راحة النفس الموحدة واطمئنانها وسعادتها، من آثار التوحيد
فهي لا تقبل الأوامر إلا من واحد، ولا تمتثلالنواهي إلا من واحد، وبهذا راحة للنفس،ولذلك ترتاح النفس وتطمئن ويسكن القلبويهدأ.
قالابن القيم رحمه اللهفيالفوائد : وكما أنالسماوات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا كما قال تعالى : لَوْكَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا[الأنبياء:22]
فكذلك القلب إذاكان فيه معبود غير الله تعالى فسد فساداً لا يرجى صلاحه إلا بأن يخرج ذلك المعبودمنه، ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه ويرجوه، ويخافه ويتوكل عليهوينيب إليه. انتهى كلامه رحمه الله.
إذاً: فلا يعمل الموحد ولا يحب إلا لله، ولايغضب ولا يكره إلا لله، وهنا يشعر القلب بالراحة والسعادة؛ فهو مطالب بإرضاء اللهولو غضب عليه أهل الأرض قاطبة، هذه هي حقيقة التوحيد،
بل هذا هو الإخلاص لله في كلشيءقُلْإِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّالْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَلَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام:162-163]
هل سألناأنفسنا يوماً من الأيام ما هو هدفنا في الحياة؟ ولماذا خلقنا؟ كثير من المسلميناليوم ممن يتلفظ بلا إله إلا الله، لو سئل عن هدفه في الحياة ربما لم يجب، وربماأجاب لكنها إجابة فيها تردد وحيرة!
وربما تذكر تلك الأسئلة التي درسها يوم أن كانصغيراً في المراحل التعليمية الأولى، لماذا خلقنا الله؟ فكانت الإجابة: خلقنا اللهلعبادته، وما هو الدليل؟وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56
أظننا لا نجهل هذا، الكبير منا والصغير يعرفه، الذكر والأنثىيعلمه. بل حفظه عن ظهر قلب، العجيب أن الكثير من الناس لا يفكر بهذه الكلمات التيحفظها وقرأها ورددها يوم أن كان صغيراً، بل لم يفهم معناها، وإن فهم معناها لم يعملبمقتضاها،
لماذا الفصل بين العلم والعمل؟فالعلـم يهتف بالعمل. في حياتنا ندرس ونقرأ ونسمع، فإذا خرجنا من مدارسنا أو مساجدنا تغيرتالأحوال، وتركنا العلم جانباً، وحكمنا الأهواء والمصالح الشخصية، والله المستعان!
يقول الله عز وجل: وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56
أي: أن هدفك في الحياة هو عبادة الله عز وجل، تلك العبادة التي أخطأ كثير منالمسلمين اليوم في فهمها، ولذلك ربما يقول قائل : الله عز وجل يريد منا دائماً أننركع ونسجد ونصلي ونصوم ونحج ونقرأ القرآن فقط.
هذه هي الحياة، هكذا تريدون منا،لماذا؟ لأنه فهم الحياة على أنها هكذا فقط، أو أن العبادة على أنها فقط مقيدة بتلكالعبادات الأربع المشهورة عند الناس، الصلاة والصيام والحج والزكاة.. هكذا يفهم بعضالمسلمين الإسلام.
أيها المحب! ليس هذا هو مفهوم العبادة التي يريدها الله عز وجلمنا،
فنحن نردد أن العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه منالأقوال والأفعال الظاهرة على الجوارح والباطنة في القلب.
إذاً: فكل فعل وقول وحركةوسكون في حياتك هي عبادة لله عز وجل بشرط: أن يحبها الله ويرضاها، وأن تكون خالصةلله، وكما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو هدف المسلم في الحياة، هدفالمسلم في الحياة رضا الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة، وفي كل حركة وسكون،
فإذااتضح الهدف للمسلم ارتاح قلبه واطمأنت نفسه وشعر بالسعادة؛ لأنه يعيش من أجل هدفسامٍ وغايةٍ واضحة ومبدأٍ عظيمٍ هو: رضا الله. وبهذا المفهوم الصحيح للعبادة، فكلشيء في الحياة مع النية الخالصة لله يكون عبادة يؤجر عليها العبد،
يقول النبي صلى اللهعليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة) إذاً وأنت تقضي وطرك وشهوتك تؤجر عليها (وإنلأهلك عليك حقاً) وأنت تجالس أهلك وأولادك وتقضي شأنهموتعولهم تؤجر،
حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك وأنت تسعى لكسب الرزق لأولادك تؤجر،ابتسامتك في وجه أخيك صدقة) بل حتى النوم تؤجر عليه بشرط أن يكون فيه نيه واحتساب لتقوم بطاعة الله
ألم يقل بعض السلف: إني لأحتسب نومتي كما أحتسبقومتيإذا عشت بهذا المفهوم تشعر بالاطمئان والسعادةوالراحة؛ لأن كل حياتك ترضي الله عز وجل فتؤجر عليها، الله أكبر! ما أحلى هذه الحياة، ما أحلىالدنيا بهموها وغمومها إذا عاش المسلم بمثل هذا المفهوم الواضح البين في حياته، حتىالهمّ -سبحان الله!- في حياة المسلم الموحد الصادق..
