معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


    سر عمر عيسى 000 الفرق بين الروح والنفس

    avatar
    انتصار
    الادارة العامة


    سر عمر عيسى 000 الفرق بين الروح والنفس Empty سر عمر عيسى 000 الفرق بين الروح والنفس

    مُساهمة من طرف انتصار الثلاثاء 07 يوليو 2009, 6:29 pm

    كتبهاأبو مسلم /عبد المجيد العرابلي ، في 7 تموز 2006 الساعة: 15:42 م

    الفرق بين الروح والنفس


    كنت مترددًا من إضافة باب في كتابي” أحبك أيها المسيح” بعنوان “تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك” قبل طبعة، وهو من قول عيسى عليه السلام، وكنت في زيارة أحد الأخوة فأخبرني أنه حدث في مسجد في منطقته بأن سأل أحد المستمعين لدرس أحد المشايخ في المسجد عن نفس الله، والله تعالى يقول : (كل نفس ذائقة الموت)، فهل نفس الله ستذوق الموت؟ فثار الشيخ على السائل، وقام تلاميذ الشيخ بضرب السائل ضربًا مبرحًا وإخراجه من المسجد، وكانت هذه إجابة الشيخ على السائل0

    فأوجبت على نفسي أن أضيف للكتاب هذا الباب، وسرني أن أحد الأخوة أن قال لي: كان هذا سؤال في نفسي لا أعرف له إجابة 00 وأستحي أن أسأل عنه 00 فلما قرأته في كتابك ارتاحت له نفسي، وزال عنها هذا التساؤل0

    وإني أعزم على كل أخ وأخت ممن يقدر له قراءة هذا الموضوع، أن يقرأه بتمعن واهتمام، وألا يبخل علينا برأيه فيما قرأ، فإن التناصح بين الأخوة واجب00 وأعتذر إن كان في الموضوع بعض الطول الذي لم يكن من بد 00 حتى يتضح الأمر ويذهب عنه لبس بعض الناس فيه0

    بسم الله الرحمن الرحيم

    عيسى ابن مريم عليه السلام روح من الله



    قال تعالى: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ 00(171) النساء0
    الرُّوح من مادة “رَوَحَ” وهي لما يرى أثره في غيره ولا تبصر ذاته0
    فمنها الريح التي لا تُبصر، ويرى أثرها في هز الأغصان، وسفي التراب والرمال، وتحريك أشرعة السفن والأغصان، وإثارة الأمواج، وسوق السحاب وغير ذلك0

    ومنها الرائحة التي يحس بها عن طريق حاسة الشم من غير إبصار لها0
    ومنها الرُّوح التي يرى أثرها في الأجساد، فتتحرك، وتتنفس، وتتغذى، وتنمو وتكبر، وكل ما يدل على الحياة في جسد الحي من الناس، والحيوانات، وهي لا تبصر0

    قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الإسراء0
    وقد سمي جبريل عليه السلام بالروح لأنه ينـزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم فيرى أثره عليه، ويُعلم ما جاء به، لكن لا يبصره الرسول صلى الله عليه وسلم في معظم الأحوال، ولا الحاضرون حوله0

    قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر0
    وسمي جبريل عليه السلام بالرُّوح الأمين؛ لأنه الأمين عند الله على نقل الوحي، وهو الذي سماه ووصفه بذلك0
    قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) الشعراء0
    وسمي جبريل بروح القدس عندما نزل تأييدًا لعيسى عليه السلام حتى يستطيع تكليم بني إسرائيل وهو في المهد، وذلك لتطهيره مما يرمى به مع أمه، لجهل بني إسرائيل بحقيقة ما حدث لمريم وخلق عيسى عليه السلام،

    قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً 00 (110) المائدة0

    ولتطهير المؤمنين بما يأتي به من الوحي على الرسول عليه السلام، وبيان أحكام الله في كل شيء0 ومادة قدس هي للطهارة؛ فالقَدَس هو الوعاء الذي يوضع فيه ماء الوضوء للطهارة به، والقُدْس المدينة المعروفة التي لا يستنقع ماء المطر في أرضها، ويذهب عنها شرقًا وغربًا، وأرض فلسطين أرض مقدسة لا تستنقع في أرضها نجاسة، لأنها جيدة التصريف للمياه لكثرة شعابها ووديانها، وانحدار جوانبها، والمكان الوحيد الذي يستنقع فيه ماء المطر بحيرة مالحة عديمة الأسماك والكائنات الحية0

