( الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم )
فلقد نهى الله المسلمين أولا عن رفع أصواتهم على صوت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ثم نهو ثانيا أن يكلموه كما يكلم بعضهم بعضا ثم أمروا بعد ذلك
ثالثا بغض أصواتهم عنده بحيث يكون صوته عاليا على أصواتهم إذ يقول سبحانه
( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) وقال سبحانه ( إن الذين
يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم
مغفرة وأجر عظيم ) حيث أثنى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ، وحتى
قال العلماء : إنه يكره رفع الصوت عند قبره عليه السلام كما كان يكره في
حياته لأنه يحترم حيا وفي قبره عليه السلام ) ثم يبين تعالى اللوم الذي
لحق الذين نادوه من وراء الحجرات بغير أدب وبصوت عال ، وسلى رسوله بأنهم
معذورون لأن أكثرهم لا يعقلون ، وبين أنهم لو انتظروا لحين خروجه إليهم
لكان ذلك خيراً لهم مما فعلوه ومع هذا فالله غفور رحيم لمن تاب وأناب منهم
ولم يعد لمثل ما حدث مرة أخرى ومن الأدب الذي أدب الله به المسلمين مع
رسولهم صلى الله عليه وسلم أنه حينما كان الواحد منهم يريد مناجاته أن
يقدم بين يدي نجواه صدقة فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم
الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن
الله غفور رحيم ) المجادلة (12) .
ثم خفف عنهم
بعد ذلك بالتوبة عليهم ونما عليهم إن عجزوا عن ذلك أن يقيموا الصلاة
ويؤتوا الزكاة وأن يطيعوا الله ورسوله لأن الله خبير بما يعملون يقول
تعالى : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب
الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير
بما تعملون ) المجادلة (13) .
ومن الأدب مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم عدم مخالفته في أي أمر حتى لا يهلكوا بذلك لأن في
مخالفته الفتنة والعذاب الأليم يقول سبحانه : ( فليحذر الذين يخالفون عن
أمره تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) النور (63) .
كما أدب الله المسلمين بالتأسي به والاقتداء به في كل أمورهم فقال سبحانه
: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر
وذكر الله كثيرا ) الأحزاب (21) .
والأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بالامتثال والانقياد لحكمه ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) المائدة (49) .
( أنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) النساء
105 ولهذا فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا
لما جئت به ) ومن هنا كان من الأدب مع القاضي والحاكم والقائد والرضا
والتسليم بما يفرضه الشرع والعقل والدين ما دام الحكم مطابقا لما أمر الله
تعالى به ، كما أدب الله المسلمين مع رسولهم حيث لا يكتمل إيمانهم إلا إذا
كان رسول الله أحب إليهم من نفوسهم التي بين جنوبهم حتى قال صلى الله عليه
وسلم والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه )
فقال عمر والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين
جنبي فقال له صلى الله عليه وسلم : لم يكتمل إيمانك يا عمر : فقال له عمر
: والله لأنت الآن أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي التي بين جنبي ، فقال
صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر أي الآن كمل إيمانك ) .
ولقد أدب الله المسلمين بأن أمرهم بالصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم
حين يذكر اسمه حيت أن الله وملائكته يصلون عليه إذ يقول ( إن الله
وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
الاحزاب آية (56)
ولقد أدب الله المسلمين مع نبيهم حيث
جعل حبهم لله وحب الله لهم موقوفان على اتباعهم لرسوله صلى الله عليه وسلم
( إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) آل عمران
آية (31) .
وأدبهم الله بأمره إياهم باتباع سنته
والتزامها وعدم مفارقتها فمن فارق سنته فليس في عداد المسلمين ( فمن رغب
عن سنتي فليس مني ) إن من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحياء
سنته وتنفيذ وصاياه والعمل بما قاله وفعله وأمر به وتطبيق شريعته والتزام
ما أمر به والانتهاء عن ما نهى وتصديقه في كل ما جاء به حيث إنه مبلغ عن
الله وحيث صدقه الله بالمعجزات وخوارق العادات ، فمن بدل من بعده فلا نجاة
له في الدنيا ولا في الآخرة وفي الحديث ( ألا ليذادن أقوام يوم القيامة عن
حوضي كما يذاد البعير الضال فأناديهم ألا هلم فيقال لا يا محمد إنهم بدلوا
بعدك فأقول سحقاً ) وفي الحديث ( ألا إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن
تضلوا بعدي أبدا أمرا بينا كتاب الله وسنتي ) لقد أدب الله المسلمين مع
رسولهم بألا يدخلوا بيته إلا أن يؤذن لهم إلى طعام وأن عليهم إذ أطعموا أن
ينتشروا ولا يجلسوا مستأنسين الحديث لأن ذلك يؤذي رسولهم وهو يستحيي منهم
، وأن عليهم مراعاة شعوره ، كما أدبهم بأن يكون حديثهم مع نسائه من وراء
حجاب ففي ذلك طهارة لقلوبهم وقلوبهم كما اعتبر نساءه أمهات للمؤمنين فلا
يجوز الزواج منهن ، كما كان من أدب المؤمنين الذين أدركوه أن يجيبوه حين
يناديهم ولو كانوا في صلاتهم عملا بقوله تعالى ( يأيها الذين أمنوا
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم ) الأنفال (24) ولا عجب في ذلك
فقد أحيا الله به النفوس بعد موات و اخرجهم من الظلمات إلى النور وهداهم
الله به صراط الله العزيز الحميد فصلوات ربي وسلامه على رسول الله صلى
الله عليه وسلم والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
saaid.net
فإنّ حقوق المصطفى صلى الله عليه
وسلم أجل ّ وأكرم وأعظم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على
مماليكهم ،والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في
الآخرة ،وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا
في العاجلة ،فهدانا به لأمر إذ أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم ،فأية
نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه المنن.
