أهمية الوقف والابتداء في كتاب الله تعالى
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن علم الوقف والابتداء من الموضوعات التي لابد لقارئ القرآن الكريم أن يعرفها ويتدبر قواعدها؛ إذ بها يعرف المراد من الكلام، ويتبين المغزى من فصيح اللسان ، ويتيسر على السامع فَهْمُ ما يتلى عليه من آيات وأحكام، وبه تعرف المنازل التي يصح أن يقف عليها القارئ الهُمام.
فالوقف في اللغة: يطلق ويراد به معان منها:
- الحبس، يقال وقف الأرض أو الدار على المساكين، أو للمساكين وقفا أي: حبسها.
- الكفّ يقال: وقفت الشمس، والفرس عن السير،إذا كَفَّا عنه وأمسكا( )
والوقف والقطع والسكت ألفاظ لمعان متقاربة لغة وكذا الابتداء، والاستئناف والائتناف، ثم صارت مصطلحات لعلم له أصوله( )
أما الابتداء: فهو ضد الوقف، بدأت الشيء فعلته ابتدءا، والبدء فعل الشيء أولا( )
وفي الاصطلاح: هو فن جليل يعرف به كيفية أداء القراءة بالوقف على المواضع التي نص عليها القراء لإتمام المعاني، ولابتداء بمواضع محددة لا تختل فيها المعاني( )
وعرفه بعضهم بقوله: علم تعرف به المواضع التي يجب على قارئ القرآن أن يقف عليها وقفا جائزا أو واجبا أو قبيحاً( ).
فعلم الوقف والابتداء ضرب من ضروب أصول القراءة، وبيان حسن الأداء وجمال السماع والإصغاء، اهتمَّ به العلماء ونص على تعلّمه أئمة الأداء، قال الإمام ابن الأنباري (ت328 ﻫ): «.. ومن تمام معرفة إعراب القرآن ومعانيه وغريبه معرفة الوقف والابتداء فيه، فينبغي للقارئ أن يعرف الوقف التام، والوقف الكافي، الذي ليس بتام، والوقف القبيح الذي ليس بتام ولا كاف...»( ).
وقال الإمام النحاس (ت338 ﻫ) : « ...فقد صار في معرفة الوقف والائتناف التفريق بين المعاني، فينبغي لقارئ القرآن إذا قرأ أن يتفهم ما يقرؤه، ويشغل قلبه به، ويتفقد القطع والائتناف، ويحرص على أن يُفهم المستمعين في الصلاة وغيرها.. »( )
فمعرفة ما يتم الوقف عليه، وما يحسُن وما يقبُح من أجلِّ أدوات القراء المحققين، والأئمة المتصدرين، وذلك مما تلزم معرفته الطالبين، وسائر التالين؛ إذ هو قطب التجويد، وبه يوصل إلى نهاية التحقيق ( ) .
وقال الإمام النكزاوي (ت683ﻫ) :« باب الوقف عظيم القدر، جليل الخطر؛ لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن، ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل»( )
فالوقف حلية التلاوة وزينة القارئ وبلاغ التالي، وفهم للمستمع وشرف للعالم، وبه يعرف المعنيين المختلفين والقضيتين المتنافيتين والحكمين المتغايرين( )
وقد صح، بل تواتر عند العلماء تعلمه، والاعتناء به من السلف الصالح، وكلامهم في ذلك معروف ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب( ).
ولقد دلت النصوص والآثار على سنية تعلم الوقوف، والأصل في هذا ما رواه ابن أبي مليكه عن أم سلمة-رضي اللّه عنها- حيث سئلت عن قراءة النبي قالت:كان رسول اللّه يقطع قراءته، يقول (الحمد للّه رب العالمين) ثم يقف (الرحمن الرحيم) ثم يقف، وكان يقرأ (ملك يوم الدين) وفي رواية أخرى قالت: كان يقطع قراءته آية آية( )
وعن عديّ بن حاتم أن رجلا خطب عند النبيّ فقال:من يطع اللّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما، فقال رسول اللّه : قم واذهب بئسن الخطيب أنت قل: ومن يعص اللّه ورسوله فقد غوى( )
فإذا كان هذا مكروها في الخطب وفي الكلام الذي يكلم به بعض الناس بعضا، كان في كتاب اللّه جلّ وعزّ أشدّ كراهية، وكان المنع من رسول اللّه في الكلام بذلك أوكد( )
وعن أبي بكرة أن جبريل أتى النبيّ فقال: اقرأ القرآن على حرف، فاستزاده النبيّ فزاده حتى بلغ سبعة أحرف كلها شاف كاف ،مالم تختم آية رحمة بعذاب، أو عذاب بمغفرة ( )
فهذا تعليم الوقف من رسول اللّه عن جبريل ؛ إذ ظاهر ذلك أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار، والعقاب وتفصل مما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب، وكذلك يلزم أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة والثواب، وتفصل مما بعدها أيضا إذا كان بعدها ذكر النار والعقاب( )
