باب الاستعاذة و البسملة
أول الأبواب التي تبوب في أصول الرواية وهو باب الاستعاذة والبسملة.
ولفظة " الباب " اعتدنا سماعها ورؤيتها بكتب المتقدمين والمتأخرين فماذا تعني ؟؟ و ماهو إعرابها؟!! :
الباب لـــــغــة : هو ما يتوصل به إلى غيره حسا أو معنى؛
اصطـــــــلاحا: اسم لجملة مخصوصة من أصناف العلم مشتملة الفصول.
اعرابــــــــــه: خبر لمتبدإ محذوف ( بتقدير: هذا بابٌ ) .
وقال أبو شامة في إبراز المعاني " كل ما يأتي في كتب العلماء من قولهم باب أو فرع أو نحو ذلك فهو خبر مبتدإ محذوف . وبعضهم يظهره ، أي هذا باب نذكر فيه مذاهب القراء في الاستعاذة قبل القراءة..اهــ " .
فهذا باب الاستعاذة والبسملة تضمن ما أصل لورش رحمه الله فيه وباختصار:
مذهب ورش - رحمه الله - بين السورتين (عدا التوبة) ثلاثة أوجه جائزة وهي
1- السكت 2- الوصل 3- البسملة
وهذا على قراءة سورتين مرتبتين بالمصحف (نحو: البقرة بالمائدة ) ولكن :
- إذا وصلنا الناس بالفاتحة نصل بالبسملة فقط؛
- إذا كررنا نفس السورة نصلها بالبسملة فقط( نحو : البقرة بالبقرة)؛
- إذا قرأنا سورة مرتبة قبل السورة التي انهيناها فنصل بالبسملة فقط ( نحو: الإخلاص بالنصر ).
أما بين الأنفال بالتوبة فهو متفق مع باقي القراء حيث لهم :
1- السكت 2-الوصل 3-الوقف
وندرج ما تضمنه نظم العلامة ابن بري الرباطي المسمى بالدرر اللوامع في أصل مقرإ الامام نافع حيث قال - رحمه الله- :
(باب الاستعاذة)
القول في التعوذ المختار
وحكمه في الجهر والإسرار
وقد أتت في لفظه أخبارُ
وغيرُ ما في النحل لا يختار
والجهر ذاع عندنا في المذهب
به والاخفاءَ روى المسيبي
(باب البسملة)
القول في استعمال لفظ البسمله
والسكتِ والمختارِ عند النقلة
قالون بين السورتين بسملا
وورش الوجهان عنه نقلا
واسكت يسيرا تَحظ بالصواب
أوْ صِل لّه مبيّنَ الإعراب
وبعضهم بسمل عن ضرورهْ
في الأربع المعلومة المشهورهْ
للفصل بين النفي والإثبات
والصبر واسم الله والويلات
والسكتُ أوْلى عند كل ذي نظر
لأن وصفه الرحيمَ معتبر
ولا خلاف عند ذي قراءه
في تركها في حالتي براءه
وذكرها في أول الفواتح
والحمد لله لأمر واضح
واختارها بعض أولي الأداء
لفضلها في أول الأجزاء
ولا تقف فيها إذا وصلتها
بالسورة الأولى التي ختمتها
الاستعاذة
1 - معنى الاستعاذة :
هي مصدر استعاذ أي طلب العوذ، و العوذ في اللغة: اللجوء و الاعتصام، فإذا قال القارئ : أعوذ بالله فكأنه قال الجأ و اعتصم و أتحصن بالله، و لفظه خبري ومعناه الدعاء والطلب أي بمعنى : " اللهم إني التجأ بك و أتحصن وأعتصم بك من الشيطان الرجيم" .
2 - صيغتها :
وردت ألفاظ كثيرة في شأن التعوذ كلها جائزة، إلا أن اللفظ المختار عند أهل الأداء هو" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".و استعمل لفظ " أعوذ" دون لفظ "أستعيذ" لأن اللفظ الأول ورد بكثرة في القرءان الكريم.