ثم إنه جلّ ثناؤه ألزمنا طاعته
وتوعدنا على معصيته بالنار ،ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه
الرتبة ،وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة .
فحق علينا إذاً أن حبه ونجلّه ونعظمه ونهابه ،فبهذا نكون من المفلحين { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[لأعراف: من الآية157
واعلم أن حرمة النبي صلى الله
عليه وسلم بعد موته ،وتوقيره وتعظيمه ،لازم كما كان حال حياته ؛وذلك عند
ذكره صلى الله عليه وسلم ،وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ،وتعظيم أهل
بيته وصحابته .
قال أبو إبراهيم التجيبي :"واجب على كل مؤمن
متى ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ،ويتوقر ويسكن
من حركته ،ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ؛
ويتأدب بما أدبنا الله به " ( "الشفا " للقاضي عياض (2/588)
قال ابن تيمية: " ومن حقه أنه
أخبر أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن حقه أن يحب أن يؤثره العطشان
بالماء ، والجائع بالطعام ،وأنه يحب أن يوقى بالأنفس والأموال ،كما قال
سبحانه وتعالى :{ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ
الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا
بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ }[التوبة: من الآية120] فعلم أن رغبة
الإنسان بنفسه أن يصيبه ما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشقة
معه حرام ("الصارم المسلول"(ص421).
وقال ابن قيم الجوزية :"فرأس
الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم :كمال التسليم له والانقياد لأمره
،وتلقي خبره بالقبول والتصديق ،دون أن يحمله معارضة بخيال باطل ،يسميه
معقولاً ،أو يُحّمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال ،وزبالات
أذهانهم ،فيوحد بالتحكيم والتسليم ،والانقياد والإذعان ،كما وحّد المرسِل
سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل "
وقال أيضاً : "ومن الأدب معه ـ
صلى الله عليه وسلم ـ :أن لايستشكل قوله ، بل تستشكل الآراء لقوله ،
ولايعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ،ولايوقف قبول ما جاء
وإذا تقرر وجوب القيام بحقه صلى
الله عليه وسلم ،وطاعته ومحبته والتسليم والانقياد له ،ووجوب توقيره
وتعظيمه ،والحذر من سوء الأدب معه ،فإنه يتعين في نفس الوقت عدم الغلو فيه
،ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إيّاها ،فلايشرك مع الله تعالى في أيّ
نوع من أنواع العبادة ..ولايستغاث به ،ولايجعل قبره وثناً يعبد من دون
الله .. فهو صلوات ربي وسلامه عليه عبد الله ورسوله ، والحق وسط بين
الغالي والجافي
وإن من أهم مايجب علينا تجاه
حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً
،ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين ، والله الموفق
والمعين .
كتبه/ خالد بن قاسم الردادي
المدرس بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية
(باختصار )
الله عليه وسلم ،وطاعته ومحبته والتسليم والانقياد له ،ووجوب توقيره
وتعظيمه ،والحذر من سوء الأدب معه ،فإنه يتعين في نفس الوقت عدم الغلو فيه
،ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إيّاها ،فلايشرك مع الله تعالى في أيّ
نوع من أنواع العبادة ..ولايستغاث به ،ولايجعل قبره وثناً يعبد من دون
الله .. فهو صلوات ربي وسلامه عليه عبد الله ورسوله ، والحق وسط بين
الغالي والجافي
وإن من أهم مايجب علينا تجاه
حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً
،ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين ، والله الموفق
والمعين .
كتبه/ خالد بن قاسم الردادي
المدرس بالجامعة الإسلامية
بالمدينة النبوية
(باختصار )