بسم الله
الأحرف المقطعة(د.حسام النعيمى)
(((ليس هناك شيء في القرآن غير مفهوم حتى الحروف المقطعة لأنه لو كان هناك شيء في القرآن الكريم غير مفهوم كان يسأل عنه الناس. حتى (ألم، كهيعص) قيل فيها كلام كثير والراجح عند أهل اللغة أن هذه علامات الإعجاز أن هذا القرآن الذي أعجزكم مؤلف من هذه الحروف لكن مع ذلك فيها مساحة للمتشابه وهو لماذا كانت ألم هنا وألمر هنا وألمص هنا؟ هذا مما إستأثر الله عز وجل بعلمه. لكن أن يكون هناك شيء في القرآن غير مفهوم لا يوجد ولا يجوز أن نفكر هذا التفكير ))).
(ألم) ما هذه الأحرف؟ ولمَ جاءت هذه الأحرف؟ هذا سنعرض له في جزئية الآن: نحن قلنا القرآن هو الكتاب والكتاب هو القرآن ونحن عندنا آيتان الأولى في سورة الحجر والثانية في سورة النمل يستدعيان السؤال لأن الآية الأولى جاء فيها (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) الحجر) ذكر الكتاب وذكر القرآن والثانية (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) النمل). في الآية الأولى قدّم الكتاب وعرّفها وجاء بعدها بكلمة قرآن بالتنكير ووصفها. وفي الآية الثانية ذكر القرآن معرّفاً وجاء بكتاب نكرة ووصفها بمبين أيضاً. فالسؤال لم الإختلاف بين الآيتين؟
لو نظرنا في سياق الآيتين. أولاً هذه الأحرف المقطعة (ألر) (ألم) (طس) وغيرها هذه الأحرف كما هي لم يرد في تاريخ الإسلام أن الرسول سُئل عنها، ما ورد. ولو سُئل عنها كان يُسجّل إذن فهموها لما لم يسألوا عنها إذن فهموا ماذا يُراد منها أما نحن الآن وحتى قبل ذلك تحيّر فيها المفسرون. لكن التوجه اللغوي(وبرنامجنا هذا برنامج لغوي) من حيث اللغة لما يقول (ألر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين)) ألر لوحدها خارج الآية لا إبانة فيها. لأنه لو قال لك إنسان :لام نون كاف تقول له ما هذا الكلام لوحده؟ لكن لما جاءت هاهنا وجاءت معها كلمة الإنابة أهل اللغة يقولون هذه من دلائل الإعجاز بمعنى أن هذا القرآن المبين الواضح مكوّن من هذه الأصوات غير المبينة في ذاتها. الأحرف لوحدها ليست مبينة لا يستفيد منها السامع شيئاً فلما جاءت في نظم معيّن كانت قرآناً. هذا النظم أعجزكم عن أن تأتوا بمثله وكان ينتهي الإسلام وتنتهي المعركة ولذلك نقول هذا التحدي هو تحدٍ منصِف. لما قال (فاتوا بسورة من مثله) تحدي منصف لأن المادة الأولية لألفاظ القرآن الكريم موجودة عندكم من وحي الأحرف ولكن هذه الأحرف لما ركبت (ألر) بذاتها لم تكن مبينة لكن هي في داخل السياق لما قلنا لكم هذه الأحرف التي هي غير مبينة لما صارت قرآناً صارت مبينة يعني هذا تنبيه على عجزكم عن شيء أنتم تملكونه. أنتم تملكون هذه الأحرف وأنتم لم تستطيعوا أن تكتبوا من هذه الأحرف قرآناً فإذن هذا هو الربط بين هذه الأحرف المقطعة وكلمة مبين (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين).
