النبر
لاشك ان القرآن معجز في كل شئ من حيث ألفاظه ونظمه وبلاغته ،
فالعلماء جميعا ينهلون من القرآن ، والكل يأخذ من القرآن ولم ينته عجائبه وحير
البلغاء في دقة ألفاظه وتنوعه قال د/ فاضل السامرائي في كتابه
(بلاغة الكلمة في التعبير القرآني):" ولا شك أن كل كل مفردة وضعت
وضعا فنيا مقصودا في مكانها المناسب ، وأن الحذف من المفردة مقصود كما
أن الذكر مقصود ،وأن الإبدال مقصود ،وكما أن الأصل مقود ، وكل تغيير
في المفردة أو إقرار علي الأصل مقصود له غرضه ".صـ6 ، هذا من جهة
البلاغة ،ولكننا سنتحدث عن أسلوب جديد في قراءة القرآن وهو طريقة إلقاء الكلمة ـ
بعيدا عن علم التجويد المدود وغيرها ـ حسب ما تقتضيه المعاني ،
والذي يشرع في تعلم علم التجويد له أربع مراحل:
أولها : مرحلة الشكل (أي التشكيل)
كيف يتعلم طرقة نطق الفتحة والضمة والكسرة،والذي يعبر هذه المرحلة يدخل بعدها
مرحلة المخارج كيف ينطق الحرف وكيف يفخم ويرقق الحروف بحسب
أحوالها ومن عبر تلك المرحلة دخل في الثالثة وهي المرحلة الحسابية حيث
يتعلم مقادير المد الطبيعي ومقادير المنفصل والمتصل واللازم وحركتي الغنة وهكذا
عن طريق العد أو بسط الأصبع وغيره حتي يتقنها سليقة وطبيعة دون عناء ، ومن انتهي
من هذه المرحلة ــ ولا شك أنه سيكون مجيدا في القراءة ــ يدخل في المرحلة
الأخيرة وهي مرحلة المهرة المتقنين وهي النبر،قد ينطق القارئ الكلمة بتشكيل صحيح
ومخارج سليمة ثم يعطي معني مخالفا للمراد مثل قوله تعالي:" فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)" فيقرا كلمة " فقعوا " مثل كلمة
" ذهبوا " مثلا فكأنها من فقع العين ، بل لا بد من تمييز حرف الفاء والصبر
علي حركة القاف دون الإسراع فيكون حينئذ بمعني الإلقاء وهذا ما يعرف بالنبر،
وكذا لو قرأ " فَسَقي لهما" بنفس إيقاع "جعلا له " فتصير كلمة " فسقي "وكأنها
من الفسوق في حين أنها من "السّقي" .. وكذا لو نطق " وسعي لها " وكأنها من
من السعة والاتساع في حين أنها من السعي الذي هو السير ، .. وكذا " فهدي "
ليست من الفهد وإنما من الهدي ، وتجنب مثل هذا يكون بنبر المقطع الثاني ـ أي الصبر
علي الحرف الثاني وحركته ـ ولو قرا مثل قوله تعالي: :" وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ "
دون نبر "ما" فتقترب الكلمة من كلمة "كلما " التي تفيد التكرار وكذلك نطق
" أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " دون نبر "ما" يحول المعني من استفهام موجه
للكافرين عن شركاهم إلي ظرف مكان عام أو اسم شرط وجزاء وكلاهما غير مناسب
،وكذا قوله تعالي :" وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ " دون نبر "ما" يجعل "أنما "
كأنها أداة قصر وهذا غير مراد في الآية .
فينبغي للقارئ أن ينتبه لمثل هذا ،ولنذهب سويا لكي نتعرف علي النبر..قال صاحب لسان
العرب في النبر:"
مصدر نَبَرَ الحَرْفَ يَنْبِرُه نَبْراً هَمَزَه
وفي الحديث قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا نَبيءَ الله فقال لا تَنْبِر باسمي أَي لا تَهْمِزْ
وفي رواية فقال إِنَّا معْشَرَ قريش لا نَنْبِرُ والنبْرُ هَمْزُ الحرْفِ ولم تكن قريش تَهْمِزُ في
كلامها نَبَرَ الرجلُ نبْرَةً إِذا تكلم بكلمة فيها عُلُوٌّ وأَنشد إِنِّي لأَسمَعُ نبْرَةً من قَوْلِها فأَكادَ أَن
يُغْشَى عليّ سُرُورا والنبْرُ صيحة الفَزَعِ ونبرة المغني رفع صوْتِه عن خَفْض ".
