-أمانة تحمل السلام وتبليغه
كان صلي الله عليه وسلم يسلم
بنفسه علي من يواجهه، ويحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين ،
كما ثبت أنه صلي الله عليه وسلم بعث فتي إلي رجل مريض، فلما أتاه قال: إن
رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرئك السلام ... الحديث.
وكان صلي الله عليه وسلم يتحمل السلام لمن يبلغه إليه، فعند البخاري ومسلم
أن
جبريل عليه السلام نزل من السماء، فأتت خديجة رضي الله عنها، فقال جبريل
عليه السلام : (( يا رسول الله، هذه خديجة أتتك بالطعام فأقرأ عليها
السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب))
وقد بلغ كذلك صلي الله عليه وسلم السلام لعائشة أم المؤمنين من جبريل
(متفق عليه
).
وينتهي السلام علي الصحيح عند
قول(( وبركاته)) كما روي ذلك أبو داود والترمزي بسند قوي، وقد زاد بعضهم
(( ومغفرته)). ولكن هذه الزيادة ضعيفة، ذكرها أبو داود في حديث لا يثبت.
وكان عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري والترمزي والحاكم عن أنس
أنه
إذا سلم ثلاثاً ، ولعل هذا كان هدية صلي الله عليه وسلم في السلام علي
الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، إن ظن أن الأول لم يحصل به
الإسماع ، كما بينت ذلك
رواية الحاكم
وقد ورد في السنة: أن الرسول
صلي الله عليه وسلم ذهب يزور سعد بن عبادة ، فأتى الباب فقال: (( السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته، فسمعه سعد فرد في نفسه ، ولم يرفع صوته! فذهب
صلي الله عليه وسلم فلحقه سعد بن عبادة، وقال ك يا رسول الله، والله ما
سلمت من سلام إلا سمعتك، وقد رددت في نفسي، لكن أردت أن تزيدنا من السلام،
فقال عليه الصلاة والسلام: السلام عليكم أهل البيت ورحمته، إنه حميد
مجيد)).
4- السلام علي النساء:
ورد عند الترمزي وأبي داود وابن ماجة والبخاري في الأدب المفرد
أن
الرسول صلي الله عليه وسلم مر يوماً بجماعة من النسوة فألوى بيده بالتسليم
جماعة من النسوة كن في طرف الطريق وهو مار صلي الله عليه وسلم فالتفت
إليهن وقال : السلام عليكن ورجمة الله وبركاته. وهذا خلقه عليه الصلاة
والسلام؛ لأنه رسول للرجال والنساء جميعاً.
قال بعض أهل العلم: إذا انتفت
الموانع، وأمنت الفتنة فيجوز السلام علي النساء، كالعجوز الكبيرة مثلاً ،
فإن عليك أن تسلم عليها وتصحبها، وتسألها عن حالها، كما فعل الصحابة رضي
الله عنهم ، فقد كانوا ـ كما في حديث سهل بن سعد عند البخاري ـ يصلون
الجمعة ثم يأتون إلي عجوز في طريقهم فيسلمون عليها، وهذا مرغوب فيه من باب
الرحمة بالكبير من المسلمين الطاعنين في السن، وهذا مما حث عليه الإسلام
في كثير من النصوص، وقد ذهب الإمام ابن القيم إلي ذلك في زاد المعاد.
من آداب السلام:
صح عنه عليه الصلاة والسلام عند البخاري ومسلم والترمزي أنه قال :(( يسلم الصغير علي الكبير ، والمار علي القاعد، والراكب علي الماشي، والقليل علي الكثير)).
*الصغير يسلم علي الكبير:
فقوله صلي الله عليه وسلم: (( يسلم الصغير علي الكبير)) لحكمة، فإن الكبير
له حق الوقار فيبدؤه الصغير بالسلام، فأنت إذا لقيت برجل أكبر منك سناً،
فالواجب عليك أن تبدأه بالسلام لتشعره باحترامك له وتقديرك لكبره، ولو
بدأك هو بالسلام فهو أفضل منك بلا شك. فصغير السن يبدأ بالسم علي
الكبير، ويقاس علي ذلك أنه يبدأ العالم، والشيخ الجليل، وعلي من له مكانة
ووجاهة، وعلي من له بلاء حسن، أو منزلة في الإسلام، فيبدأ كل هؤلاء
بالسلام.
