كيف يصل الإنسان إلى الإيمان بالله ؟
العقيدة هي صمام الأمان، وهي المحرك القوي للإنسان
بها يهتدي إلى فطرته الأولى، ويضع يده على النور الذي أودعه الله فيه،
فيأمن من خوف ويهتدي من حيرة، ويستقر بعد تخبط ويطمئن بعد قلق واضطراب، وبأركان الإيمان تتم العقيدة ويكمل اليقين والإيمان ستة أركان، وإن الركن الأساسي الذي تبني عليه بقية الأركان هو الإيمان بالله - تعالى -.
الإيمان به ربا وخالقا والإيمان به حكيما ومدبرا ومنظما لهذا الكون ومهيمنا عليه، قال - تعالى (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).
إن وجود الله شيء بديهي يسلم به كل عقل سوى إنه واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وكما إن وجود الشمس لا يحتاج إلى دليل فكذلك وجود الله،
ولكن حين نسوق الدليل على وجود الله فذلك فقط ليزداد المؤمن إيمانا والموحد ثباتا ويقينا وليكون ذلك حجة على كل ملحد كافر وجاحد فاجر.
هل نحن في حاجة إلى الإيمان بالله ؟
لقد تقدم العلم تقدما كبيرا وازدحمت الحياة بأنواع المعرفة واكتشف الإنسان الكثير من أسرار الوجود لقد صعد إلى السماء وغاص في أعماق الماء وفجر الذرة وعرف أسرار المجرة،
ولكن هل أغنى الإنسان كل ذلك عن الإيمان بالله ؟ هل حقق له السعادة والطمأنينة في الحياة؟
إن هذا التقدم المادي لم يواكبه تقدم روحي في حياة الإنسان لذلك ازدادت مشكلاته تعقيدا وروحه قلقا حيث ابتعد عن دين الله الذي يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة كما ازداد الفساد الخلقي والانحلال الاجتماعي..
كيف يصل الإنسان إلى الإيمان بالله ؟
* هل يصل إلى ذلك بفطرته التي فطره الله عليها ؟
* هل يصل بعقله وفكره ؟
* هل يصل بنظره وتعمقه في الكون وما فيه من دقة ونظام وإبداع ؟
* أو لابد من ذلك كله..
* يصل الإنسان إلى الإيمان بالله بالعقل والشرع والفطرة.
دليل الفطرة: هناك شعور فطره فطر الله الناس عليها يتمثل في إحساس الإنسان بأن هناك قوة عليا مدبرة لهذا الكون ومهيمنة عليه وكلما تأمل الإنسان في نفسه (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) أو في الكون من حوله (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ)
أحس بهذا الشعور يسيطر عليه ويدفعه دفعا إلى أن يقر بوجود قوة عليا خالقة عاقلة وأن هذه القوة العليا هي الله وإن كان دليل الفطرة شاهدا على وجود الله فهناك أمور فطرية كثيرة نزاولها في حياتنا دون إعمال فكر أو نظر
مثال ذلك:
انسياق الطفل حديث الولادة إلى ثدي أمه بفطرته الأولى دون أن يتعلم ذلك من معلم ودون أن يدركه بدليل عقلي:
نحس بالجوع فنأكل ونحس بالبرد فنتخذ الوقاية منه ونحس بوجود روح فينا فنحافظ عليها دون أن يكون ذلك بحاسة من حواسنا الظاهرة إن الشعور بهذه الأشياء كلها دليل على وجودها وهي فطره صادقة موافقة للواقع الكوني وموافقة لحاجتنا ومن أصدق هذه الإحساسات الفطرية التي تملأ الكيان وتسيطر على الوجدان
فطرة إحساس الإنسان بوجود الخالق وتلهفه دائما لمعونته وإمداده وشعوره بحاجة هذا الكون الكبير في نظامه وإتقانه إلى قدرة الله وحكمته00 إنه شعور فطري تشترك في الإحساس به جميع الخلائق فكلهم يشعرون بشعور مشترك هو إن الله حق
وأنه القوة العالمة بكل شيء القابضة على كل شيء الباقية بعد كل شيء،
قال - تعالى (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(.
متى تظهر هذه الفطرة ؟
تظهر هذه الفطرة واضحة جلية في ساعات الشدة حين ينقطع الرجاء من الناس وحين يحدق الخطر بالإنسان ويحيط به الكرب من كل مكان ويفقد جميع سبل النجاة
وفي هذه اللحظة الحرجة
لا يجد الإنسان أمامه إلا الله يبثه شكواه ويطلب منه العون والنجاة ينطلق إليه بفطرته حتى ولو كان غير مؤمنا به ويقرر القران الكريم هذه الحقيقة، فيقول - تعالى (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا).
ولقد سأل رجل الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه عن الله تعالى - فقال: ألم تركب البحر؟ قال: بلى. قال:
فهل هاجت بك الرياح العاصفة؟
قال: نعم.
قال: وانقطع أملك حينئذ من الملاحين ووسائل النجاة؟ قال: نعم
قال: فهل خطر ببالك وانقدح في ذهنك أن هناك من يستطيع أن ينقذك إن شاء؟
قال: نعم
قال جعفر الصادق: فذلك هو الله..
دليل العقل
لا يوجد دين كالإسلام حث العقل على نظر التأمل وحركه في كل اتجاهات المعرفة ودار به في أنحاء الكون من أرض وسماء وهواء وماء وجبال وتلال ونجوم وكواكب وطيور تحلق في السماء وأسماك تعيش في أعماق الماء وسحاب يمطر فتنشق الأرض بالخضرة والنبات قال - تعالى
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(
فعن طريق النظر والمشاهدة يصل الإنسان بسهولة إلى الإيمان بالله
وهذا ما سلكه العربي بعقله الصافي وفكره المستقيم حين سئل: كيف عرفت الله؟ فقال: سبحان الله!
الأثر يدل على المسير؛ فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على العليم الخبير؟!
وهكذا لو تأمل الإنسان في الكون الذي يحيط به لأدرك من خلاله وجود الله تعالى - ولكن الغفلة والجهل والتقليد الأعمى للآباء والأجداد والمكابرة والعناد والسير مع هوى النفس وشهواتها وكل ذلك يعطل حسن الرؤية ويؤدي إلى مهاوي الضلال والكفر..