يعتبر فن التطريز من الفنون الشعبية الفلسطينية التي تحولت عبر التاريخ إلى حرفة وتطورت لتصبح مورد رزق لفئة كبيرة من النساء في فلسطين حيث توفرت فيها خصائص تتلاءم مع البيئة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني. وقد رافق هذا التطور ابتكار نماذج جديدة ذات قيم جمالية عالية مستوحاة من أصالة هذه الحرفة .
والملاحظ في حرفة التطريز هو ازدياد الاهتمام بها على الرغم من التطور الحضاري الذي دخل حياتنا المعاصرة، بل إن المدخلات العصرية أدت إلى تعدد استخدامات هذه الحرفة في الحياة اليومية، وانتشارها خاصة أنها لا تتطلب معدات معقدة ولا يتقيد الإنجاز فيها بمكان ولا زمان محدد.
التطريز الفلاحي فهو تراث حاول الاحتلال الإسرائيلي على مر الأزمان السابقة النيل منه وطمس معالمه بشتى الطرق والوسائل، ليس بداية بمنع دخول المواد الخام التي تستخدم في المشغولات اليدوية، ولا نهاية بمنع تسويق المشغولات اليدوية لـ"التطريز الفلاحي"، وبالرغم من ذلك بقي التراث الفلسطيني صامداً أبياً على الانكسار والاندثار حيث ورثته الأم لابنتها فبات الحفاظ عليه شغلها الشاغل بخيوطها الحريرية وإبرها الخاصة تشغل قطعاً غاية في الجمال والروعة تزين بها جنبات منزلها المتواضع لتضفى عليه شيئاً من السحر والجمال الأخاذ..
يعتبر التطريز جزءاً مهماً من حياة المرأة في القرية الفلسطينية. وهو فن شعبي ترثه المرأة وتنقله إلى بناتها وللأجيال القادمة من بعدها، وتستعمله لتزيين ثوبها التقليدي والكماليات الأخرى للباسها ولترتيب بيتها. ويلاحظ أن التطريز برسوماته وأنواعه قد خضع لتغيرات أساسية مع مرور الزمن، إذ نجد في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أن الأنماط والرسومات التطريزية كانت هندسية الشكل في المقام الأول.
أما في الثلاثينات فقد ظهرت مؤثرات جديدة غيّرت في خصوصية التطريز التقليدي، مثل خيطان التطريز المصنعة في أوروبا التي صحبتها الكتيّبات الخاصة بالتطريز الغربي. ووجدت كل أشكال التطريز الغربي طريقها إلى الأسواق الفلسطينية. فتسربت الرسومات الغربية مثل الأزهار والطيور والحيوانات إلى أثواب النساء التقليدية. وقد بان جلياً في الخمسينات واستمر إلى يومنا هذا
ويقال إنه كان بإمكان من يتواجد في سوق من الأسواق القديمة، حيث تتجمع النسوة من جميع أنحاء فلسطين، أن يميز المناطق التي تنتمي إليها بمجرد النظر إلى أثوابهن. وعلاوة على ذلك، فإن النسوة أنفسهم كن يذهبن إلى أبعد من ذلك. فقد كن لا يميزن المناطق المختلفة فقط، بل تتعداها معرفتهم إلى التمييز بين قرية وأخرى بعد أن يتفحصن الرسومات والوحدات التطريزية وطريقة تنسيقها على الثوب. وهذه الوحدات هي المؤشر الهام لهوية القرية. فالمرأة تعرف هذه الرسومات جيداً، وترث هذه المعلومات من أمها وجدتها، إذ انها تبدأ بتعلم فن التطريز من سن مبكرة حالماً تتمكن من الإمساك بالإبرة. وتنغرس فيها منذ طفولتها ضرورة نقل رسومات قريتها على أثوابها