    قال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل0
    وسمى الله عز وجل الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالروح كذلك، لما له من أثر خفي وعجيب على نفوس المؤمنين الذين آمنوا به، وإنما هو كلمات من أصوات لا تتجسد للعين المبصرة0

    قال تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2 النحل0
    وأما قول يعقوب عليه السلام لبنيه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87 يوسف، من روح الله أي من تدبير الله الخفي في إعانتكم على إيجاد يوسف عليه السلام، وأخيه، فتُحِسُّوا بهذا التدبير دون رؤية من وراءه0

    وسمَّى الله سبحانه وتعالى عيسى عليه السلام “روحًا منه” لأن أمر خلقه كان خفيًا على الناس عامة، وعلى بني إسرائيل خاصة، ولن يجعل الله عز وجل لأحد عذرًا في جهله بعد بيان حقيقته0

    قال تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ((171 النساء0

    وكل البشر هم روح من الله، فإن الحياة لا توهب لهم إلا من الله، ومن للتبعيض، وعيسى عليه السلام هو بعض من روح الله التي تسكن أجساد البشر، ونسبته إلى هاء الضمير العائد إلى الله هو كنسبة الرسول إلى الله بقوله رسلنا ورسولنا0
    وكقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52 الشورى0

    وكقوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72 الحجر، فالنفخ من روح الله في جسد آدم كالنفخ من روح الله في نطفة مريم، وذكر ذلك عن عيسى عليه السلام في بيان حقيقته أنه خلق كسائر البشر فكان واحدًا منهم0
    والروح تدرك ولا تحس بإحدى الحواس، وإنما الذي يحس هو أثرها في الأجساد، فيستدل به على وجودها، لذلك لا نستطيع أن نحكم أنها من مادة؛ قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85 الإسراء0
    يتبع


    تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك
    avatar
    انتصار
    الادارة العامة


    سر عمر عيسى 000 الفرق بين الروح والنفس Empty رد: سر عمر عيسى 000 الفرق بين الروح والنفس

    مُساهمة من طرف انتصار الثلاثاء 07 يوليو 2009, 6:30 pm


    النفس هي الروح بما يكون لديها وتتمسك به، فبعد نفخ الروح في الجسد تتمسك بالجسد وتتعلق به، وتعمل على حفظه وبقائه، ومن ثم تتمسك وتحفظ كل ما يأتيها من معلومات عن العالم الخارجي عن طريق الحواس، وتصبح خصائص الجسد وما تحتفظ به ما يميز النفس عن غيرها من الأنفس وهي حقيقة الشيء ومعدنه0

    والدلالة على النفس يظهر بما تسمح له بالخروج من تطلعات ورغبات، فهي لا تظهر ما في داخلها إلا عن إرادة ورغبة منها، ففي داخلها مستودع سرها0

    والمرأة النُفساء هي التي ولدت مولودها، وقيل أيضًا للحائض، كأنها أظهرت وكشفت بما خرج منها أنه ليس في رحمها جنين تخفيه، وسمي الدم الجاري في العروق بالنَفْس لأن في خروجه من الجسد خروج للنفس أيضًا000 فبقاء النفس في الجسد مرهون ببقاء الدم فيه0

    وكل ما ترغب به النفس وتتعلق به وتحب أن يكون لها فهو نفيس، ومن ذلك المعادن النفيسة والمجوهرات، وفعل التنافس يكون في المباراة مع الغير لنيل شيء مرغوب فيه للفوز به0

    وقتل النفس هو حرمانها من حياة الجسد، والقتل إما يكون من الغير، وإما أن يكون من ذات النفس؛ ويكون بفعل شيء في الجسد لا يمكن وقفه أو تراجعه تنتهي به حياة الجسد، بشكل بطيء أو سريع0 فالقتل هو قطع العلاقة بين الروح والجسد الذي تتمسك به، وقتلها هو حرمانها من الحياة الدنيا ونعيمها00 ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) المدثر، فتقديره الفاسد كتب عليه الحرمان الأبدي في الآخرة من متع الحياة0

