بسم الله الرحمن الرحيم
هذه هي الشبهة الأولى التي وردت في أحد الفيديوهات الطاعنة في كتاب الله -تعالى- والتي أُذيعت على قناة نصرانية مُعلنة حربا فكرية على الإسلام والمسلمين.الشبهة تقول:
في الآية (146) في سورة آل عمران يقول الله -تعالى- :"وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)".
الآية قرأها حفص "وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ .."، بينما قرأها ورش "وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيءٍ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ..".
وجه الاعتراض:
1- في قراءة حفص الآية تتحدث عن الأحياء بينما في ورش تتحدث عن الأموات، وبالتالي فإن قراءة ورش خاطئة ومطعون فيها وفي صحتها.
2- كيف يتحقق الثبات والقوة ورباطة الجأش لمن قُتل ومات وانتهى أمره؟!
الرد عليها:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن الرد على هذه الشبهة الضعيفة يتلخص من خلال النقاط التالية:
1- لا بد من النظربدقة إلى سياق الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية، هذه الآيات كانت تتحدث عن عتاب الله -تعالى- للمؤمنين بعد ما حدث للمسلمين في غزوة أُحد لا سيما بعدما ألقى فريق من المسلمين السلاح بعد أن أُشيع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قُتل، وقد قاتلَ جيشُ المسلمين جيشَ المشركين فقُتلَ سبعون صحابيا من جيش المسلمين، وجاء الانكسارُ بعد الانتصار بسبب مخالفة بعض الرماة لأوامر النبي -صلى الله عليه وسلم- .
2- تفسير الآية: قال تعالى مخبراً بما يكون عظة للمؤمنين وعبرة لهم: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} أي: وكم من نبي من الأنبياء السابقين قاتل معه جموع كثيرة من العلماء والأتقياء والصالحين فما وهنوا، أي: ما ضعفوا، ولا ذلوا لعدوهم ولا خضعوا له كما هم بعضكم أن يفعل أيها المؤمنون، فصبروا على القتال مع أنبيائهم متحملين آلام القتل والجرح فأحبهم ربهم تعالى لذلك لأنه يحب الصابرين.
3- القراءتان بينهما تعاضد وتكامل ويستأنس بهما المفسر لفهم الحال، وهذا من خلال الآتي:
كلمة "قَاتَلَ" جاءت على وزن (فَاعَلَ)، وجاءت كلمة "قُتِلَ" على وزن (فُعِلَ) مما يبين اصطفاف الربيون لقتال أعدائهم، ومن المعلوم أن المُقاتِل يكون بين أمرين: إما أن يكون قاتِلا وإما أن يكون قتيلا، فإذا قَتَلَ أعداءَه انتصر عليهم وإذا قتلهُ أعداؤُه نال الشهادة في سبيل الله.
والجيش المُقاتل من الواجب أن يحافظ على استقراره في أشد الظروف وأحلكِها وأن يستمد عزته من عزة الله -تعالى- ، ولا بد أن يُقتل منه عدد (وإن قَلَّ) حتى وإن انتصر.
فيعطى الله الثواب لمن قاتل وظل على قيد الحياة ولمن قاتل وقُتِلَ شهيدا في سبيل الله.
ولهذا في قراءة حفص جاء لفظ "قَاتَلَ" لبيان ثناء الله -تعالى- على جميع المقاتِلين في ميدان الجهاد (الأحياء والشهداء)، وفي قراءة ورش جاء لفظ "قُتِلَ" ليبين الله -تعالى- لنا أن منهم قتلى (كما حدث لكم يا معشر المسلمين في أُحد) وأثنى الله -تعالى- على ثبات بقية الجيش الذي لم يصبه الوهن أو الضعف أو الاستكانة بسبب القتلى لأنهم يعلمون أنهم يقاتلون في سبيل الله وأن إخوانهم استُشهدوا في سبيل الله والشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون.
وهذا هو التفسير الجائز عقلا والمتفق مع سياق الآيات وليس الوارد في الشبهة.
وأما عن حُجية القراءات المُتواترة فأتركها لمجال آخر للحديث عنها تفصيلا -إن شاء الله-.
أعتذر عن الإطالة.
تقبل الله منا ومنكم.