وحكي عن عليّ في قوله تعالى(ورتل القرآن ترتيلا) أنه قال عن معنى الترتيل: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف( ) ،وعن ابن عمر قال:"لقد عشنا برهة من الدهر وإنّ أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن،وتنزل السورة على محمد فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه ينشره نشر الدقل( )
قال الحافظ ابن الجزري(ت833 ﻫ) في النشر:«..ففي كلام عليّ دليل على وجوب تعلمه ومعرفته، وفي كلام ابن عمر برهان على أنّ تعلمه إجماع من الصحابة عنهم، وصحّ بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح »( )
وقال الإمام النحاس (ت338 ﻫ) :«.. فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون التمام كما يتعلمون القرآن ..ويدل على أنّ ذلك إجماع من الصحابة»( )
ففي معرفة الوقف والابتداء الذي دونه العلماء، تبيين معاني القرآن العظيم، وتعريف مقاصده، وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفوائده( )
والذي يلزم القراء أن يتجنبوا الوقف عليه أن لا يفصلوا بين العامل، وما عمل فيه كالفعل وما عمل فيه من فاعل ومفعول، وحال وظرف ومصدر، ولا يفصلوا بين الشرط وجزائه ولا بين الأمر وجوابه ولا بين الابتداء وخبره، ولا بين الصلة والموصول، ولا بين الصفة والموصوف، ولا بين البدل والمبدل منه، ولا بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا يقطع على المؤكّد دون التوكيد، ولا على المضاف دون المضاف إليه، ولا على شيء من حروف المعاني دون ما بعدها ( )
ولأهمية هذا العلم اشترط كثير من العلماء على المجيز ألا يجيز أحدا، إلا بعد معرفته الوقف والابتداء( )
فبإحسان الوقف تتبدَّى للسامع فوائده الوافرة، ومعانيه الفائقة، وتتجلّى للمنتجع مقاصده الباهرة ومناحيه الرائقة، التي لم تستَعِن العرب على فهمها بمادة خارجة عنها، بل فهمته بفضل طباعها التي بها نُزّل القرآن وعليها فُصّل( ).
وقال الشيخ محمد بن يالوشه التونسي الأندلسي:« معرفة الوقف والابتداء متأكدة غاية التأكيد ؛ إذ لا يتبين معنى كلام اللّه ويتمّ على أكمل وجه إلا بذلك، فرب قارئ يقرأ ويقف قبل تمام المعنى، فلا يفهم هو ما يقول، ولا يفهمه السامع بل ربما يفهم من ذلك غير المعنى المراد، وهذا فساد عظيم»( ).
كتبه/ أبو عبد العاصمي
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن علم الوقف والابتداء من الموضوعات التي لابد لقارئ القرآن الكريم أن يعرفها ويتدبر قواعدها؛ إذ بها يعرف المراد من الكلام، ويتبين المغزى من فصيح اللسان ، ويتيسر على السامع فَهْمُ ما يتلى عليه من آيات وأحكام، وبه تعرف المنازل التي يصح أن يقف عليها القارئ الهُمام.
فالوقف في اللغة: يطلق ويراد به معان منها:
- الحبس، يقال وقف الأرض أو الدار على المساكين، أو للمساكين وقفا أي: حبسها.
- الكفّ يقال: وقفت الشمس، والفرس عن السير،إذا كَفَّا عنه وأمسكا( )
والوقف والقطع والسكت ألفاظ لمعان متقاربة لغة وكذا الابتداء، والاستئناف والائتناف، ثم صارت مصطلحات لعلم له أصوله( )
أما الابتداء: فهو ضد الوقف، بدأت الشيء فعلته ابتدءا، والبدء فعل الشيء أولا( )
وفي الاصطلاح: هو فن جليل يعرف به كيفية أداء القراءة بالوقف على المواضع التي نص عليها القراء لإتمام المعاني، ولابتداء بمواضع محددة لا تختل فيها المعاني( )
وعرفه بعضهم بقوله: علم تعرف به المواضع التي يجب على قارئ القرآن أن يقف عليها وقفا جائزا أو واجبا أو قبيحاً( ).
فعلم الوقف والابتداء ضرب من ضروب أصول القراءة، وبيان حسن الأداء وجمال السماع والإصغاء، اهتمَّ به العلماء ونص على تعلّمه أئمة الأداء، قال الإمام ابن الأنباري (ت328 ﻫ): «.. ومن تمام معرفة إعراب القرآن ومعانيه وغريبه معرفة الوقف والابتداء فيه، فينبغي للقارئ أن يعرف الوقف التام، والوقف الكافي، الذي ليس بتام، والوقف القبيح الذي ليس بتام ولا كاف...»( ).
وقال الإمام النحاس (ت338 ﻫ) : « ...فقد صار في معرفة الوقف والائتناف التفريق بين المعاني، فينبغي لقارئ القرآن إذا قرأ أن يتفهم ما يقرؤه، ويشغل قلبه به، ويتفقد القطع والائتناف، ويحرص على أن يُفهم المستمعين في الصلاة وغيرها.. »( )
فمعرفة ما يتم الوقف عليه، وما يحسُن وما يقبُح من أجلِّ أدوات القراء المحققين، والأئمة المتصدرين، وذلك مما تلزم معرفته الطالبين، وسائر التالين؛ إذ هو قطب التجويد، وبه يوصل إلى نهاية التحقيق ( ) .