لماذا لم يلتزم نفس الأحرف المقطعة في كل السور؟ لماذا غيّر الأحرف؟ ولماذا تأتي مرة ألر وفي موضع آخر طس مثلاً كل في مكانها؟ ألم وحم تكررت في آيات كثيرة والسؤال يبقى وارداً لمَ قال ألر ولم يقل حم ذلك الكتاب لا ريب فيه؟ السؤال لا ينتهي هنا فكان لا بد من إختيار حروف معينة لأنه لو قال هنا حم لكان السؤال لم جاء هنا بـ (حم)؟
هل هناك مناسبة بين تلك الأحرف والآية التي تليها؟
إلى الآن بقدر بحثنا لا توجد مناسبة ظاهرة لكن هناك مناسبة اختيار ما بعدها بالنظر إليها سأذكرها: هذه المناسبة وجدت أنها من الجانب الصوتي تنطبق على جميع ما ورد ذكره من كلمة كتاب وكلمة قرآن. لأني كنت أفتش في المصحف عن كلمة الكتاب وكلمة القرآن وهنا اجتمعتا معاً ومعها الأحرف المقطعة فوجدت شيئاً يمكن أن أثبّت فيه قاعدة: أنه حيثما اختار كلمة الكتاب تكون الأحرف المقطعة كذا ليس بذاتها وإنما بمقاطعها الصوتية لأنه هي بذاتها لا ينتهي منها السؤال. مثال على ذلك: لما تقول كتب للكتابة وضرب للضرب ألم يكن بالإمكان أن يستعمل ضرب للكتابة وكتب للضرب؟ ممكن إذن فلم اختيرت هذه الأحرف لهذا؟ فالسؤال يبقى لا ينتهي لو كان بدل (ألر) (دنك) فيكون السؤال لم جاءت (دنك)؟ هو الغرض أن يؤتى ببعض الأحرف المقطعة ويشار إلى أن هذه الأحرف هو المادة الأولية للكلام. العرب فهموا أنه هذا يشير إلى تحديهم أنه كان تحدياً منصفاً بمعنى أنه أنا أريد منكم أن تكتبوا سورة والسورة مكونة من هذه الأحرف والأحرف عندكم.
هذه الأحرف المقطعة هي في حقيقتها خارج النظم المراد بالمعنى الذاتي لكل كلمة هي بذاتها ليس لها معنى، فارغة من المعنى. هو لم يشأ أن يأتي بكلمة تحمل معنى وإنما جاء بألفاظ لا تحمل معنى فيستوي في ذلك ألر، ألم، كهيعص، طسم وغيرها. ولكن هذه جاءت هنا وهذه جاءت هنا. ألفاظ فارغة من المعنى لكن لما انسبكت في داخل الآية دلّت على فائدة أن هذا القرآن مكون من هذه المادة، من هذه الألفاظ الفارغة الآن لكن صار لها معنى فصارت مبينة أنها أبانت على إعجاز القرآن الكريم أنه هذا الذي أعجزكم مادته المفرغة من المعنى هي (ألر، كهيعص) ركبوها بتركيب خاص وانظموها. القرآن جاءت فيه مركبة بتركيب خاص ومنظومة فجاءت آيات وأنتم تفعلون هذا فيأتي شعراً وخطباً. العلماء جمعوا الأحرف المقطعة وقالوا عندما نجمعها نجد أنها نصف الأحرف المجهورة ونصف الأحرف الشديدة ونصف المطبقة ونصف المنقوطة ونصف الخالية من النقط ونصف المنفتحة وهكذا لكن هم خاضوا في هذا للنظر فيه. وهذا لا يقطع الطريق على البحث فيها فيمكن أن يأتي أحد الآن أو فيما بعد ويلمس في كل ذكر لهذه الأحرف سراً يتعلق بالسورة نفسها، كما قالوا مثلاً في سورة ق يقولون ذكرت (ق) فيها لأن هذا الحرف نسبة تكراره في سورة ق بالقياس إلى نسبة تكراره في جميع السور الأخرى أعلى لكن أنا لا أطمئن لهذه الإحصاءات لأنه دخلت فيه أيدي غير دقيقة. يفترض أنه نأخذ كلمة ألف (الهمزة) كم تكررت في سورة البقرة مثلاً والقاف كم تكررت والباء كم تكرر ثم نسبة القاف إلى الهمزة كم هي ونسبتها إلى الباء وغيرها والهمزة إلى القاف ثم نحكم. (ألر تلك آيات الكتاب) هذه الأحرف المفرّغة من المعنى رُكبت تركيباً خاصاً فصارت آيات مبينة موضحة وهي موضع الإعجاز وموضع التحدي للعرب الفصحاء. هم يقيناً أدركوا هذا المعنى وإلا لكانوا سألوا عنه.