و تجدر الإشارة أن الاستعاذة ليست آية من القرءان الكريم، ولكن نأتي بها عند القراءة، امتثالا لقوله تعالى" فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" .
قال الداني رحمه الله :
اســتفتح القراءة بالتعويذ *** و لا ترد النـــص بالشـــــذوذ
فذاك إجماع من الــقراء *** و لفــظــه المخـــتار في الأداء
أعوذ بالله من الشيـطان *** على الذي قد جـاء في القرءان
3 - محلها :
أجمع القراء على أن الاستعاذة تكون قبل القراءة.
و هذا بخلاف الظاهرية الذين عملوا بظاهر الآية { فإذا قرأت القرءان فــَـاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } لأن تقدير الآية الكريمة عكس ظاهرها فقالوا أن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب ولكن ليس هذا هو المراد من الآية فكما في بعض الآيات { يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فـَــاغسلوا وجوهكم ....} (الغسل يكون قبل إقامة الصلاة وليس بعدها ) فكذلك الاستعاذة تكون قبل وليس بعد القراءة.
4 - حكمها :
الاستعاذة حكمها الندب أي الاستحباب، و هذا هو الراجح و المشهور وقيل بالوجوب .
5 - جهرها و إخفاؤها :
المختار عند أهل الأداء هو الجهر بالاستعاذة إلا أنه ورد عن الإمام نافع الإسرار بها.
- وجه الجهـــر بها : لينصت السامع للقراءة من أولها فلا يفوته شيء فهو شعار القراءة.
- وجه الإسرار بها : ليحصل الفرق بين ما هو قرءان و ما ليس قرءان
- مواطن الجهر بالتعوذ و الإسرار به :
• مواطن الجهر:
- إذا كان القارئ يقرأ جهرا، وهناك من يستمع إلى قراءته.
- إذا كان القارئ في جماعة يتلون القرآن، و كان هو المبتدئ بالقراءة.
• مواطن الإسرار:
- إذا كان يقرأ سرا، سواء كان منفردا أو في مجلس.
- إذا كان خاليا، سواء قرأ جهرا أو سرا.
- إذا كان في الصلاة، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، و سواء أكان منفردا أم مأموما أم إماما.
- إذا كان يقرأ وسط جماعة، و لم يكن هو المبتدئ بالقراءة.
6 – صور استعمال الاستعاذة مع ما بعدها:
الوصل و الوقف على التعوذ مع الأجزاء وأول السورة (البسملة):
1- مع الأجزاء (وسط السورة ): يجوز لنا الإتيان هنا بالبسملة أو تركها.
- إذا أتينا بالبسملة فهي كما في أول السورة (سيأتي بيانه)
- إذا تركنا البسملة فلنا وجهان :
1- الاستعاذة ـــــــــــ وصل* ـــــــــــ وسط السورة
2- الاستعاذة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ وسط السورة
* تنبيه هام:
لا يجوز وصل الاستعاذة بجزء من السورة مبدوء بلفظ الجلالة أو متعلق بالأنبياء و الرسل و الصالحين ففي هذه الحالة نأتي بالبسملة لرفع بشاعة المعنى حال الوصل.
مثلا :
الاستعاذة ـــــــــــ نبسمل ــــــــ إليه يرد علم الساعة
2- مع البسملة (أول السورة ) :
إذا كان القارئ مبتدئا بأول سورة تعين عليه أن يبسمل و له حينئذ أربعة أوجه كلها جائزة:
أ) وصل الجميع: أي وصل الاستعاذة بالبسملة و بأول السورة؛
1- الاستعاذة ــــــــــ وصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ أول السورة
ب) فصل الجميع: أي الوقف على الاستعاذة ثم الوقف على البسملة ثم قراءة أول السورة؛
2- الاستعاذة ـــــــــــ فصل ــــــــــ البسملةـــــــــــ فصل ـــــــــــ أول السورة
ج) وصل الأول و فصل الثاني: أي وصل الاستعاذة بالبسملة ثم يقف القارئ على البسملة ثم يبدأ بأول السورة؛
3- الاستعاذة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ أول السورة
د) فصل الأول ووصل الثاني: أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة؛
4- الاستعاذة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ أول السورة
البـسـمـلـة
1 - معنى البسملة :
البسملة هي قولك " بسم الله الرحمن الرحيم " وهي مصدر من بسمل كقولنا:
حوْقل إذا قال: "لا حول و لا قوة إلا بالله"؛
حمْدل إذا قال: "الحمد لله"؛
حسبل إذا قال: " حسبي الله ونعم الوكيل"
حيعل إذا قال : "حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح"
هيلل إذا قال: " لا إله إلا الله "
سمعل إذا قال:" السلام عليكم "
وهي لغة مولدة أريد بها الاختصار فيعبر بالكلمة الواحدة عن الكلمتين أو أكثر. وللبسملة مواضع وهي إما أن تأتي في أول السورة أو في أثنائها أو بين السورتين.
