كتبهاأبو مسلم /عبد المجيد العرابلي ، في 7 تموز 2006 الساعة: 15:42 م
الفرق بين الروح والنفس
الفرق بين الروح والنفس
كنت مترددًا من إضافة باب في كتابي” أحبك أيها المسيح” بعنوان “تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك” قبل طبعة، وهو من قول عيسى عليه السلام، وكنت في زيارة أحد الأخوة فأخبرني أنه حدث في مسجد في منطقته بأن سأل أحد المستمعين لدرس أحد المشايخ في المسجد عن نفس الله، والله تعالى يقول : (كل نفس ذائقة الموت)، فهل نفس الله ستذوق الموت؟ فثار الشيخ على السائل، وقام تلاميذ الشيخ بضرب السائل ضربًا مبرحًا وإخراجه من المسجد، وكانت هذه إجابة الشيخ على السائل0
فأوجبت على نفسي أن أضيف للكتاب هذا الباب، وسرني أن أحد الأخوة أن قال لي: كان هذا سؤال في نفسي لا أعرف له إجابة 00 وأستحي أن أسأل عنه 00 فلما قرأته في كتابك ارتاحت له نفسي، وزال عنها هذا التساؤل0
وإني أعزم على كل أخ وأخت ممن يقدر له قراءة هذا الموضوع، أن يقرأه بتمعن واهتمام، وألا يبخل علينا برأيه فيما قرأ، فإن التناصح بين الأخوة واجب00 وأعتذر إن كان في الموضوع بعض الطول الذي لم يكن من بد 00 حتى يتضح الأمر ويذهب عنه لبس بعض الناس فيه0
بسم الله الرحمن الرحيم
عيسى ابن مريم عليه السلام روح من الله
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ 00(171) النساء0
الرُّوح من مادة “رَوَحَ” وهي لما يرى أثره في غيره ولا تبصر ذاته0
فمنها الريح التي لا تُبصر، ويرى أثرها في هز الأغصان، وسفي التراب والرمال، وتحريك أشرعة السفن والأغصان، وإثارة الأمواج، وسوق السحاب وغير ذلك0
ومنها الرائحة التي يحس بها عن طريق حاسة الشم من غير إبصار لها0
ومنها الرُّوح التي يرى أثرها في الأجساد، فتتحرك، وتتنفس، وتتغذى، وتنمو وتكبر، وكل ما يدل على الحياة في جسد الحي من الناس، والحيوانات، وهي لا تبصر0
قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الإسراء0
وقد سمي جبريل عليه السلام بالروح لأنه ينـزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم فيرى أثره عليه، ويُعلم ما جاء به، لكن لا يبصره الرسول صلى الله عليه وسلم في معظم الأحوال، ولا الحاضرون حوله0
قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر0
وسمي جبريل عليه السلام بالرُّوح الأمين؛ لأنه الأمين عند الله على نقل الوحي، وهو الذي سماه ووصفه بذلك0
قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) الشعراء0
وسمي جبريل بروح القدس عندما نزل تأييدًا لعيسى عليه السلام حتى يستطيع تكليم بني إسرائيل وهو في المهد، وذلك لتطهيره مما يرمى به مع أمه، لجهل بني إسرائيل بحقيقة ما حدث لمريم وخلق عيسى عليه السلام،
قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً 00 (110) المائدة0
ولتطهير المؤمنين بما يأتي به من الوحي على الرسول عليه السلام، وبيان أحكام الله في كل شيء0 ومادة قدس هي للطهارة؛ فالقَدَس هو الوعاء الذي يوضع فيه ماء الوضوء للطهارة به، والقُدْس المدينة المعروفة التي لا يستنقع ماء المطر في أرضها، ويذهب عنها شرقًا وغربًا، وأرض فلسطين أرض مقدسة لا تستنقع في أرضها نجاسة، لأنها جيدة التصريف للمياه لكثرة شعابها ووديانها، وانحدار جوانبها، والمكان الوحيد الذي يستنقع فيه ماء المطر بحيرة مالحة عديمة الأسماك والكائنات الحية0
قال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل0
وسمى الله عز وجل الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالروح كذلك، لما له من أثر خفي وعجيب على نفوس المؤمنين الذين آمنوا به، وإنما هو كلمات من أصوات لا تتجسد للعين المبصرة0
قال تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2﴾ النحل0
وأما قول يعقوب عليه السلام لبنيه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87﴾ يوسف، من روح الله أي من تدبير الله الخفي في إعانتكم على إيجاد يوسف عليه السلام، وأخيه، فتُحِسُّوا بهذا التدبير دون رؤية من وراءه0
وسمَّى الله سبحانه وتعالى عيسى عليه السلام “روحًا منه” لأن أمر خلقه كان خفيًا على الناس عامة، وعلى بني إسرائيل خاصة، ولن يجعل الله عز وجل لأحد عذرًا في جهله بعد بيان حقيقته0
قال تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ((171 النساء0
وكل البشر هم روح من الله، فإن الحياة لا توهب لهم إلا من الله، ومن للتبعيض، وعيسى عليه السلام هو بعض من روح الله التي تسكن أجساد البشر، ونسبته إلى هاء الضمير العائد إلى الله هو كنسبة الرسول إلى الله بقوله رسلنا ورسولنا0
وكقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52﴾ الشورى0
وكقوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72﴾ الحجر، فالنفخ من روح الله في جسد آدم كالنفخ من روح الله في نطفة مريم، وذكر ذلك عن عيسى عليه السلام في بيان حقيقته أنه خلق كسائر البشر فكان واحدًا منهم0
والروح تدرك ولا تحس بإحدى الحواس، وإنما الذي يحس هو أثرها في الأجساد، فيستدل به على وجودها، لذلك لا نستطيع أن نحكم أنها من مادة؛ قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85﴾ الإسراء0
يتبع
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك