الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
مقدمة عن الوقف التام
تعريفه: هو الوقف على كلام تمَّ معناه ، ولم يتعلق بما بعده لفظًا ولا معنىً.
دليله: عن أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ ، قَالَ مِيكَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلام: اسْتَزِدْهُ؟ فَاسْتَزَادَهُ ، قَالَ: أقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ؟ قَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ ، فَاسْتَزَادَهُ ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ ، قَالَ: كُلٌّ شَافٍ كَافٍ ، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ(1).
قال الحافظ أبو عمرو: فهذا تعليم التام من رسول الله × عن جبريل
عليه السلام ، إذ ظاهره دالُّ على أنه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار والعقاب، وتفصل عمَّا بعدها ، إذا كان بعدها ذِكْر الجنة والثـواب(2).
حكمه: يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده .
رمزه : يرمز له بـ: + قلي " ، وليس شرطًا فهناك مواضع للوقف التام ذكرها علماء الوقف ولم يوضع عليها في المصاحف علامة .
سبب اختيار الرمز: (قلى) :
لدلالته فهو يعنى أولوية الوقف مع جواز الوصل ، وأولوية الوقف تقتضي نفي العلاقة اللفظية .
وسبب قولي ليس شرطًا : لوجود الكثير من المواضع التي اختلف فيها القراء والنحويون فبعضهم يرى التمام ، وبعضهم يرى الكفاية وقد يرى البعض أولوية الوصل ، في نفس الموضع ، لأن الوقف مبني على الاجتهاد .
وسيأتي أمثلة على ذلك في كل باب بمشيئة الله تعالى .
* * *
2- وجود الوقف التام
قد يوجد الوقف التام في:
1- في وسط الآية:
كالوقف على: + جَاءَنِي " من قوله تعالى: + لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي " { الفرقان:29 } ، ثم قال تعالى: + وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا " { الفرقان:29 }.
2 - قرب آخر الآية :
كالوقف على: + أَذِلَّةً " من قوله تعالى: + وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً" { النمل:54 } .
لأنَّه آخرُ كلامِ بلقيس ثمَّ قال تعالى: + وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " {النمل:34} .
3 - في رؤوس الآي :
كالوقف على: + الدِّين " من قوله تعالى: + مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " {الفاتحة:4}. ، وهي رأس آية.
4 - بعد رأس الآية بكلمة :
كالوقف على بـ + وَبِاللَّيْلِ " من قوله تعالى: + وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ " { الصافات:138 } .
فالوقف على: +وَبِاللَّيْلِ" تمامُ الكلام، و +مُصْبِحِينَ" رأس الآية(1)
3- علامات الوقف التام
علامته غالبًا :
1- الابتداء بالاستفهام :
كالابتداء بـ: + أَلَمْ " من قوله تعالى: + اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " { الحج:79-80 } .
الوقف التام على +تَخْتَلِفُونَ" ، لأنه نهاية الكلام عن الكفار ، ثم الابتداء بمخاطبة الرسول × .
والاستفهام ينفي العلاقة اللفظية بين الجملتين، فجملة: + أَلَمْ تَعْلَمْ.." ، لا علاقة لها بما قبلها أي لا تعرب شيئا فليست حالاً أو صفة .. إلخ .
2- الابتداء بعده بياء النداء :
كالابتداء بـ: + يَا أَيُّهَا " من قوله تعالى: + إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ " { البقرة:20 } .
الوقف التام على +قَدِيرٌ" لأنه نهاية الكلام عن قدرة الله ، ثم الابتداء بمناداة جميع الناس بعبادته ، وبذلك تنتفي العلاقة لفظًا ومعنى .
والنداء ينفي العلاقة اللفظية بين الجملتين ، فجملة: + يَا أَيُّهَا " ، لا تعرب شيئا لما قبلها .. إلخ .
3- الابتداء بعده بفعل الأمر :
كالابتداء بـ : + وَاصْبِرْ " من قوله تعالى: + ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " { هود:114: 115 }.