- مواضع البسملة :
1) أوائل السور:
اتفق القراء على الإتيان بالبسملة عند الابتداء بأول كل سورة ، وهذا الحكم عام في كل سورة من سور القرءان إلا براءة (سورة التوبة)، فلا خلاف بينهم في ترك البسملة عند الابتداء بها رواية وخطا*.
قال الداني – رحمه الله - :
و الكل من أئمة البلدان *** بســمـل في فاتحة القرآن
و كلهم أيضا فلم يبسمل *** في أول التوبة إذ لم تنزل
و سبب عدم ورود البسملة في أول سورة التوبة ما روي عن ابن عباس انه سأل عليا رضي الله عنهم: " لم لم تكتب البسملة في أول براءة ؟ " فقال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان و براءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان، يعني أنها نزلت بنقض العهود التي كانت بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين المشركين.
2) أواسط السور:
و المراد بالأواسط هنا ما كان بعد أول السورة و لو بكلمة، و تسمى بالأجزاء. فلنا الإتيان بالبسملة أو تركها.
و لا نصل البسملة بآية توهم للسامع معنى قبيح مثل :
بسم الله الرحمن الرحيم ـــــــــــ لا نصل ـــــــــــ الشيطان يعدكم الفقر
3) بين السورتين :
أ) كيفية الوصل بين السورتين لورش –رحمه الله-:
لورش رحمه الله ثلاثة أوجه* للوصل بين السورتين كلها جائزة ومقروء بها ما عدا سورة براءة،
الأول:السكت - الثاني: الوصل الثالث: البسملة
- الســـكت: هو أن يسكت على آخر الكلمة من السورة الأولى زمنا دون زمن الوقف عادة من غير تنفس .
- الوصـــل: هو أن تصل آخر السورة الأولى بأول السورة الثانية كآية واحدة من غير وقف ولا سكت.
- البسملة: هو أن تأتي بالبسملة بين السورتين ولها أوجه ثلاثة جائزة والرابع ممتنع باتفاق أهل الأداء.
ب) أوجه قراءة البسملة بين السورتين:
- كل السور عدا التوبة:
*| وصل الجميع: أي وصل آخر السورة الأولى بالبسملة ثم بأول السورة الثانية كآية واحدة:
آخر السورة الأولى ـــــــــــ وصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ أول السورة الثانية
*| فصل الجميع : أي الوقف على آخر السورة الأولى ثم الوقف على البسملة ثم قراءة أول السورة الثانية:
آخر السورة الأولى ـــــــــــ فصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ أول السورة الثانية
*| فصل الأول ووصل الثاني: أي الوقف على آخر السورة الأولى ووصل البسملة ببداية السورة الثانية:
آخر السورة الأولى ـــــــــــ فصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ أول السورة الثانية
*| وصل الأول وفصل الثاني: ومنع هذا الوجه لان البسملة لأوائل السور و ليس لأواخرها وكي لا يتوهم السامع أنها آية لأخر السورة.
