب ، حتى قست منا القلوب ، فقال : واحرّ قلباه
، واكرباه ، يا ربّاه ، يا ابن آدم تذنب ولست بنادم ، الأنبياء يبكون ،
والصالحون يشكون ، تتابع المعاصي ، وتستهين بمن أخذ بالنواصي ، ويحك كيف
تلعب بالنار ، وتستهين بالجبار ، يغذيك ويعشِّيك ، ويقعدك ويمشيك ، ثم
تنهض على عصيان أمره ، مع علوِّ قدره ، وعظيم قهره ، ويلك هذا الملك كسر
ظهور الأكاسرة ، وقصّر بالموت آمال القياصرة ، وأرغم بالجبروت أنوف
الجبابرة ، الروح الأمين ، وَجِل مسكين ، من خوف القويّ المتين ، ومحمد
يتهجد ويتعبد، وهو الذي دعا كل موحِّد ، ومع هذا يتوعد ويهدد ، من ركن لكل
كافر وملحد .
أين عقلك يا مغرور ، هل نسيت يوم العبور ، وساعة المرور ، كل طائر من خوفه
يخرُّ صريعًا ، وكل كاسر يئن من خشيته وجيعًا ، أبو بكر انتفض من خوفه
كالعصفور ، وصار صدره بالنشيج يفور ، وسقط الفاروق من الخشية على الرمال ،
حتى حُمِل على أكتاف الرجال ، وبقي ذو النورين ، من منظر القبر يبكي يومين
، وهذا علي بن أبي طالب دموعه من التذكر سواكب ، كان عمر بن عبد العزيز ،
يرتعد ولصدره أزيز ، ويقول : يا قوم ، اذكروا صباح ذلك اليوم ، ويلك والله
لو أن القرآن نزل على صخر لتفجر ، ولوهبط على حجر لتكسر ، وتقرؤه وأنت
لاهٍ ساه ، تتفكر في المنصب والجاه ، كأن الليالي لا تطويك ، والكلام لا
يعْنيك ، تدفن الآباء والأجداد ، وتفقد الأخوة والأولاد ، وأنت لازلت في
إصرار وعناد ، سبحان الله تغترّ بالشباب ، وتزيّن الثياب ، وتنسى يوم
يُهال عليك التراب.
لا تغفل ذكره ، ولا تنس شكره ، ولا تأمن مكره ، هو الذي عفر بالطين ، أنف
فرعون اللعين ، وفرّق جنوده أجمعين ، مساكن من عصاه قاع قرقر ، بعد ما
أرسل عليهم الريح الصرصر ، إذا غضب دمر المنازل على أهلها ، وسوّى جبالها
بسهلها ، شابَ رأسُك، وما خفّ بأسك ، ومازال في المعاصي فأسك ، ما لك ما
تردّك الآيات ، ولا تزجرك العظات ، ولا تتذكر الأموات ، مصرٌّ مستكبر ،
تركب كل أمر منكر .
سمع ابن وهب آية ( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ ) ، فسقط مغشياً
عليه في الدار ، ثم مات في آخر النهار ، سمع عمر ، بعض السور ، فطرح
دُرّته وانقعر ، فبقي مريضاً شهر ، وصارت دموعه نهر ، قرأ سفيان سورة
الزلزلة ، فسُمع له ولولة ، كأنها أصابت مقتلة ، بعض الصقور تسقط من
السماء ، وإن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء ، وأغميَ من الخشية على
كثير من العلماء .
ويحك خَف ربك ، وراجع قلبك ، واذكر ذنبك ، موسى خرّ من الخوف مغشياً عليه
مصعوقاً ، ويوشع صار قلبه من الوجل مشقوقاً ، وبعضهم أصبح وجهه من الدموع
محروقاً ، كيف تصبح وتمسي ، والرسل كل يقول نفسي نفسي ، أعجبتك الدور
والقصور يا مغرور ، ونسيت القبور ، ويوم النشور ، يوم يحصل ما في الصدور .
والذي نفسي بيده ما تساوي الدنيا فتيلة ، ولا تعادل في القبر فزع أول ليلة
، يوم تطرح فيه وليس لك حيلة ، استنفق مالَك ، وراجع أعمالك ، وزن أقوالك .
وخطك الشيب ، وما تركت العيب ، تشاهد المصارع ، وتسمع القوارع ، وتنهال
عليك الفواجع ، تنسى الرب ، يا ميّت القلب ، الصحابة من الخوف مرضى ،
وطلحة ينادي : اللهم خذ من دمي حتى ترضى ، ما شاء الله ما تحضر صلاة الفجر
، ولا تطمع في الأجر ، وجعفر تقطعت بالسيوف أوصاله ، وارتفع بالفرح تهليله
وابتهاله
منقول .