الوقف التام على +لِلذَّاكِرِينَ" ، لأنه نهاية الكلام عن الذكرى ، ثم انتقل الخطاب للرسول × ، وأمره بالصبر .
وعلامته: الابتداء بفعل الأمر: + وَاصْبِرْ " والابتداء بفعل الأمر ينفي العلاقة اللفظية بين الجملتين .
4- الابتداء بعده بالشرط :
كالابتداء بـ : + منْ " من قوله تعالى: + لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ * مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ به " { النساء:113 } .
تام على + الْكِتَابِ " للانتقال من النفي+ ليس " والابتداء بالشرط + من " والخطاب عام وليس محصورًا فيمن سبق ذكرهم .
5- الفصل بين آيتي عذاب ورحمة :
كالابتداء بـ: + وَبَشِّر " من قوله تعالى: + فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا " { البقرة:24- 25 } .
تام على + لِلْكَافِرِينَ " للابتداء بآية رحمة في قوله: + وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا " بعد آية عذاب وهو ابتداء أيضًا بفعل أمر .
6- انتهاء القول :
كالابتداء بـ: + وَلِلْكَافِرِينَ " من قوله تعالى:+ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا {قلي} وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ " { البقرة:104 } .
تام ، لأن الكلام قبله خطاب للمؤمنين بنهيهم عن قول + رَاعِنَا " وما بعده تهديد ووعيد للكافرين بالعذاب .
7- الابتداء بعده بالنفي:
كالابتداء بـ: + لا يَغُرَّنَّكَ " من قوله تعالى: + وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ * لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ " { آل عمران: 195 ، 196 }
تام: للابتداء بالنفي في: + لا يَغُرَّنَّكَ " بعد الآية السابقة .
ولانتهاء الكلام عن الله ثم الابتداء بخطاب الرسول × .
8- الفصل بين الصفتين المتضادتين:
مثال ذلك: الابتداء بـ+ وَالَّذِينَ " من قوله تعالى: + هَذَا هُدًى* وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ " {الجاثية:11} .
تام: للابتداء بالحديث عن الكفار والعذاب المنتظر لهم ، بعد الحديث عن الهُدى .
9- انتهاء الاستثناء:
كالوقف على: + الرَّحِيمُ " من قوله تعالى: + أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " { البقرة:159-160-161 } .
فالوقف تام ، لأنه نهاية الاستثناء عن الذين تابوا ، وبداية الكلام عن الكافرين (1) .
10- اختلاف الأسلوب :
كالانتقال من الغائب إلى المخاطب ، أو العكس .
وكالانتقال من المتكلم إلى المخاطب ، أو العكس .
كالوقف على: + الدِّينِ " من } سورة الفاتحة:4.
تام: لأنه انتقل من الكلام عن الغائب ، ودليله الضمير الغائب في +لله ، ورب ، الرحمن ، ومالك" أي: هو .
إلى الكلام عن مخاطب ودليله،+ إياك"، أي: أنت،+نعبد" أي : أنت
وهو بذلك انتقل إلى موضوع آخر ، فهو آخر ما لله جل وعز خالصًا ، فالآيات من أول الفاتحة إلى + الدين " حمد وثناء وتمجيد لله تعالى ، وبعده كلام آخر ، وهو بداية الدعاء ، فما بعده مستغن عنه(2).
فائدة :
1- من علامات التام انتهاء السورة :
لأنه دليل على انتهاء الموضوع ، والانتقال إلى موضع آخر ، أو قصة جديدة .
مثال ذلك : الوقف على +وَلا الضَّالِّينَ"
تام: لأنه آخر ما سأل العبد ، ونهاية السورة الكريمة .
2- ومن علامات التام الوقف على البسملة في سورة الفاتحة :
وذلك عند من يرى أنها آية من الفاتحة ، للانتقال إلى موضوع آخر .
3- اختلاف الجملتين خبرًا ، وإنشاءً
وكالانتقال من الخبر إلى الدعاء ، أو النهي ، أو الأمر ، وقد سبق ضرب أمثلة على ذلك .
* * *
من كتاب الوقف الاختياري / للشيخ / جمال القرش