آخر السورة الأولى ـــــــــــ وصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ أول السورة الثانية
( هذا وجه لا يجوز عند جميع القراء)
قال ابن بري –رحمه الله- :
ولا تقف فيها إذا وصَـلـْتها *** بالسورة الأولى التي خـَـتـَـمْتها
- بين الأنفال والتوبة (براءة):
للوصل بين الأنفال والتوبة ثلاثة أوجه لجميع القراء وهي:
الأول: السكت - الثاني: الوصل - الثالث: الوقف
- بين الأربع الزهر:
استحب بعض أهل الأداء عدم الوصل بين أربع سور من القرءان الكريم بما قبلها، و هذه السور المسماة بالأربع الزهر هي : القيامة و المطففين و البلد و الهمزة، وفي هذا مذهبان فالبعض راعى قبح اللفظ عند الوصل في هذه المواضع الأربع:
- "هو أهل التقوى و أهل المغفرة" (المدثر) " لآ أقسم بيوم القيامة"( القيامة)،، الجمع بين إثبات المغفرة و نفيها؛
- والامر يومئذ لله (الانفطار) ويل للمطففين (المطففين)،، اقتران الويل المذموم باسم الله الممدوح؛
- وادخلي جنتي (الفجر) لآ أقسم بهذا البلد (البلد)،، كأنه نفي لما ثبت من دخول الجنة؛
- وتواصواْ بالصبر ( العصر) ويل لكل همزة لمزة (الهمزة)،، اقتران الويل المذموم بالصبر الممدوح؛
مذهب التفرقة :
من كان يقرأ بالوصل بين السور من غير بسملة، فإنه يأتي بالسكت بين هذه الأربع الزهر، ومن كان يسكت يأتي بالبسملة بين هذه السور أما من كان يبسمل فله البسملة فهي فاصلة بين السور.
مذهب التسوية:
هو أن القارئ لا يغير وجه القراءة بين السور الأربع الزهر مع ما قبلها، و لكن يقرأ كما بدأ ختمته للقرآن.
وهذا هو الراجح ومذهب الأكثرين.
قال ابن بري رحمه الله :
وبعضهم بسمل عن ضـرورهْ *** في الأربع المعلومة المشهورهْ
للفصل بين النفي و الإثبــــاتِ *** و الصبر و اسم ِالله و الويــلاتِ
والسكت أولى عند كل ذي نظر *** لان وصفه الرحــــيم معــــتـــبر
فــــــوائد:- السكت يكون بين السورتين كانتا مرتبتين كآخر البقرة و أول آل عمران، أو غير مرتبتين كآخر الأعراف و أول يوسف لكن يشترط أن تكون الثانية بعد الأولى في الترتيب المصحفي، فان كانت قبلها كان وصل آخر الأحزاب بأول مريم مثلا، تعين الإتيان بالبسملة، و لا يجوز سكت و لا وصل، كذا لو وصل آخر السورة بأولها، كمن كرر سورة الإخلاص ثلاث مرات، فإن البسملة تكون متعينة، و تتعين كذلك إن وصل آخر الناس بأول الفاتحة فالبسملة لجميع القراء.
- يجوز السكت – وهو المقدم في الأداء – و الوصل و الوقف بين آخر الأنفال وأول براءة، و هذه الوجوه الثلاثة جائزة بين التوبة و أي سورة أخرى ,شرط أن تكون قبلها كآخر الأنعام مع أول التوبة مثلا، أما إذا كانت السورة بعد التوبة في التلاوة، كأن وصلت آخر النحل بأول التوبة، فالظاهر تعيين الوقف و امتناع السكت و الوصل، كذا إن وصلت آخر التوبة بأولها.
- من المعلوم أن فائدة الجهر بالاستعاذة هو شعار الابتداء بالقراءة، ولكن في الصلاة المأموم علم ببداية الصلاة بتكبيرة الإحرام، إذن ليست هناك حاجة إلى الجهر بالاستعاذة.
- الاستعاذة مرة واحدة تكفي قبل القراءة لسور مختلفة ، اللهم إذا انصرفنا عن القراءة بكلام أجنبي غير القرءان ولو كان رد السلام فإننا نعيد الاستعاذة. وإن كان أمرا ضروريا كسعال و كلام يتعلق بالقراءة فلا نعيدها
من دروس لدورة لرواية ورش
أول الأبواب التي تبوب في أصول الرواية وهو باب الاستعاذة والبسملة.