يبقى عندنا شيء (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) ذكرنا قبل قليل أن الكتاب هو القرآن والقرآن هو الكتاب لكن المرحلة التي في اللوح المحفوظ كان مكتوباً ونزل به جبريل منطوقاً فإذن هو كتاب وقرآن على لسان جبريل . الرسول قرأه على الناس أولاً فهو قرآن وكتبوه فهو كتاب (تلك آيات القرآن وكتاب مبين). إذن عندنا كتاب مرتان وقرآن مرتان لما نجمع بين الآيتين المرة الأولى كتاب قُريء هذا في الغيب وقرآن على لسان جبريل والثانية قرآن وكتاب قرأه الرسول وكُتِب فكان مكتوباً فقريء في الغيب ثم قُريء في اواقع. هذا الجمع بين الآيتين على ما بينهما من بُعد الترتيب في المصحف وفي ترتيب النزول حتى نقول أن هذا كان قرآناً كاملاً ثم نزل إلى السماء الدنيا وصار يتنزّل.
يبقى مسألة التعريف والتنكير ثم لماذا بدأ هنا بالكتاب وهنا بالقرآن؟
مسألة التعريف والتنكير المراد أن يعظّم هذا الكتاب. التعظيم عند العرب إما أن يكون بـ (أل) التي فيها معنى الجنس العام (جنس هذا الشيء له) وإما أن يكون بتنكيره وسياق يشير إلى تعظيمه. لما تأتي إلى التعريف لما يقول الخالق الباريء المصور، هذه الألف واللام هنا ليست لتعريف مجهول أنه لم يكن معروفاً وصار معروفاً وإنما لغرض التعظيم والتفخيم كأن الخالق إحتوى جنس الخلق جميعاً يعني جنس العمل، هذا الباريء هذا الوصف كأن هناك معنى الجنس يُراد به فيكون فيه شيء من التفخيم. لما يقول (القارعة) يعني شيء عظيم ثم يقول (ما القارعة) نوع من تفخيمها. فهو يراد تفخيم وتعظيم منزلة الكتاب ومنزلة القرآن. فلما قال الكتاب هنا عظّم منزلته ولما أراد القرآن عظّم منزلته.
الكلمة هنا في الآية الأولى عُرِّفت فقال (الكتاب) وفي الآية الثانية عُرِّفت كلمة القرآن ثم نُكّرت قرآن في آية وكتاب في آية. قلنا العرب إذا عرّفت تعرّف لأغراض كثيرة ومن جملة أغراض التعريف تفخيم الشيء وتعظيمه فكأنه يعظمه، فكأنه يعطيه معنى ذلك الجنس. عندما تقول الكريم كأن معنى الكرم بجملته اجتمع فيه) وهكذا الباقي كما قلنا مثلاً القارعة ثم يفخّمها أكثر فيقول ما القارعة ثم ما أدراك ما القارعة يشرحها ( إذا قال ما أدراك فيعني أنه سيشرحها وإذا قال ما يدريك يسكت عنها).
الكتاب مفخّم في هذه الآية والقرآن مفخم في الآية الأخرى. وهنا كلمة القرآن نكرة موصوفة والنكرة الموصوفة أيضاً تأتي للتفخيم بحسب السياق ويراد منها التعظيم. إذا وُصِفت النكرة يقال أنها مقيّدة، نكرة مخصصة وليست معرّفة إنما تكتسب تخصيصاً إذا وُصِفت لكنها ليست معرّفة تبقى نكرة إنما فيها تخصيص. عندما تقول: الذي فعل هذه الأمور العجيبة رجلٌ من بني فلان. هذا فيه تفخيم بحسب السياق كأنك تقول رجل عظيم، مهم فعل هذه الأمور العجيبة بحسب السياق. فإذن الكتاب والقرآن فخّما بالطريقتين : بالتعريف وبالنكرة الموصوفة.
