بقول صاحب القصه
بعد يومين من الهجوم الاسرائيلى الغادرعلى غزه المحاصره لم اعد
أرى زميلتي القطرية في العمل, مريم في مكتبها، وعرفت فيما بعد أنها مريضة وقد أرسلت لي رسالة تحدثت فيها عن الليلة التي تلت اليوم الأول من الهجوم قائلة: " ليلة فر فيها النوم من العين فرار الأبطال من أرض المعركة، وجمدت العين على صورة واحدة تتكرر طول الليل تأبى أن تمحيها، ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة، ومهما حاول اللسان أن يهدئ العين بالتهليل والتسبيح والصلاة على النبي، هيهات هيهات وقلة النوم والأرق وتتابعه أوهن الجسد فمرض وربض في الفراش لأيام من شدة وقع المصاب... وقلة الحيلة .. بل وحتى التفكير الصائب مع أن النصائح والوصايا بكيفية التحرك للنصرة لم تبخل بها ألسنة الوعاظ وأرباب العمل الخيري.."
في الحقيقة وجدت أنه ليست مريم هي الوحيدة التي تأثرت بما يجري في غزة بل كل واحد من حولي له قصة خلال 13 يوم مضت على محرقة غزة، تغير فيها كثير من عاداته اليومية وطريقة تعامله وروتينه المعهود.
سامية فلسطينة من غزة وتعيش في قطر وأم لأربع أطفال تقول: " أعتبر أحداث غزة بالنسبة لي كحلم بل كابوس مزعج أيقظني على وضع أمة مرهق ؛ ففي يوم القصف المشئوم كنت مشغولة كعادتي بأولادي وبيتي وقد اعتاد أولادي مشاهدة قنوات الأقصى؛ طيور الجنة او الجزيرة للأطفال وما عداهما من قنوات الأطفال كانت ملغاة تماما، ثم فجأة وفي لحظة تغيرت حياتنا 180 درجة فأصبحنا لا نفارق قناة الأقصى والجزيرة الإخبارية وما عداهما هدر للوقت وخيانة في حق إخواني وأهلي في فلسطين."
وتتحدث سامية التي فقدت أحد أقاربها الذي استشهد في اليوم الأول من الهجوم وترك طفلين يتيمين وزوجته وراءه، تتحدث عن التغيير الذي شهدته علاقاتها الإجتماعية بعد أحداث غزة:" ".. الزيارات فقد انقطعت عنها تقريبا بسبب جلوسي الدائم أمام التلفاز وإذا قمنا بالزيارات فنلتف جميعا حول أجهزة التليفزيون ونبدأ بتحليلاتنا السياسية الخاصة".
وعن أولادها الذين يشاركون والدتهم همومها الغزواية تقول سامية:" على مستوى أطفالي تعود أن يناديني ابني محمد كلما ظهرت كلمة ( عاجل ) على الشاشة ؛ كما تعود فارس على قراءة العناوين الجانبية عندما أكون مشغولة ؛ أما سارة فأصبحت محللة إخبارية لوقائع وأحداث بلدها ؛ كما أنني يوميا لابد لي من الحديث عبر الهاتف مع أقربائي في غزة للاطمئنان على أحوالهم التي لا تسر حبيب بل تسر كل عدو."
كثيرون من حولي أكدوا بأنهم لم يعودوا يستمعون إلى الموسيقى أو أشرطة محاضرات أثناء قيادتهم للسيارات منذ الهجوم على غزة ويتابعون أخبارها عبر الإذاعات، وأما في البيوت فقناة الجزيرة وبقية القنوات الإخبارية هي التي تسيطر على المشاهدة عوضا عن المسلسات والأفلام وبرامج أخرى.
وتقول منى وهي موظفة فلسطينة تعيش في قطر: " كنت في صدمة بالأيام الأولى ، ولكني بفضل الله تمالكت نفسي ، واخذت على نفسي عهدا ألا أجعل للهزيمة مكانا في قلبي. أعترف بأن حياتي تأثرت كثيرا بالأحداث ، لا أنفك عن التنقل بين قناتي الأقصى والجزيرة ، ما عدت راغبة بالتواصل مع العالم المحيط بأي أمر آخر, وأحاول بشتى الطرق التي استطيعها ان اكون إيجابية في المشاركة بنصرة اخوتي هناك