*المار
يسلم علي القاعد: وأما قوله صلي الله عليه وسلم : (( المار علي القاعد)).
فالواجب علي الماشي أن يبدأ القاعد بالسلام، لا كما يفعل بعض الناس فهم
دائماً ينتظرون من يبدأهم بالسلام ، لا كما فعل بعض الناس فهم دائماً
ينتظرون من يبدأهم بالسلام علي أي حال؛ سواء كان راكباً أو ماراً، أو
قاعداً، وهذا خطأ ويخشى علي صاحبه من الكبر، فلابد من معرفة السنة في هذا
الأمر، والالتزام بها كما جاءت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فالمار
هو الذي يبدأ الجلوس بالسلام، لأنه هو الطارئ علي المكان، وفي الغالب يكون
وحده، بينما يكون الجلوس جماعة.
*الراكب
يسلم علي الماشي: وأما قلوه صلي الله عليه وسلم : (( والراكب علي الماشى))
فإن الراكب يسلم علي الماشي، ويبدؤه بالسلام، فراكب السيارة ـ مثلاً ت
يسلم علي من يمش، وكذلك راكب الدابة، ونحو ذلك ، وقد ذكر بعض الشراح ـ كما
في فتح الباري ـ لطائف منها قولهم: إن الراكب يشعر بزهو دائماًن فألزمه
الإسلام بالسلام علي الماشي تواضعاً وخفضاً للجناح، حتى لا يتطرق الكبر
إلي صدره.*القليل يسلم علي الكثير: وقال صلي الله عليه وسلم(
والقليل علي الكثير)) . فإذا مر الواحد علي الجماعة فالواجب أن يبدأ هو
بالسلام، وإذا مر الخمسة علي العشرة سلم الخمسة علي العشرة، ولم يسلم
العشرة علي الخمسة. و(( يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم)). كما عند أبي داود وله شاهد يحسنه عند مالك في الموطأ. وورد عند الترمزي أنه صلي الله عليه وسلم قال
: (( يسلم الماشي علي القائم)).
فهذه آدابه صلي الله عليه وسلم وهذه تعاليمه وحكمه ولطائفة، فإنه لم يترك خيراً إلا وحثنا علي فعله، ولم يترك شراً إلا وحذرنا منه.
فضل البدء بالسلام:
جاء عند ابن حبان والبراز عن جابر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم
:(( ليسلم الراكب علي الماشي، والماشي علي القاعد، والماشيان أيهما بدأ هو أفضل)).
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح
ك (( إن أولي الناس بالله من بدأهم بالسلام)).
والمعني :
أن أقرب الناس إلي الله ـ عز
وجل ـ وأكثرهم ولاية وحباً وزلفي إلي الله، الذي يبدا المسلمين بالسلام،
وكانت هذه عادة أخيار الصحابة والتابعين أنهم يبدون غيرهم بالسلام.
وورد عنه عليه الصلاة والسلام كما عند ابن السني،
قال: (( السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه
)).
ومعني الحديث
أنه لا يبدأ أحد في سؤال ولا في كلام حتى يسلم، فإذا سلم بدأ في سؤاله وموضوعه.
وعند الترمذي وأبي داود وأحمد بسند صحيح عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ
((أول
ما يحلب عند الولادة)، وجداية ( الصغير من الظباء)، وضغابيس ( صغار
القثاء) إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، والنبي صلي الله عليه وسلم بأعلى
الوادي، قال: (( فدخلت عليه، ولم اسلم، ولم استذان، فقال النبي صلي الله
عليه وسلم : (0أرجع فقل : السلام عليكم،أأدخل؟)).
أمة امية.. (هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ
كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ
) (الجمعة:2)
بعث الله في هذه الأمة هذا الرسول صلي الله عليه وسلم؛ ليزكيها ويفقهها في دينها، ويعلمها الآداب الرفيعة والأخلاق العالية.
والشاهد في حديث كلدة: أن البدء بالسلام يكون قبل الدخول ، وقبل الكلام ، وقبل أي شيء
وكان
صلي الله عليه وسلم كما في سنن أبى داود من حديث عبد الله بن بسر، إذا أتى
باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر،
فيقول: (( السلام عليكم ، السلام عليكم)) حديث حسن.