الآن نأتي لم تقدّم الكتاب في آية سورة الحجر ولم تقدّم القرآن في آية سورة النمل؟
ننظر لماذا جاءت كلمة الكتاب مع (ألر) وكلمة القرآن مع (طس). هنا نحاول أن نستفيد من الدرس الصوتي وكما قلت طبّقت هذا على جميع الآيات التي فيها حروف مقطعة بحيث أستطيع أن أخرج بقاعدة حيثما وردت كلمة القرآن وحيثما وردت كلمة الكتاب:
(ألر) مؤلفة من أربعة مقاطع (مقطع قصير يتبعه مقطع طويل مغلق ثم مقطعان مديدان). لما نأتي إلى (طس) نجد أنها مكونة من مقطعين (مقطع طويل مفتوح ومقطع مديد). الأول (ألر) ينتهي بمديدين وفيه طويل مغلق فإذن هو أثقل من حيث الجانب الصوتي يعني يحتاج إلى جهد أكبر. أيهما يحتاج إلى مجهود أكثر: أن تنطق شيئاً أو أن تكتبه؟ الكتابة تحتاج المجهود الأكبر لأنها تحتاج إلى القلم وسابقاً الدواة والقرطاس والقصبة ويبدأ يخطّ الحرف خطّاً فهذا فيه جهد. الحروف المقطعة التي فيها جهد يأتي بعدها كلمة كتاب والحروف المقطعة التي هي أقل جهداً يأتي بعدها القرآن. لأن القراءة أسهل من الكتابة. وننظر في الآيات حيثما وردت في القرآن:
الأحرف المقطعة جاءت في 29 موضعاً في القرآن الكريم والذي توصلنا إليه ما يأتي:
القاعدة: أنه إذا كانت الحروف المقطعة أكثر من مقطعين فعند ذلك يأتي معها الكتاب لأن الكتابة ثقيلة. وإذا كانت الحروف المقطعة من مقطعين يأتي معها القرآن بإستثناء إذا كان المقطع الثاني مقطعاً ثقيلاً. مثلاً (حم) الحاء مقطع والميم مقطع ثقيل لأنه مديد (ميم، حركة طويلة، ميم: قاعدتان وقمة طويلة) وهو من مقاطع الوقف. فالميم ثقيل لأنه يبدأ بصوت وينتهي بالصوت نفسه وبينهما هذه الحركة الطويلة والعرب تستثقل ذلك ولذلك جعلوه في الوقف. ما الدليل على الإستثقال؟ لما نأتي إلى الفعل ردّ يردّ أصله ردد يردد لكن ردد فيه الدال وجاء إلى الفتحة ورجع إلى الدال مثل الميم (ميم، ياء، ميم) فالعربي حذف الفتحة وأدغم فقال ردّ. قد يقول قائل ما الدليل على أن ردّ أصله ردد؟ نقول له صِل ردّ بتاء المتكلم (رددت) تظهر. إذن فهم لا يميلون أن ينقل لسانه من حرف ثم يعود إليه بعد حركة هذا يستثقله. فكلمة ميم تبدأ بميم وتنتهي بميم، كلمة نون تبدأ بالحرف وتنتهي بنفس الحرف وبينهما حركة. هذا مقطع ثقيل والكتابة أثقل فلما يكون المقطع ثقيلاً يذكر كلمة الكتاب. في سورة (ن) قال (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)) لم يذكر الكتاب ولكنه ذكر آلة الكتابة (القلم) وعملية الكتابة (يسطرون).
بينما في سورة (ق) أيضاً مقطع مديد مثل نون لكن ما تكرر نفس الحرف وإنما بدأ بالقاف وانتهى بالفاء فقال بعدها (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1)).
في سورة (ص) قال (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1))، (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) ما قال الكتاب. (يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)) (طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) النمل) الحروف المقطعة هنا من مقطعين. كلمة القرآن وكلمة الكتاب إذا وردت بعد الحروف المقطعة فهذا ضابطها.