وقال في المعجم الوجيز:"
النبر في النطق :إبراز أحد مقاطع الكلمة عند النطق ،والنبر :إظهار الهمزة مثل:
دارأ في داري" والذي نحن بصدده: :"
النبر في النطق :
إبراز أحد مقاطع الكلمة عند النطق "
وهو ما يسميه بعض العلماء الضغط علي الحرف حتي تكمل حركته ,ويتميز عما قبله
و بعده بارتفاع الصوت وهذا الشئ قديم وهو تميز المعني بطريقة الأداء فقد ذكر
د/ جبل ود/ غانم قدوري ما قاله النسفي في سورة يوسف وقبل ذكرها أحب ان
أضع هاتين الآتين معا حتي يتضح قول النسفي جيدا للقارئ :" قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ
الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ " وقوله تعالي:" فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)
" لفظ الله مرفوع في الآتين ولكن في الأولي(المائدة) فاعل وفي (يوسف) مبتدأ ولنقرأ
كلام النسفي في سورة يوسف"{ فَلَمَّا ءاتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ } قيل : حلفوا بالله رب محمد
عليه السلام { قَالَ } بعضهم يسكت عليه لأن المعنى قال يعقوب { الله على مَا نَقُولُ }
من طلب الموثق وإعطائه { وَكِيلٌ } رقيب مطلع غير أن السكتة تفصل بين القول
والمقول وذا لا يجوز ، فالأولى يأن يفرق بينهما بالصوت فيقصد بقوة النغمة اسم الله ." ا.هـ
فقول النسفي "، فالأولى يأن يفرق بينهما بالصوت فيقصد بقوة النغمة اسم الله "
يقصد إظهار لفظ الجلالة الله وإلقائه بطريقة تشعر بان القصد منه الابتداء لأن
الفاعل في الآية هو يعقوب عليه السلام وكلمة وكيل خبر للفظ الجلالة فالتفريق
بقوة النغمة رفع الصوت به إذ لا معني لقوة النغمة هنا إلا النبرلأنه رفع بضغط ،قد
خصص هذا النبر بلفظ الجلالة بقوله (فيقصد ...) .انظر تحقيقات في التلقي والأداء د/
جبل وكتاب الدراسات الصوتية لغانم قدوري .
ويتضح مما سبق أن المفسرين كانوا يهتمون بطريقة الإلقاء والنبر قديم المنبع
وإن كانوا لا يسمونه نبرا كما هو معروف فالتسمية لا تضر .. وهذا وإن كافيا في
الرد حيث تبين قدم الموضوع وليست حديثة كما يدعي صاحب البحث..وقال د/ جبل
في ترجمة :: -محمد بن عيسى بن إبراهيم بن رزين أبو عبد الله التيمي الأصبهاني
إمام في القراءات كبير مشهور له اختيار في القراءة أول وثان، أخذ القراءة عرضاً
وسماعاً عن خلاد بن خالد والحسن بن عطية وداود بن أبي طيبة وخلف وأبي معمر
وسليمان ابن داود الهاشمي وسليم بن عيسى ويونس بن عبد الأعلى ونصير بن يوسف
النحوي وعبد الرحمن بن أبي حماد وحماد بن بحر ونوح ابن أنس والصباح بن محارب
وأشعث بن عطاف وروى الحروف عن عبيد الله ابن موسى وإسحاق بن سليمان،
روى القراءة عنه الفضل بن شاذان وهو أكبر أصحابه وأعلمهم، ومحمد بن عبد الرحيم
الأصبهاني وجعفر بن عبد الله بن الصباح وأحمد بن يحيى التارمي والحسين بن إسماعيل
الضرير أبو سهل حمدان بن المرزبان وأحمد بن الخليل بن أبي فراس ومحمد بن عصام
وإبراهيم بن أحمد بن نوح ومحمد بن أحمد بن الحسن الشعيري ويعقوب بن إبراهيم بن
الغزال ومحمد بن الهيثم الأصبهاني والقاسم بن عبد الله الفارسي والحسن بن
العباس الرازي وعبد الله بن أحمد اللخمي وموسى بن عبد الرحمن ومحمد بن أحمد الرازي
والهيثم بن إبراهيم البخاري، قال أبو حاتم صدوق وقال أبو نعيم الأصبهاني
والهيثم بن إبراهيم البخاري، قال أبو حاتم صدوق وقال أبو نعيم الأصبهاني ما أعلم أحداً
أعلم منه في وقته في فنه يعني القراءات، وصنف كتاب الجامع في القراءات وكتاباً
في العدد وكتاباً في جواز قراءة القرآن على طريق المخاطبة وكتاباً في الرسم وكان
إماماً في النحو أستاذاً في القراءات، مات سنة ثلاث
وخمسين ومائتين وقيل سنة اثنتين وأربعين ومائتين.) غاية النهاية 2/350 .