ولفظة " الباب " اعتدنا سماعها ورؤيتها بكتب المتقدمين والمتأخرين فماذا تعني ؟؟ و ماهو إعرابها؟!! :
الباب لـــــغــة : هو ما يتوصل به إلى غيره حسا أو معنى؛
اصطـــــــلاحا: اسم لجملة مخصوصة من أصناف العلم مشتملة الفصول.
اعرابــــــــــه: خبر لمتبدإ محذوف ( بتقدير: هذا بابٌ ) .
وقال أبو شامة في إبراز المعاني " كل ما يأتي في كتب العلماء من قولهم باب أو فرع أو نحو ذلك فهو خبر مبتدإ محذوف . وبعضهم يظهره ، أي هذا باب نذكر فيه مذاهب القراء في الاستعاذة قبل القراءة..اهــ " .
فهذا باب الاستعاذة والبسملة تضمن ما أصل لورش رحمه الله فيه وباختصار:
مذهب ورش - رحمه الله - بين السورتين (عدا التوبة) ثلاثة أوجه جائزة وهي
1- السكت 2- الوصل 3- البسملة
وهذا على قراءة سورتين مرتبتين بالمصحف (نحو: البقرة بالمائدة ) ولكن :
- إذا وصلنا الناس بالفاتحة نصل بالبسملة فقط؛
- إذا كررنا نفس السورة نصلها بالبسملة فقط( نحو : البقرة بالبقرة)؛
- إذا قرأنا سورة مرتبة قبل السورة التي انهيناها فنصل بالبسملة فقط ( نحو: الإخلاص بالنصر ).
أما بين الأنفال بالتوبة فهو متفق مع باقي القراء حيث لهم :
1- السكت 2-الوصل 3-الوقف
وندرج ما تضمنه نظم العلامة ابن بري الرباطي المسمى بالدرر اللوامع في أصل مقرإ الامام نافع حيث قال - رحمه الله- :
(باب الاستعاذة)
القول في التعوذ المختار
وحكمه في الجهر والإسرار
وقد أتت في لفظه أخبارُ
وغيرُ ما في النحل لا يختار
والجهر ذاع عندنا في المذهب
به والاخفاءَ روى المسيبي
(باب البسملة)
القول في استعمال لفظ البسمله
والسكتِ والمختارِ عند النقلة
قالون بين السورتين بسملا
وورش الوجهان عنه نقلا
واسكت يسيرا تَحظ بالصواب
أوْ صِل لّه مبيّنَ الإعراب
وبعضهم بسمل عن ضرورهْ
في الأربع المعلومة المشهورهْ
للفصل بين النفي والإثبات
والصبر واسم الله والويلات
والسكتُ أوْلى عند كل ذي نظر
لأن وصفه الرحيمَ معتبر
ولا خلاف عند ذي قراءه
في تركها في حالتي براءه
وذكرها في أول الفواتح
والحمد لله لأمر واضح
واختارها بعض أولي الأداء
لفضلها في أول الأجزاء
ولا تقف فيها إذا وصلتها
بالسورة الأولى التي ختمتها
الاستعاذة
1 - معنى الاستعاذة :
هي مصدر استعاذ أي طلب العوذ، و العوذ في اللغة: اللجوء و الاعتصام، فإذا قال القارئ : أعوذ بالله فكأنه قال الجأ و اعتصم و أتحصن بالله، و لفظه خبري ومعناه الدعاء والطلب أي بمعنى : " اللهم إني التجأ بك و أتحصن وأعتصم بك من الشيطان الرجيم" .
2 - صيغتها :
وردت ألفاظ كثيرة في شأن التعوذ كلها جائزة، إلا أن اللفظ المختار عند أهل الأداء هو" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".و استعمل لفظ " أعوذ" دون لفظ "أستعيذ" لأن اللفظ الأول ورد بكثرة في القرءان الكريم.
و تجدر الإشارة أن الاستعاذة ليست آية من القرءان الكريم، ولكن نأتي بها عند القراءة، امتثالا لقوله تعالى" فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" .
