الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد.. يقال في أمثال العرب: ((حبك الشيء يعمي ويصم)) والمعنى أن الإنسان إذا أحب شيئاً وأفرط في حبه غفل عن عيوبه ومضاره، فلم ير به عيباً، ولم يجد فيه حرجاً أو بأساً، وإن كان فيه كل العيب وكل البأس والحرج، كــــما قيل: أحــب لحبهــا الســـــودان حتـى *** أحــــب لحبهــــا ســود الكـــلاب وحديث الساعة اليوم بين الشباب والفتيات هو الإنترنت والغرام به، والولع بارتياد مواقعه، والإبحار في جنباته، والجلوس في صحبته الساعات الطوال دون كلل أو ملل.
• إننا لا نتكلم عن الفئات الراشدة التي تستخدم الإنترنت في مصالحها الشخصية المباحة، أو في مصالح أمتها، أو في مجالات الخير المتعددة، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الإسلام والرد على أعدائه، ونشر العلم النافع والأخلاق الحسنة، فهؤلاء استفادوا من تلك الشبكة العنكبوتية ووظفوها فيما ينبغي من المصالح والأمور النافعة.
• إننا نتكلم عن ملايين الشباب والمراهقين، الذين فتنوا بالإنترنت وولعوا بها ولعاً شديداً، حتى صرفتهم عن معالي الأمور، ووجهتهم إلى الفساد والشرور المتنوعة.
ما الذي يستفيده هؤلاء من الإنترنت؟ هل يستفيدون منها في الدعوة إلى الله؟
هل يستفيدون منها في معرفة مخططات أعداء الإسلام ومؤامراتهم الدنيئة لضرب الإسلام والمسلمين؟ هل يستفيدون منها في معرفة العلوم الشرعية النافعة عن طريق المواقع الإسلامية؟
هل يستفيدون منها في معرفة العلوم الكونية والتكنولوجية والأخذ بأسباب التقدم والرقي؟
هل يستفيدون منها في البحوث الجامعية المعتمدة على الإحصائيات والدراسات المتخصصة ؟
هل يستفيدون منها في إعادة أمجاد الأمة ونشر ما ضيها التليد، والرد على الشبهات التي تثار حول الإسلام؟
• إن مجالات الاستفادة من الإنترنت كثيرة، غير أن معظم الشباب لا يهتمون بتلك القضايا، ولا تعنيهم تلك الأمور.
• إنهم يستخدمون الإنترنت في مشاهدة الصور العارية، والمشاهد الفاضحة، والبحث عن المواقع الإباحية، التي تجعل الشاب أسيراً لغريزته البهيمية، ضعيفاً أمام شهوته الحيوانية، فتحرمه من أي عمل نافع مثمر، وتحصره في دائرة ضيقة، هي دائرة الغرائز والشهوات، حتى تقضي عليه كلياً.
• وقد يستخدم هؤلاء الإنترنت في إقامة العلاقات المشبوهة عبر مواقع المحادثة أو ما يسمى بغرف الدردشة.
وهكذا تضيع الأوقات النفيسة التي كان يمكن استغلالها في طلب المعالي، بين مشاهدة صورة عارية، أو إقامة علاقة قذرة بين شاب وفتاة ضائعين!!
إن للصور الخليعة ـ كما يقول الدكتور سليمان الخضري ـ مخاطر نفسية وصحية على المراهيقين والشباب، لأن تلك الصور تنطبع في ذهن المراهق وذاكرته حتى يألفها، وتصبح لديه شيئاً عادياً.
والخطورة تظهر عندما يتذكر هذا المراهق تلك الصور والمشاهد التي طالعها عبر الإنترنت، ويريد أن يشبع رغبته الجنسية بأي صورة، فلا يجد أمامه إلا سبيل الانحرف، فيسقط عن طريق الممارسة الخاطئة، أو ممارسة العادة السرية، التي يؤدي إدمانها إلى تدميره صحيًّا ونفسيًّا. وقد يصاب عن طريق الممارسات الخاطئة بالأمراض الجنسية الخطيرة.