وقال الإمام النكزاوي (ت683ﻫ) :« باب الوقف عظيم القدر، جليل الخطر؛ لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن، ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل»( )
فالوقف حلية التلاوة وزينة القارئ وبلاغ التالي، وفهم للمستمع وشرف للعالم، وبه يعرف المعنيين المختلفين والقضيتين المتنافيتين والحكمين المتغايرين( )
وقد صح، بل تواتر عند العلماء تعلمه، والاعتناء به من السلف الصالح، وكلامهم في ذلك معروف ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب( ).
ولقد دلت النصوص والآثار على سنية تعلم الوقوف، والأصل في هذا ما رواه ابن أبي مليكه عن أم سلمة-رضي اللّه عنها- حيث سئلت عن قراءة النبي قالت:كان رسول اللّه يقطع قراءته، يقول (الحمد للّه رب العالمين) ثم يقف (الرحمن الرحيم) ثم يقف، وكان يقرأ (ملك يوم الدين) وفي رواية أخرى قالت: كان يقطع قراءته آية آية( )
وعن عديّ بن حاتم أن رجلا خطب عند النبيّ فقال:من يطع اللّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما، فقال رسول اللّه : قم واذهب بئسن الخطيب أنت قل: ومن يعص اللّه ورسوله فقد غوى( )
فإذا كان هذا مكروها في الخطب وفي الكلام الذي يكلم به بعض الناس بعضا، كان في كتاب اللّه جلّ وعزّ أشدّ كراهية، وكان المنع من رسول اللّه في الكلام بذلك أوكد( )
وعن أبي بكرة أن جبريل أتى النبيّ فقال: اقرأ القرآن على حرف، فاستزاده النبيّ فزاده حتى بلغ سبعة أحرف كلها شاف كاف ،مالم تختم آية رحمة بعذاب، أو عذاب بمغفرة ( )
فهذا تعليم الوقف من رسول اللّه عن جبريل ؛ إذ ظاهر ذلك أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار، والعقاب وتفصل مما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب، وكذلك يلزم أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة والثواب، وتفصل مما بعدها أيضا إذا كان بعدها ذكر النار والعقاب( )
وحكي عن عليّ في قوله تعالى(ورتل القرآن ترتيلا) أنه قال عن معنى الترتيل: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف( ) ،وعن ابن عمر قال:"لقد عشنا برهة من الدهر وإنّ أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن،وتنزل السورة على محمد فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه ينشره نشر الدقل( )
قال الحافظ ابن الجزري(ت833 ﻫ) في النشر:«..ففي كلام عليّ دليل على وجوب تعلمه ومعرفته، وفي كلام ابن عمر برهان على أنّ تعلمه إجماع من الصحابة عنهم، وصحّ بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح »( )
وقال الإمام النحاس (ت338 ﻫ) :«.. فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون التمام كما يتعلمون القرآن ..ويدل على أنّ ذلك إجماع من الصحابة»( )
ففي معرفة الوقف والابتداء الذي دونه العلماء، تبيين معاني القرآن العظيم، وتعريف مقاصده، وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفوائده( )
والذي يلزم القراء أن يتجنبوا الوقف عليه أن لا يفصلوا بين العامل، وما عمل فيه كالفعل وما عمل فيه من فاعل ومفعول، وحال وظرف ومصدر، ولا يفصلوا بين الشرط وجزائه ولا بين الأمر وجوابه ولا بين الابتداء وخبره، ولا بين الصلة والموصول، ولا بين الصفة والموصوف، ولا بين البدل والمبدل منه، ولا بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا يقطع على المؤكّد دون التوكيد، ولا على المضاف دون المضاف إليه، ولا على شيء من حروف المعاني دون ما بعدها ( )
ولأهمية هذا العلم اشترط كثير من العلماء على المجيز ألا يجيز أحدا، إلا بعد معرفته الوقف والابتداء( )
فبإحسان الوقف تتبدَّى للسامع فوائده الوافرة، ومعانيه الفائقة، وتتجلّى للمنتجع مقاصده الباهرة ومناحيه الرائقة، التي لم تستَعِن العرب على فهمها بمادة خارجة عنها، بل فهمته بفضل طباعها التي بها نُزّل القرآن وعليها فُصّل( ).
وقال الشيخ محمد بن يالوشه التونسي الأندلسي:« معرفة الوقف والابتداء متأكدة غاية التأكيد ؛ إذ لا يتبين معنى كلام اللّه ويتمّ على أكمل وجه إلا بذلك، فرب قارئ يقرأ ويقف قبل تمام المعنى، فلا يفهم هو ما يقول، ولا يفهمه السامع بل ربما يفهم من ذلك غير المعنى المراد، وهذا فساد عظيم»( ).
كتبه/ أبو عبد العاصمي