تعريف اصول الفقه
أصول الفقه : مركب تتوقف معرفته على معرفة مفرداته من حيث التركيب لا من حيث كل وجه .
[ تعريف الأصل ] فالأصول : جمع أصل , وأصل الشيء , ما منه الشيء , أي : مادته , كالوالد
للولد , والشجرة للغصن . ورده القرافي باشتراك " من " بين الابتداء والتبعيض , وبأنه لا يصح هنا
معنى من معانيها . وأجاب الأصفهاني عن الأول : بأن الاشتراك لازم لكن يصار إليه في الحدود حيث
لا يمكن التعبير بغيره , وعن الثاني : بأن " من " لابتداء الغاية . وقال الآمدي : ما استند الشيء في
تحقيقه إليه . وقال أبو الحسين : ما يبنى عليه غيره , وتبعه ابن الحاجب في باب القياس , ورد بأنه
لا يقال : إن الولد يبنى على الوالد , بل يقال : فرعه . [ ص: 25 ] وقال الإمام : هو المحتاج إليه ,
ورد بأنه إن أريد احتياج الأثر إلى المؤثر لزم إطلاقه على الله تعالى , وإن أريد ما يتوقف عليه الشيء
لزم إطلاقه على الجزاء والشرط . وقد التزمه في المباحث المشرقية " فقال : لا تبعد تسمية الشروط
واندفاع الموانع أصولا باعتبار توقف وجود الشيء عليها . وقال أبو بكر الصيرفي في كتاب الدلائل
والأعلام " : كل ما أثمر معرفة شيء ونبه عليه فهو أصل له , فعلوم الحس أصل , لأنها تثمر معرفة
حقائق الأشياء , وما عداه فرع له .
وقال القفال الشاشي : الأصل : ما تفرع عنه غيره , والفرع :
ما تفرع عن غيره , وهذا أسد الحدود , فعلى هذا لا يقال في الكتاب : إنه فرع أصله الحس , لأن الله
تعالى تولاه وجعله أصلا دل العقل عليه . قال : والكتاب والسنة أصل , لأن غيرهما يتفرع عنهما ,
وأما القياس فيجوز أن يكون أصلا على معنى أن له فروقا تنشأ عنه , ويتوصل إلى معرفتها من جهته
كالكتاب أصل لما ينبني عليه , وكالسنة أصل لما يعرف من جهتها , وهو فرع على معنى أنه إنما
عرف بغيره وهو الكتاب أو غيره , وكذلك السنة والإجماع . قال : وقيل : إن القياس لا يقال له :
أصل ولا فرع , لأنه فعل القائس , ولا توصف الأفعال بالأصل والفرع . وقال الأستاذ أبو منصور
البغدادي : الأصل ما عرف به حكم غيره , والفرع ما عرف بحكم غيره قياسا عليه . [ ص: 26 ]
وقال الماوردي في الحاوي " : قيل : الأصل ما دل عليه غيره , والفرع ما دل على غيره , فعلى
هذا يجوز أن يقال في الكتاب : إنه فرع لعلم الحس , لأنه الدال على صحته . هذا الاعتراض يصلح
أن يدخل به كثير من العبارات السالفة على اختلافها فليتأمل . وقال ابن السمعاني في القواطع " :
قيل : الأصل ما انبنى عليه غيره , وقيل : ما يقع التوصل به إلى معرفة ما وراءه وهما مدخولان ,
لأن من أصول الشرع ما هو عقيم لا يقبل الفرع , ولا يقع به التوصل إلى ما وراءه بحال , كدية الجنين
والقسامة , وتحمل العاقلة , فهذه أصول ليست لها فروع , فالأولى أن يقال : الأصل كل ما ثبت دليلا
في إيجاب حكم من الأحكام ليتناول ما جلب فرعا أو لم يجلب . ويطلق في الاصطلاح على أمور :
أحدها : الصورة المقيس عليها على الخلاف الآتي - إن شاء الله تعالى - في القياس في تفسير
الأصل .
الثاني : الرجحان , كقولهم : الأصل في الكلام الحقيقة , أي : الراجح عند السامع هو
الحقيقة لا المجاز .
الثالث : الدليل , كقولهم : أصل هذه المسألة من الكتاب والسنة أي : دليلها ,
ومنه أصول الفقه أي : أدلته .
الرابع : القاعدة المستمرة , كقولهم : إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل . وهذه الأربعة
ذكرها القرافي وفيه نظر , لأن الصورة المقيس عليها [ ص: 27 ] ليست معنى زائدا , لأن أصل
القياس اختلف فيه هل هو محل الحكم أو دليله أو حكمه ؟ وأيا ما كان فليس معنى زائدا , لأنه إن كان
أصل القياس دليله فهو المعنى السابق , وإن كان محله أو حكمه فهما يسميان أيضا دليلا مجازا ,
فلم يخرج الأصل عن معنى الدليل . وبقي عليه أمور : أحدها : التعبد , كقولهم : إيجاب الطهارة
بخروج الخارج على خلاف الأصل . يريدون أنه لا يهتدي إليه القياس . الثاني : الغالب في الشرع ,
ولا يمكن ذلك إلا باستقراء موارد الشرع . الثالث : استمرار الحكم السابق , كقولهم : الأصل بقاء
ما كان على ما كان حتى يوجد المزيل له . الرابع : المخرج , كقول الفرضيين : أصل المسألة من كذا .
[ عدد الأصول التي يبنى الفقه عليها ] ثم اختلفوا في عدد الأصول , فالجمهور على أنها أربعة :
الكتاب , والسنة , والإجماع , والقياس . قال الرافعي في باب القضاء : وقد يقتصر على الكتاب
والسنة , [ ص: 28 ] ويقال : الإجماع يصدر عن أحدهما , والقياس الرد إلى أحدهما فهما أصلان .
قال في المطلب " : وفيه منازعة لمن جوز انعقاد الإجماع لا عن أمارة , ولا عن دلالة , وجوز
القياس على المحل المجمع عليه .
واختصر بعضهم فقال : أصل ومعقول أصل , فالأصل للكتاب , والسنة , والإجماع , ومعقول
الأصل هو القياس .
قال ابن السمعاني : وأشار الشافعي إلى أن جماع الأصول نص ومعنى , فالكتاب والسنة والإجماع
داخل تحت النص , والمعنى هو القياس , وزاد بعضهم العقل فجعلها خمسة .
وقال أبو العباس بن القاص : الأصول سبعة : الحس , والعقل , والكتاب , والسنة , والإجماع ,
والقياس , واللغة .
والصحيح : أنها أربعة . وأما العقل : فليس بدليل يوجب شيئا أو يمنعه , وإنما تدرك به الأمور
فحسب , إذ هو آلة العارف , وكذلك الحس لا يكون دليلا بحال , لأنه يقع به درك الأشياء الحاضرة .
وأما اللغة : فهي مدركة اللسان , ومطية لمعاني الكلام , وأكثر ما فيه معرفة سمات الأشياء ولا حظ
له في إيجاب شيء .
وقال الجيلي في الإعجاز " : أربعة : الكتاب , والسنة , [ ص: 29 ] والقياس , ودليل البقاء
على النفي الأصلي , وردها القفال الشاشي إلى واحد فقال : أصل السمع هو كتاب الله تعالى ,
وأما السنة والإجماع , والقياس فمضاف إلى بيان الكتاب , لقوله تعالى { تبيانا لكل شيء } وقوله :
{ ما فرطنا في الكتاب من شيء }