    والتضحية بالنفس أو الجهاد بالنفس أو بيع النفس لله هو التضحية بالجسد، وهو أعظم الأشياء التي تتعلق به النفس، وأهمها ويبقيها فاعلة في الحياة الدنيا0

    والنَفَس هو الهواء الذي يخرج من الرئتين عبر الأنف والفم، وتعلق النَفْس به كبير لأن به حياتها ولا تتخلى عنه إلا بعملية التنفس، وتاء التنفس تفيد قلب الأمر على خلافه، فبدلاً من التمسك به تخرجه، ولكن لاستبداله بغيره0

    وقوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) التكوير، والصبح هو فترة التغير الشديد بالانتقال والتحول من ظلمة الليل إلى نور النهار، وتنفسه هو إخراج ما كان يستره وإظهاره للعيان، وهي آية من سورة تحدثت عن صور كثيرة عن كشف المستور، وستر المكشوف000 فارجع إلى آيات سورة التكوير وتدبرها جيدًا، سيتضح لك المعنى الذي أشرنا إليه0

    ولما كانت النفس أفادت تعلق الروح بالجسد فإن التغييرات التي تحدث للجسد مؤثرة على النفس فبعد البلوغ تتطلع النفس ليكون منها ذرية لها ورغبة جامحة فيها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء، فقدم الذرية على الزوج لأن الرغبة في الذرية هي الدافعة للبحث عن الزوج، والارتباط به، وأشار في زوجها إلى النفس بهاء الضمير إلى إرادة الذات دون الصفات، لأن خلق حواء زوج آدم ابتداء لم يكن عن رغبة متولدة في نفس آدم عليه السلام0

    وقد سميت ذات الإنسان وحقيقته بالروح، لأنها مستورة، لكن هناك ما يدل عليها من حياة الجسد وحركته ونموه، ولا تسمى ذات الله بالروح لأنه سبحانه وتعالى لا تجسيد له تعرف من خلاله الروح، ولو كان له جسد يظهر لحكم عليه بأنه ليس بإله ولاعتراه ما يعتري الأشياء المادية التي ذكرناها للتمييز بين من هو إله، ومن هو ليس بإله، والأرواح كلها من أمر الله فهي من الله، وتجعل في أجساد الناس، ولا يعلم سرها إلا الله، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85 الإسراء0

    لكن لما سميت النفس باسمها لتعلقها بالأشياء، واحتفاظها بما عندها، ولما كان كل ما في الكون مرجعه إلى الله، وليس له قيام إلا بوجود الله عز وجل وفعله، فإن الله أثبت أن له نفسًا للدلالة على ما عنده، وما يخفي من علم أو غضب أو ما يحب أن يكون ويريده؛ قال تعالى في التحذير من غضب الله وسخطه:
    وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (28)000 وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30 آل عمران0 [/size]
    وقال تعالى فيما أوجب على نفسه من الرحمة وهي كما بيناه امتداد وتواصل للناس وبعد البعث هو الأكثر والأطول مدة، فلولا أن الله تعالى أمسك عنده واحتفظ بما يعيد الناس، وما كان لهم من أعمال، لما كان هناك بعث وحساب، ولا نعيم وعذاب، قال تعالى: (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (12﴾، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (54 الأنعام، وقوله تعالى في إعداد موسى عليه السلام لتكليم الله عز وجل وإخراج ما في نفسه من كلام يظهره لموسى عليه السلام: (وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) طه0

    وقال تعالى: في جواب عيسى عليه السلام لله مبينًا ما يحتفظ به الله من الغيب ولا يستطيع أحد الاطلاع عليه: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117 المائدة0

    ودلالة ذكر هذه القصة من مواقف يوم القيامة على مسمع ممن ألَّه عيسى عليه السلام وأمه ليبين الله تعالى أن نفس عيسى عليه السلام غير نفس الله جل جلاله، وأن ما في نفس عيسى عليه السلام مطلع عليه الله سبحانه وتعالى ويعلمه، وما في نفس الله لا اطلاع لأحد عليه، ولا لعيسى عليه السلام، ثم يبين تعالى أن مسألة تقرير العذاب أو الغفران عائدة لله وحده، (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة، وهذا منتهى الصدق إذ بين عيسى عليه السلام أن الأمور كلها بيد الله، وهو يتصرف بعباده كما يشاء، ومن ادعى غير ذلك فهو أكذب الكاذبين، فقال تعالى معقبًا على شهادة عيسى عليه السلام: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) المائدة0