قال الداني رحمه الله :
اســتفتح القراءة بالتعويذ *** و لا ترد النـــص بالشـــــذوذ
فذاك إجماع من الــقراء *** و لفــظــه المخـــتار في الأداء
أعوذ بالله من الشيـطان *** على الذي قد جـاء في القرءان
3 - محلها :
أجمع القراء على أن الاستعاذة تكون قبل القراءة.
و هذا بخلاف الظاهرية الذين عملوا بظاهر الآية { فإذا قرأت القرءان فــَـاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } لأن تقدير الآية الكريمة عكس ظاهرها فقالوا أن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب ولكن ليس هذا هو المراد من الآية فكما في بعض الآيات { يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فـَــاغسلوا وجوهكم ....} (الغسل يكون قبل إقامة الصلاة وليس بعدها ) فكذلك الاستعاذة تكون قبل وليس بعد القراءة.
4 - حكمها :
الاستعاذة حكمها الندب أي الاستحباب، و هذا هو الراجح و المشهور وقيل بالوجوب .
5 - جهرها و إخفاؤها :
المختار عند أهل الأداء هو الجهر بالاستعاذة إلا أنه ورد عن الإمام نافع الإسرار بها.
- وجه الجهـــر بها : لينصت السامع للقراءة من أولها فلا يفوته شيء فهو شعار القراءة.
- وجه الإسرار بها : ليحصل الفرق بين ما هو قرءان و ما ليس قرءان
- مواطن الجهر بالتعوذ و الإسرار به :
• مواطن الجهر:
- إذا كان القارئ يقرأ جهرا، وهناك من يستمع إلى قراءته.
- إذا كان القارئ في جماعة يتلون القرآن، و كان هو المبتدئ بالقراءة.
• مواطن الإسرار:
- إذا كان يقرأ سرا، سواء كان منفردا أو في مجلس.
- إذا كان خاليا، سواء قرأ جهرا أو سرا.
- إذا كان في الصلاة، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، و سواء أكان منفردا أم مأموما أم إماما.
- إذا كان يقرأ وسط جماعة، و لم يكن هو المبتدئ بالقراءة.
6 – صور استعمال الاستعاذة مع ما بعدها:
الوصل و الوقف على التعوذ مع الأجزاء وأول السورة (البسملة):
1- مع الأجزاء (وسط السورة ): يجوز لنا الإتيان هنا بالبسملة أو تركها.
- إذا أتينا بالبسملة فهي كما في أول السورة (سيأتي بيانه)
- إذا تركنا البسملة فلنا وجهان :
1- الاستعاذة ـــــــــــ وصل* ـــــــــــ وسط السورة
2- الاستعاذة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ وسط السورة
* تنبيه هام:
لا يجوز وصل الاستعاذة بجزء من السورة مبدوء بلفظ الجلالة أو متعلق بالأنبياء و الرسل و الصالحين ففي هذه الحالة نأتي بالبسملة لرفع بشاعة المعنى حال الوصل.
مثلا :
الاستعاذة ـــــــــــ نبسمل ــــــــ إليه يرد علم الساعة
2- مع البسملة (أول السورة ) :
إذا كان القارئ مبتدئا بأول سورة تعين عليه أن يبسمل و له حينئذ أربعة أوجه كلها جائزة:
أ) وصل الجميع: أي وصل الاستعاذة بالبسملة و بأول السورة؛
1- الاستعاذة ــــــــــ وصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ أول السورة
ب) فصل الجميع: أي الوقف على الاستعاذة ثم الوقف على البسملة ثم قراءة أول السورة؛
2- الاستعاذة ـــــــــــ فصل ــــــــــ البسملةـــــــــــ فصل ـــــــــــ أول السورة
ج) وصل الأول و فصل الثاني: أي وصل الاستعاذة بالبسملة ثم يقف القارئ على البسملة ثم يبدأ بأول السورة؛
3- الاستعاذة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ أول السورة
د) فصل الأول ووصل الثاني: أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة؛
4- الاستعاذة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ أول السورة
البـسـمـلـة
1 - معنى البسملة :
البسملة هي قولك " بسم الله الرحمن الرحيم " وهي مصدر من بسمل كقولنا:
حوْقل إذا قال: "لا حول و لا قوة إلا بالله"؛
حمْدل إذا قال: "الحمد لله"؛
حسبل إذا قال: " حسبي الله ونعم الوكيل"
حيعل إذا قال : "حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح"
هيلل إذا قال: " لا إله إلا الله "
سمعل إذا قال:" السلام عليكم "
وهي لغة مولدة أريد بها الاختصار فيعبر بالكلمة الواحدة عن الكلمتين أو أكثر. وللبسملة مواضع وهي إما أن تأتي في أول السورة أو في أثنائها أو بين السورتين.
