السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكاتب : أحمد الفضاه
كيف يبدأ بالكلمة القرآنية؟
مقدمة:
يعد علم الوقف والابتداء من العلوم المكملة لعلم التجويد، بحيث يأتي بعد إتقان التجويد ومعرفة
أصوله وقواعده. هذا من حيث الترتيب المعرفي، أما من حيث الأهمية فإن لعلم الوقف والابتداء
أهمية بالغة في فهم القرآن الكريم وإدراك معانيه والوقوف على تفسيره وبيانه "فربما يقف
القارئ قبل تمام المعنى ولا يصل ما وقف عليه بما بعده حتى ينتهي إلى ما يصح أن يقف عنده،
وعندئذ لا يفهم هو ما يقول، ولا يفهمه السامع، بل ربما يفهم من هذا الوقف معنى
آخر غير المعنى المراد". ( )
وقد أشار العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أهمية تعلم الوقف والابتداء،
ومن ذلك ما ثبت عن عليّ رضي الله عنه أنه سئل عن قول الله تعالى: "ورتل القرآن ترتيلاً"
المزمل/4 ، فقال: "الترتيل معناه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف". ( )
ومن ذلك أيضاً قول ابن عمر رضي الله عنهما: "لقد عشنا برهةً من دهرنا وإن
أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم،
فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن،
ولقد رأيت اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته،
ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، وينثره نثر الدقل" ( )
فقول ابن عمر: "فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها" يؤكد أنهم كانوا
يتعلمون الوقف حتى يتقنوه ويفهموه ويحفظوه، ويؤكد ذلك عبارة "لقد عشنا برهة من دهرنا".
وقد فهم النحاس من هذا القول إجماع الصحابة على تعلم الوقف والابتداء. ( )
ويؤكد ابن الجزري أن معرفة الوقف والابتداء لها فوائد عديدة منها تبيين معاني القرآن العظيم
وتعريف مقاصده وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درر القرآن وفوائده.( )
ونظراً لهذه الأهمية فقد "اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً
إلا بعد معرفته الوقف والابتداء". ( )
وقد بحث العلماء موضوع الوقف والابتداء من جوانبه المختلفة فتحدثوا عن تعريف
الوقف والابتداء والقطع والسكت وسائر المصطلحات، وبحثوا من أين يبتدئ القارئ
وأين يقف، وكيف يبتدئ وكيف يقف؟ وعلاقة الوقف والبدء بالتفسير والمعاني،
جاء ذلك في مؤلفات كثيرة خصصت لهذه الموضوعات، أو في كتب تناولتها ضمن
موضوعات أخرى من علوم القرآن.
ومنذ عهد مبكر ظهرت تواليف عديدة في الوقف والابتداء، فكان أول من ألف
فيه ضرار بن صرد المقرئ الكوفي (ت 129هـ) ( ) ثم شيبة بن نصاح المدني (ت130هـ).
ثم تتابع العلماء على التأليف في هذا العلم، فألف ابن الأنباري (ت 328هـ)
كتاب إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل، وألف أبو جعفر النحاس (ت338هـ)
كتاب القطع والائتناف، وألف ابن مهران النيسابوري (ت 381هـ) (الوقف والابتداء)،
و(وقوف القرآن)، وألف الداني (ت 444هـ) المكتفى في الوقف والابتداء، وألف العمَّاني
(ت بعد 500هـ) المرشد في الوقف والابتداء، وابن طيفور السجاوندي ت 560هـ
(الوقف والابتداء).
وكان الدكتور يوسف المرعشلي قد حقق كتاب المكتفى في الوقف والابتداء للداني،
وقدم له بدراسة تضمنت قائمة بالكتب التي ألفت في هذا العلم، مستوعباً ومستقصياً،
ومشيراً إلى ما كان منها مخطوطاً أو مطبوعاً، وما كان موجوداً أو مفقوداً،
وأماكن وجود الكتب المخطوطة، حيث أحصى في قائمته ثمانية وسبعين كتاباً ( ).
وجاء الدكتور محسن هاشم درويش في تحقيقه لكتاب ابن طيفور السجاوندي
، فأضاف ثلاثة كتب أخرى ( ) ولعل الأيام القادمة والجهود المتتابعة تكشف عن
مزيد من هذه المؤلفات.
ويلاحظ من يطالع كتب علم الوقف والابتداء أن العلماء الذين ألفوا في هذا العلم يعنونون
لمؤلفاتهم بعناوين تشمل موضوعي الوقف والابتداء، ولكنهم حين يتحدثون يكاد حديثهم
يقتصر على موضوع الوقف وحده دون موضوع الابتداء، وهذا يعني أن هناك اتساعاً
في العناوين، وإعوازاً في المضامين، من حيث وفاؤها بجانب دون آخر.
وعلى سبيل المثال فإن كتاب الداني اسمه (المكتفى في الوقف والابتداء)، لكنه تحدث فيه
عن الوقف فحسب، فقال: "هذا كتاب الوقف التام والوقف الكافي والوقف الحسن في كتاب الله
عز وجل، اقتضبته من أقاويل المفسرين، ومن كتب القرّاء والنحويين، واجتهدت في جمع
مفترقه وتمييز صحيحه وإيضاح مشكله وحذف حشوه، واختصار ألفاظه وتقريب معانيه،
وبينت ذلك كله وأوضحته ودللت عليه، ورتبت جميعه على السور نسقاً واحداً إلى آخر
القرآن.."
وكتاب السجاوندي اسمه (الوقف والابتداء)، ولكنه قصره على الحديث عن مراتب الوقوف،
وهي عنده خمس مراتب: اللازم والمطلق والجائز والمجوز لوجه والمرخص ضرورة
. ثم مضى يطبق هذه المراتب على سور القرآن من مطلعه إلى ختامه، دون
أن يتطرق لموضوع الابتداء.
وقد تناولت في هذا البحث جانباً واحداً من جوانب علم الوقف والابتداء، هو
"الكيفيات التي يصح البدء بها" أو طرائق الأداء للكلمة القرآنية إذا أراد القارئ أن يبدأ
بها اختياراً أو اختباراً. وكان الباعث على الكتابة في هذا الموضوع الرغبة في معالجة
النقص والإعواز في كتب الوقف والابتداء مما يخص هذا الجانب، والحرص على جمع ما
تفرق من مسائله في كتب التجويد والقراءات القرآنية، ولأن هذا الموضوع ذو أهمية خاصة
عند دارسي علم التجويد والراغبين في إتقان التلاوة والوصول إلى كمال الأداء. فإذا جمعت
هذه المسائل في بحث واحد أمكن للدارس أن يلم بها
ويعرفها ويطبقها في تلاوته لآيات القرآن الكريم.
وبعبارة أخرى يمكن القول:
إن البحث في علم الوقف والابتداء يشتمل على أربعة أركان هي:
- أين يوقف؟ ويقابله: من أين يبدأ؟
- كيف يوقف على الكلمة؟ ويقابله: كيف يبدأ بها؟