ألم يقل الحبيب صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من همٍّ ولا غمٍّ ولا نصب ولا وصب ولاحزن حتى الشوكة يشاكها المسلم إلا كفر الله بها من خطاياه
لا إله إلا الله: ما أحلاها في حياتنا قولاً وعملاً، لا كما يريد أعداءالله عز وجل، فيصوروها للناس أنها في المسجد فقط، وأنها في شهر رمضان وموسم الحجفقط،
أما ما عداه فلا، ولذلك ربما سمعنا من بعض المسلمين وللأسف كلمةً أو عبارةتقول: أَدخلَوا الدين في كل شيء، ونقول له ولأمثاله: نعم الدين في كل شيء؛
لاحرية لك إلا في حدود الشريعة، لا حرية لك بلباسك ولا بقولك ولا ببيعك ولا بشرائك،ولا بذهابك ولا بمجيئك، إلا في هذه الحدود،
نعم أيتها المسلمة! الإسلام حقيقةً يضبطحتى لباسك وفعلك وصفتك، إذا رضي الله عز وجل عن هذا الفعل وعن هذه الصفة فتوكلي علىالله.
هناك يوم للحسابوللجزاء لا يمكن أن يغفل عنه الموحد أبداً، أما أنت أيها المسلم! فلك حرية، لكنبحدود الشريعة، فأنت أسلمت وجهك لله، وخضعت لدين الله، فعليك أن تلتزم الأوامر،وتجتنب النواهي كما يريد الله سبحانه وتعالى،
قلت بلسانك: رضيت بالله رباًوبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً،
فلماذا أراك تخالف هذاالرضا بفعلك وحياتك؟ والله المستعان. يا ليتنا نردد هذا المفهوم الصحيح للعبادة علىنسائنا وصغارنا وطلابنا وزملائنا،
واسمعوها يا أحبة!
والله ثم والله! لو عاش المسلمون بهذا المفهوم، لما كانهناك انفصام في شخصيات كثير من المسلمين، يأتي للمسجد يركع ويسجد، وربما بكى وسالتالدمعة على الخد خوفاً من الله، بل ربما كان في الصف الأول؛ لكن تعال وانظر لبيعهوشرائه، وانظر لتعامله في الربا، تعال وانظر للسانه، تعال وانظر لبيته وما فيه منوسائل الفساد،
تعال وانظر لتلك المرأة في لباسها وفعلها وتبرجها -يا سبحان الله- أين أثر التوحيد وحقيقة التوحيد في نفوسنا؟!
بل إن للتوحيد أثراً عجيباً في سعادةالزوجين في حياتهما، نعم والله. هذا سر من أسرار الحياة الزوجية، فالقاعدة الأساسية للبيت السعيد: (أهلاً وسهلاً بمايرضي الله، وبعداً وسخطاً لما يغضب الله)
فلو سار البيت على هذه القاعدة لوجدوالله! السعادة والراحة، يتفق الزوجان على هذه القاعدة الجميلة فكل ما يرضي اللهفأهلاً وسهلاً به في بيتنا، وكل ما يغضب الله فبعداً له وسخطاً؛ لأنه يغضب الله.
ياأهل التوحيد! لنحقق التوحيد كما يريده الله سبحانه وتعالى في نفوسنا، ولنراجعأنفسنا ونحاسب أنفسنا، أين أثر التوحيد في نفوسنا؟ لماذا بدأ يتناقص ويتراجع؟
نسأل الله عز وجلأن يحيينا حياة طيبة، وأن يميتنا على التوحيد
وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لاإله إلا الله