- مواضع البسملة :
1) أوائل السور:
اتفق القراء على الإتيان بالبسملة عند الابتداء بأول كل سورة ، وهذا الحكم عام في كل سورة من سور القرءان إلا براءة (سورة التوبة)، فلا خلاف بينهم في ترك البسملة عند الابتداء بها رواية وخطا*.
قال الداني – رحمه الله - :
و الكل من أئمة البلدان *** بســمـل في فاتحة القرآن
و كلهم أيضا فلم يبسمل *** في أول التوبة إذ لم تنزل
و سبب عدم ورود البسملة في أول سورة التوبة ما روي عن ابن عباس انه سأل عليا رضي الله عنهم: " لم لم تكتب البسملة في أول براءة ؟ " فقال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان و براءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان، يعني أنها نزلت بنقض العهود التي كانت بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين المشركين.
2) أواسط السور:
و المراد بالأواسط هنا ما كان بعد أول السورة و لو بكلمة، و تسمى بالأجزاء. فلنا الإتيان بالبسملة أو تركها.
و لا نصل البسملة بآية توهم للسامع معنى قبيح مثل :
بسم الله الرحمن الرحيم ـــــــــــ لا نصل ـــــــــــ الشيطان يعدكم الفقر
3) بين السورتين :
أ) كيفية الوصل بين السورتين لورش –رحمه الله-:
لورش رحمه الله ثلاثة أوجه* للوصل بين السورتين كلها جائزة ومقروء بها ما عدا سورة براءة،
الأول:السكت - الثاني: الوصل الثالث: البسملة
- الســـكت: هو أن يسكت على آخر الكلمة من السورة الأولى زمنا دون زمن الوقف عادة من غير تنفس .
- الوصـــل: هو أن تصل آخر السورة الأولى بأول السورة الثانية كآية واحدة من غير وقف ولا سكت.
- البسملة: هو أن تأتي بالبسملة بين السورتين ولها أوجه ثلاثة جائزة والرابع ممتنع باتفاق أهل الأداء.
ب) أوجه قراءة البسملة بين السورتين:
- كل السور عدا التوبة:
*| وصل الجميع: أي وصل آخر السورة الأولى بالبسملة ثم بأول السورة الثانية كآية واحدة:
آخر السورة الأولى ـــــــــــ وصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ أول السورة الثانية
*| فصل الجميع : أي الوقف على آخر السورة الأولى ثم الوقف على البسملة ثم قراءة أول السورة الثانية:
آخر السورة الأولى ـــــــــــ فصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ أول السورة الثانية
*| فصل الأول ووصل الثاني: أي الوقف على آخر السورة الأولى ووصل البسملة ببداية السورة الثانية:
آخر السورة الأولى ـــــــــــ فصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ وصل ـــــــــــ أول السورة الثانية
*| وصل الأول وفصل الثاني: ومنع هذا الوجه لان البسملة لأوائل السور و ليس لأواخرها وكي لا يتوهم السامع أنها آية لأخر السورة.
