بل الدعوة إلى الإسلام لا التعريف!
كلمة (الدعوة) من الألفاظ القرآنية النبويَّة، ومن الأَسْماء الشَّرعية الأثَريَّة، فقد قال - عزَّ وجلَّ - ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]،
وقال - صلى الله عليه وسلَّم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - لَمَّا بعثه إلى اليمن ((إنَّك تأتي قومًا من أهل الكتاب؛ فلْيَكن أوَّل ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وقد ظهر - عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر - مصطلحُ (التَّعريف بالإِسْلام)، واستروح فئامٌ من المسلمين هذا التعبير الجديد! فالنُّفوس الجامِحة تُؤْثِر الجديد بإِطْلاق، كما تطمع في السَّلامة؛ إذِ الدعوة نوعٌ من الجهاد والاحتساب، وإخراج الناس من الظُّلمات إلى النُّور، وأمَّا التَّعريف فليس كذلك، بل هو مُجرَّد توصيف، كالتوصيف والتعريف بالبضائع والصِّناعات ونحوها.
والتعريف جاء على سبيل الذمِّ كما في قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146]،
ولَمَّا قال الجهم بن صفوان: إنَّ الإيمان مُجرَّد المعرفة، كفَّرَه أئمَّة السَّلَف الصالح، كالإمام أحمد ووكيع والقاسم بن سلاَّم، وانتقد سلَفُنا الصالِحُ إطلاقَ العارف عند المتصوِّفة؛ إذِ العِبْرة بالأَسْماء الشرعية، كالمؤمن، والتَّقي، والصَّالح.. إلخ.
والمقصود أن الأسماء الشرعية فيها الغَناء والشِّفاء، وفيها من الوضوح والرُّسوخ ما ليس في غيرها، كما أنَّ لها من الحرمة والتعظيم ما ليس للألفاظ الحادثة،
فهل يُؤْثِر الدُّعاة بعدَ هذا أنْ يكونوا (مُعرِّفين)، ويَخْلعوا هذا الوصف الجميل والثَّناء العظيم في قوله تعالى﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]؟!