وكان من
هديه عليه الصلاة والسلام أنه يبدأ من لقيه بالسلام. وكان يحرص علي ذلك،
خلافاً للمتكبرين، فإنهم يتحرون أن يبدأهم الناس بالسلام.
وابتداء
السلام بلفظ: (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته))، ويرد الراد (( وعليكم
السلام)) بالواو. وقد أتثبتها النووي وابن القيم، وهي اجمل وأحسن من لفظ :
(( عليكم السلام)).
ويكره أن
يقول المبتدئ : (( عليكم السلام))، قال أبو جري الهجيمي كما عند أبي داود
والترمذي وأحمد بسند صحيح : أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فقلتك عليك
السلام يا رسول الله، فقال(( لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية
الموتى)).
فعلينا تجنب قول: (( عليك السلام)) فإنهم كانوا يحيون موتاهم بذلك، كما قال الشاعر لما مر بقبر قيس بن عاصم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يتزحما
تحية من ألبسته منك نعمة
إذا زار عن شحط بلادك سلما
وما كان قيس موته موت واحد
ولكنه بنيان قوم تهدمـــا
فبدأ بالجار والمجرور لأنه ميت.
فكره النبي صلي الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك لم يرد علي المسلم بها.
3-آداب السلام في المجالس:
قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود والترمذي وأحمد والبخاري في الدب المفرد والحميدي وابن حبان بسند حسنك
(( إذا قعد أحدكم فليسلم النبي صلي الله عليه وسلم وإذا قام فيسلم، وليست الأولي أحق من الآخرة)).
والمعني
: إذا أردت أن تودع إخوانك
وأصحابك عليك أن تسلم فتقول وأنت تغادر المكان والمجلس: السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته، وهذه سنة غفل كثير من المسلمين عنها، حتى تجد الكثير
يقول: في أمان الله، أو استودعكم الله، ويترك هذه السنة العظيمة التي نص
عليها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام!
وعند أبي داود بسندين أحدهما مرفوع وسنده صحيح، والآخر موقوف وسنده ضعيف عنه صلي الله عليه وسلم
(( إذا لقي أحدكم صاحبه فيسلم عليه، فإن حال بينهما شجرة أو جدار، ثم لقيه فيسلم عليه أيضاً)).
وقد ورد هذا من عمل الصحابة عند الطبراني في الأوسط، وابن السني، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، عن أنس رضي الله عنه قال: (( كان
أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا استقبلتهم شجرة أو
أكمة تفرقوا يميناً وشمالاً، وإذا التقوا من روائها سلم بعض علي بعض
)) سنده حسن.
ويقاس علي هذا الداخل والخارج في المجلس، فإنه يسلم كلما دخل أو خرج ، وهذا فعل حسن يثاب فاعله.
4- آداب السلام عند دخول المسجد:
قال ابن القيم ـ يرحمه الله
ـ : (( ون هديه صلي الله عليه وسلم أن الداخل إلي المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ، ثم يجئ فيسلم علي القوم)).
واستدل ـ رحمه الله ـ بحديث رفاعة في المسيء صلاته أنه صلي ثم أتي فسلم فقال له صلي الله عليه وسلم
: (( وعليك ، فأرجع فصل فإنك لم تصل))
]الحديث
وهذا رأيه ـ يرحمه الله ـ ولكن
ليس هناك دليل علي أن الرجل لم يسلم أول ما دخل المسجد، ثم إنه قد يكون
بعيداً في طرف المسجد فابتدأ بالصلاة أولاً ثم جاء فسلم.
والأقرب أنه إذا دخل المسلم المسجد أن يسلم علي إخوانه المسلمين ، ثم يصلي ركعتين.
وإذا سلم عليك مسلم وأنت في
الصلاة ـ نافلة كانت أو فريضة ـ فإن السنة في ذلك كما صح عند مسلم وغيره،
أن تبسط يدك فتجعل باطنها إلي الأرض، وظاهرها إلي اتجاه وجهك، ولا تقل
بلسانك وأنت في الصلاة : وعليكم السلام.
وبعض أهل العلم يقول: تشير بسبابتك، ولكن بسط الكف أولي عند أهل العلم ، وهو القول الراجح.