آخر السورة الأولى ـــــــــــ وصل ـــــــــــ البسملة ـــــــــــ فصل ـــــــــــ أول السورة الثانية
( هذا وجه لا يجوز عند جميع القراء)
قال ابن بري –رحمه الله- :
ولا تقف فيها إذا وصَـلـْتها *** بالسورة الأولى التي خـَـتـَـمْتها
- بين الأنفال والتوبة (براءة):
للوصل بين الأنفال والتوبة ثلاثة أوجه لجميع القراء وهي:
الأول: السكت - الثاني: الوصل - الثالث: الوقف
- بين الأربع الزهر:
استحب بعض أهل الأداء عدم الوصل بين أربع سور من القرءان الكريم بما قبلها، و هذه السور المسماة بالأربع الزهر هي : القيامة و المطففين و البلد و الهمزة، وفي هذا مذهبان فالبعض راعى قبح اللفظ عند الوصل في هذه المواضع الأربع:
- "هو أهل التقوى و أهل المغفرة" (المدثر) " لآ أقسم بيوم القيامة"( القيامة)،، الجمع بين إثبات المغفرة و نفيها؛
- والامر يومئذ لله (الانفطار) ويل للمطففين (المطففين)،، اقتران الويل المذموم باسم الله الممدوح؛
- وادخلي جنتي (الفجر) لآ أقسم بهذا البلد (البلد)،، كأنه نفي لما ثبت من دخول الجنة؛
- وتواصواْ بالصبر ( العصر) ويل لكل همزة لمزة (الهمزة)،، اقتران الويل المذموم بالصبر الممدوح؛
مذهب التفرقة :
من كان يقرأ بالوصل بين السور من غير بسملة، فإنه يأتي بالسكت بين هذه الأربع الزهر، ومن كان يسكت يأتي بالبسملة بين هذه السور أما من كان يبسمل فله البسملة فهي فاصلة بين السور.
مذهب التسوية:
هو أن القارئ لا يغير وجه القراءة بين السور الأربع الزهر مع ما قبلها، و لكن يقرأ كما بدأ ختمته للقرآن.
وهذا هو الراجح ومذهب الأكثرين.
قال ابن بري رحمه الله :
وبعضهم بسمل عن ضـرورهْ *** في الأربع المعلومة المشهورهْ
للفصل بين النفي و الإثبــــاتِ *** و الصبر و اسم ِالله و الويــلاتِ
والسكت أولى عند كل ذي نظر *** لان وصفه الرحــــيم معــــتـــبر
فــــــوائد:- السكت يكون بين السورتين كانتا مرتبتين كآخر البقرة و أول آل عمران، أو غير مرتبتين كآخر الأعراف و أول يوسف لكن يشترط أن تكون الثانية بعد الأولى في الترتيب المصحفي، فان كانت قبلها كان وصل آخر الأحزاب بأول مريم مثلا، تعين الإتيان بالبسملة، و لا يجوز سكت و لا وصل، كذا لو وصل آخر السورة بأولها، كمن كرر سورة الإخلاص ثلاث مرات، فإن البسملة تكون متعينة، و تتعين كذلك إن وصل آخر الناس بأول الفاتحة فالبسملة لجميع القراء.
- يجوز السكت – وهو المقدم في الأداء – و الوصل و الوقف بين آخر الأنفال وأول براءة، و هذه الوجوه الثلاثة جائزة بين التوبة و أي سورة أخرى ,شرط أن تكون قبلها كآخر الأنعام مع أول التوبة مثلا، أما إذا كانت السورة بعد التوبة في التلاوة، كأن وصلت آخر النحل بأول التوبة، فالظاهر تعيين الوقف و امتناع السكت و الوصل، كذا إن وصلت آخر التوبة بأولها.
- من المعلوم أن فائدة الجهر بالاستعاذة هو شعار الابتداء بالقراءة، ولكن في الصلاة المأموم علم ببداية الصلاة بتكبيرة الإحرام، إذن ليست هناك حاجة إلى الجهر بالاستعاذة.
- الاستعاذة مرة واحدة تكفي قبل القراءة لسور مختلفة ، اللهم إذا انصرفنا عن القراءة بكلام أجنبي غير القرءان ولو كان رد السلام فإننا نعيد الاستعاذة. وإن كان أمرا ضروريا كسعال و كلام يتعلق بالقراءة فلا نعيدها
من دروس لدورة لرواية ورش