وقال السمرقندي في قوله تعالي:" وَإِذَا كَالُوهُم وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
(3)" { وَإِذَا كَالُوهُمْ } يعني : إذا باعوا من غيرهم ينقصون الكيل
{ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } يعني : ينقصون الكيل وقال بعضهم كالوهم
حرفان يعني : كالوا ثم قال : هم وكذلك وزنوا ثم قال : هم يخسرون وذكر
عن حمزة الزيات أنه قال هكذا ومعناه هم إذا كالوا أو وزنوا ينقصون وكان
الكسائي يجعلها حرفاً واحداً كالوهم أي : كالوا لهم وكذلك وزنوا لهم وقال أبو
عبيدة وهذه هي القراءة لأنهم كتبوها في المصاحف بغير ألف ولو كان مقطوعاً
لكتبوا كالواهم بالألف " 587
ٍولفظ حرفين في كلام أبي عبيد معناه كلمتين ذلك أن لفظ (هم) علي هذه القراءة
مؤكد لضمير الفاعل ،واللفظ التوكيدي كالزائد عن بناء الجملة لأنه ينصب
علي مفردة فيها لا علي مبناها كله في حين أن المفعول هو من تمام بناء
الجملة الفعلية في الفعل المتعدي لأن الكلام يتطلبه ومن هنا عدُّوا قراءة
(كالوهم) في حالة تنغيم (هم) مفعولا كلمة واحدة وفي حالة تنغيمها
توكيدا =حرفين أي كلمتين وكذلك الأمر في (وزنوهم).والنبر هنا يتمثل
في ضغط النطق بالضمير ضغطا يشعر يتميزه عما قبله ويرتفع به صوته
عما قبله وبعده في كل من القراءتين وكذلك الأمر في جعل الضمير
(هم) في (هم يخسرون) مبتدأ وهذا الضمير يعد لغويا كلمة ويعد صوتيا
مقطعا،وأبو عبيد عبّر عن ذلك التميز بالوقف فإن وقفا حقيقا فهو سريع جدا
(كسكتات حفص)وهناك احتمال أن يكون قصد بالوقف ذلك التمييز
النبريّ الذي ذكرناه "ينظر..تحقيقات في التلقي د/ جبل
وقال الزمخشري:" { والذين يَجْتَنِبُونَ } عطف على الذين آمنوا ، وكذلك ما بعده .
ومعنى { كبائر الإثم } الكبائر من هذا الجنس . وقرىء «كبير الإثم» عن ابن
عباس رضي الله تعالى عنه : كبير الإثم هو الشرك { هُمْ يَغْفِرُونَ }
أي هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب ، لا يغول الغضب أحلامهم
كما يغول حلوم الناس ، والمجيء بهم وإيقاعه مبتدأ ، وإسناد { يَغْفِرُونَ }
إليه لهذه الفائدة ، ومثله : { هُمْ يَنتَصِرُونَ } [ الشورى : 39 ] .يقصد:"
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) " الذي برز كون (هم)المنفصلة
في هذه الآيات هي رأس جملة أي مبتدأ هو نبرها بحيث تبرز ابتدائيتها وكونها
ليست مضافة إلي اليوم في آيتي غافر بخلاف آيات الزخرف والمعارج والطور
والذاريات ـ وكذلك الأمر وإن كان أقل حدة في آيتي الشوري فالنبر هو الذي يبرز
التخصيص الذي ذكره الزمخشري" المصدر السابق
ولابد أن نعرف ليس الأمر مطلقا ولكن يكون النبر فيما له أثر في المعني ،اما مالا يؤثر في
معني نحو النبر في (يعظكم ـ يعدُكم) أي الحرف الثاني منهما فهذا خطأ لا يجوز لأنه يؤدي إلي
اختلاس حركة الحرف الثاني وهذا خطأ لأن هذه الحركة كاملة وليست مختلسة ، وكما يفعله
البعض في (أفلا تعقلون) يسرع بحركة الفاء ليستفهم كما يظن فإن سألته لما هذا؟ قال للتفرقة
بينها وبين (أفل) الفعل (سورة الأنعام) في حالة تثنيتها أي(أفلا) ويظن أنه يفرق بينهما ، وهذا
خطأ لأن حركة الفاء كاملة وليست مختلسة وليست من الكلمات التي وردت مختلسة ، ولكي
يستفهم ينبر ـ أي يضغط ـ علي (لا) أو يلقي الكلمة التي بعدها ـ هنا (تعقلون) ـ بطريقة تشعر
بالاستفهام ،أما ما نسمعه من بعض الكبار باختلاسها فهذا خطأ مما لاشك فيه ـ كما بينا ـ .