    بينت هذه الآيات أن لله نفسًا، وبين تعالى في موضع آخر أن كل نفس ذائقة الموت، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) آل عمران، فتساءل بعض الناس عن كيفية التوفيق بين موت كل نفس، ووصف الله تعالى بأن له نفسًا، وأن الله حي لا يموت0
    ذكر تعالى بأن كل نفس ذائقة الموت، وفي ذلك نهاية عملها في الحياة الدنيا، حتى تحاسب على عمل محدد لا يزيد بعد ذلك ولا ينقص، فتوفى كل نفس أجرها،

    فإذا ماتت كل نفس ذكرت في القرآن دون استثناء فمن يبعث النفوس يوم القيامة؟
    ومن يوفيها أجورها التي ذكرت في نفس الآية؟!0
    وأن الذي يذيق الأنفس الموت هو غير ذائقها، فبقاؤه غير مرتبط ببقاء النفوس التي تذوق الموت، فمن يوقع الفعل هو غير من يقع عليه الفعل0

    وذوق الموت هو ما يصيب النفس جراء مفارقتها للجسد،
    والله عز وجل لا يجسد، ولا يوصف بأن له جسدًا، حتى يجعل الجاهل نفس الله مع الأنفس التي في هذه الآية0
    وكلمة “كل” من مادة “كلل” وهي للاستنفاد، الذي لم يبق معه بقية 00 فمن يستنفد أكثر طاقته في عمل يكل ويمل، فيتحول عنه، دون رغبة في العمل بالأعمال الأخرى، والكلالة هو الميت الذي لا والد له ولا ولد، ومثله اليتيم، مقطوع الطرفين؛ من الأصل والفرع، سواء أكان له إخوة أم لم يكن، والإكليل: العصابة المرصعة بالجواهر، فجواهرها مقطعة بعضها عن بعض، خلاف التاج الذي هو قطعة واحدة، وقد يوصف التاج كذلك لأنه يرصع بجواهر مقطعة بعضها عن بعض، أما إذا كان الإكليل من النَور والزهر؛ فلأن الزهر مقطوع عن أصله، ولا ينمو كالفرع أو البرعم المقطوع، ليزرع ويصبح نباتًا جديدًا، وكذلك لا يمتد بقاؤه امتداد التاج المكون من معدن؛ كالذهب، والفضة، وغير ذلك من الجواهر، والمعادن، فما أسرع من أن يذبل ويفسد0

    ويوضح “كل” ويبينها ما جاء في قصة سؤال إبراهيم عليه السلام الله تعالى؛ أن يريه كيف يحيى الموتى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة، فقوله تعالى “على كل جبل”، لا يعني جميع جبال الأرض، لكنها تفيد حتى يستنفد إبراهيم عليه السلام أجزاء الطيور على الجبال، فمتى استنفد أجزاء الطيور الأربع ينتهي تفريقها على الجبال، ويبقى هنالك جبال لم توضع عليها أجزاء من الطير،
    وكقوله تعالى: ﴿ فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30 الحجر، فقوله كلهم يحتمل أن بعضهم لم يسجد فأكد بأجمعون حتى لا يكون هناك استثناء0

    فالله تعالى يذيق كل نفس الموت حتى لا تبقى هناك نفس مكتوب عليها الموت، ومقدر لها أن تموت، وليس جميع الأنفس، وفهم إرادة الجميع بلفظ “كل” لا يفهم إلا من واقع ما تتحدث عنه الآية0 فنفس الله هي ذاته، ولا تحكم لأحد عليها، وإلا لما صح وصفه بالإله، وهي غير النفس البشرية، ولا تشابه ولا مقارنة بينهما، ولا يجوز إدخالها مع ما تشمله الآية المذكورة، وذوق الموت هو ألم مفارقة الجسد، لمن كان له جسد، وتعالى الله عز وجل أن يكون له جسد00 هذا والله تعالى أعلم0000


    أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي

    المصدر

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء 27 نوفمبر 2024, 3:33 am