إن الإحصائيات والتحليلات تؤكد ما يلي:
1 ـ أن 80% من مرتادي مقاهي الإنترنت لم يتزوجوا بعد.
2 ـ أن 70% من هؤلاء يأتون للتسلية المحرمة والاتصال بالمواقع الإباحية
3 ـ أن 55% من رواد مقاهي الإنترنت لا يعلم أهلوهم عنهم شيئاً.
4 ـ أن كثيراً من هؤلاء يتبادلون عناوين المواقع الإباحية حتى في مدارسهم، وهذا يشكل خطراً كبيراً على العملية التعلمية.
5 ـ أن أغلب مدمني الإنترنت من الشباب قد أثر ذلك في مستواهم الدراسي، فرجعوا القهقري بعد أن كان بعضهم من المتقدمين دراسياً.
6 ـ أن إدمان الإنترنت يؤدي إلى حدوث صراع نفسي داخلي بين ما ترسخ في وجدان المدمن من قيم تربى عليها، وبين هذه القيم الجديدة التي يتلقاها عبر الإنترنت.
7 ـ كما يعمل إدمان الإنترنت على تفكيك الروابط الأسرية، ودفع العديد من الأفراد إلى الاستغناء عن الطريق الطبيعي لتكوين الأسرة من خلال الزواج والإنجاب اكتفاء بما يشاهد وما يمكن أن يمارس من محرمات تعوضه ـ فيما يرى ـ عن الزواج الذي يتطلب منه مبالغ كبيرة.
8 ـ أن رخص أسعار أجهزة الكمبيوتر والاشتراك في شبكة الإنترنت أدى إلى جذب عدد كبير من الشباب وانضمامهم إلى عالم الإنترنت.
9 ـ هناك 400 ألف موقع لبث الدعارة والجنس من خلال تلك الشبكة.
10ـ كذلك فإن ضعف الرقابة على الإنترنت أدى إلى وقوع كثير من أبنا الأسر المحافظة في براثنها.
• فيا أخي الحبيب!
• أيليق بالمسلم أن يأخذ من كل شيء أسوأ ما فيه؟
• أيليق بالشاب الفطن الذي يتعين عليه خدمة نفسه ودينه وأمته أن يكتفي من هذه التقنية الرهيبة بصورة عارية ومشهد فاضح يثير به غريزته، بينما يستغل غيره من الشباب غير المسلمين تلك الشبكة في البحوث العلمية والعلوم الكونية والاكتشفات الحديثة للوصول إلى مركز الصدارة والريادة لهذا الكوكب؟
• ما بالك أيها الشاب قد نسيت الهدف الذي أوجدك الله لأجله في هذه الحياة، وسرت وراء أوهام وخيالات لا حقيقة لها ولا فائدة من روائها؟
• أيليق بالشاب المسلم أن يستخدم نعم الله عز وجل في معصيته ومحاربته؟
• أين أنت من قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثـية:29] .
• ألا تستحي من ربك وخالقك وهو أقرب إليك من حبل الوريد؟ ألا تعلم أن يوم القيامة قريب، وسيظهر فيه ما كان مستوراً من فضائحك وأعمالك الخبيثة: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الجاثـية:33] .
• ألا تعلم أن الله يراك، وهو مطلع عليك على أي حال كنت عليها: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] .
• فاتق الله يا أخي، وتوقف عن معصية ربك، ولا يغرك شبابك وصحتك، وكن طبيب نفسك، وداوِ قلبك بعبادة ربك وذكره وشكره وتلاوة كتابه، ولا تبع جنة عرضها السموات والأرض بشهوة ساعة، وعليك بالبعد عن الفتن، والفرار منها فرارك من الأسد، فإن السلامة لا يعدلها شيء، والسعيد من وعظ بغيره، ثم أسأل ربك التوفيق والإعانة على سلوك سبيل التقوى والاستقامة، فالله الموفق وهو نعم المولى ونعم النصير.