تعليقات الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في سير أعلام النبلاء على كلام المترجم لهم فيه؛
وذلك لما تحتويه هذه التعليقات على نفائس تجلي لنا عبقرية هذا الرجل الفذّ رحمه الله..
(ترجمة سعيد بن زيد رضي الله عنه)
قال الذهبي:
قلت: لم يكن سعيد متأخرًا عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة، وإنما تركه
عمر رضي الله عنه لئلا يبقى له فيه شائبة حظ، لأنه ختنه وابن عمه، ولو ذكره في
أهل الشورى لقال الرافضي: حابى ابن عمه. فأخرج منها ولده وعصبته.
فكذلك فليكن العمل لله. اهـ
(2)
(ترجمة سعد بم معاذ رضي الله عنه)
عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه قال: لما انتهوا إلى قبر سعد، نزل فيه أربعة:
الحارث بن أوس، وأسيد بن الحضير، وأبو نائلة سلكان، وسلمة بن سلامة بن وقش، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم واقف، فلما وضع في قبره، تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وسبح ثلاثًا، فسبح المسلمون حتى ارتج البقيع، ثم كبر ثلاثًا، وكبر المسلمون، فسئل عن ذلك،
فقال: (تضايق على صاحبكم القبر، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا هو، ثم فرج الله عنه)
قال الذهبي:
قلت: هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده
وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه،
وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار،
ونحو ذلك.
فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد
التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه.
قال الله تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة} وقال: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر}
فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي.
ومع هذه الهزات، فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء، رضي الله عنه.
كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم، ولا خوف، سل ربك
العافية، وأن يحشرنا في زمرة سعد. اهـ
(3)
(ترجمة خالد بن الوليد رضي الله عنه)
قال قيس بن أبي حازم: سمعت خالدًا يقول: منعني الجهاد كثيرًا من القراءة (قراءة القرآن)
ورأيته أتي بسم، فقال: ما هذا؟ قالوا: سم، قال: باسم الله وشربه.
قال الذهبي:
قلت: هذه والله الكرامة، وهذه الشجاعة. اهـ
(4)
(ترجمة أبي الدرداء رضي الله عنه)
روى الأعمش عن خيثمة: قال أبو الدرداء: "كنت تاجرًا قبل المبعث، فلما جاء الإسلام، جمعت
التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة، ولزمت العبادة".
قال الذهبي:
قلت: الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد، وهذا الذي قاله هو طريق جماعة من السلف
والصوفية، ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف في ذلك، فبعضهم يقوى على الجمع، كالصديق،
و عبدالرحمن بن عوف، وكما كان ابن المبارك; وبعضهم يعجز، ويقتصر على العبادة،
وبعضهم يقوى في بدايته، ثم يعجز، وبالعكس; وكل سائغ.
ولكن لا بد من النهضة بحقوق الزوجة والعيال. اهـ
(5)
(ترجمة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه)
قال الذهبي:
قلت: قد كان أبو موسى صوامًا قوامًا ربانيًا زاهدًا عابدًا، ممن جمع العلم والعمل
والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيره الإمارة، ولا اغتر بالدنيا. اهـ
(6)
(ترجمة بريدة رضي الله عنه)
وروى مقاتل بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه، قال: "شهدت خيبر، وكنت فيمن صعد الثلمة،
فقاتلت حتى رثي مكاني، وعلي ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنبًا أعظم
علي منه" أي: الشهرة.
قال الذهبي:
قلت: بلى، جهال زماننا يعدون اليوم مثل هذا العمل من أعظم الجهاد; وبكل حال فالأعمال
بالنيات، ولعل بريدة رضي الله عنه بإزرائه على نفسه، يصير له عمله ذلك طاعة وجهادا!
وكذلك يقع في العمل الصالح، ربما افتخر به الغر ونوه به فيتحول إلى ديوان الرياء.
اهـ
البقية تاتي ان شاء الله