السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الوقف القبيح
هداية القاري إلى تجويد كلام الباري لعبد الفتاح السيد عجمي المرصفي
وهو الوقف على كلام لم يتم معناه لتعلقه بما بعده لفظًا ومعنى مع عدم الفائدة، أو أفاد معنى غير مقصود، أو أوهم فساد المعنى، فهذه أنواع ثلاثة وإليكها مفصلة.
أما النوع الأول: فضابطه الوقف على العامل دون معمول ويشمل هذا الضابط صور شتى:
منها الوقف على المضاف دون المضاف إليه كالوقف على لفظ "بسم ومالك من نحو {بسم الله} و{مَـالكِ يَوْمِ الدِّينِ}، فالوقف على مثل هذا قيبح ؛ لأنه لم يعلم لأي شيء أضيف.
ومنها الوقف على المبتدأ دون خبره كالوقف على "الحمدُ" من "الحمدُ لله".
ومنها الوقف على الموصوف دون صفته كالوقف على لفظ "الصراط" من قوله تعالى: {هْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.
ومنها الوقف على الفعل دون فاعله كالوقف على لفظ "يتقبل" من قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} إلى آخر باقي المتعلقات.
فكل هذا وما ماثله لا يجوز الوقف عليه ولا الابتداء بما بعده ؛ لأنه لا يتم معه كلام ولا يفهم منه معنى فالوقف عليه قبيح كما أسلفنا.
وسمي قبيحًا لقبح الوقف عليه لعدم تمام الكلام وعدم فهم المعنى لما فيه من التعلق اللفظي والمعنوي معًا مع عدم الفائدة.
ولا يجوز للقارىء تعمد الوقف على شيء من هذه الوقوف وما شاكلها إلا لضرورة كضيق نفس أو عطاس أو عجز أو نسيان ويسمى حنيئذ وقف الضرورة، وهو مباح للقارى كما تقدم. ثم بعد ذهاب هذه الضرورة التي ألجأته إلى الوقف على هذه الكلمة يبتدىء منها ويصلها بما بعدها إن صلح الابتداء بها، وإلا فيبتدىء بما قبلها ممن يصلح البدء به إلى أن يصل إلى ما يجوز أن يقف عنده.
وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله المذكور آنفًا:
*وغيرْ ما تمَّ قبيحٌ ولهُ * يوقفُ مضطرًّا ويُبدأُ قبلَهُ اهـ*
وأما النوع الثاني: وهو الذي أفاد معنى غير مقصود لتوقف ما بعده عليه ليتم منه المعنى المراد فنحو الوقف على {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} وذلك لأنه يوهم النهي عن أداء الصلاة مطلقًا وليس كذلك، وإنما المقصود من الآية الكريمة لا تقربوا الصلاة حال كونكم سكارى حتى تعلموا ما تقولون. وهذا المعنى المقصود لا يتم إلا إذا انضم إليه ما بعده. وعليه فالوقف على {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} قبيح فيوصل بما بعده إلى أن يقف على قوله تعالى: {حَتَّى تَغْتَسِلُواْ} وهو كاف.
ومنه الوقف على لفظ "بجناحيه" في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} ؛ لأن ذلك يوهم نفي ما هو مشاهد من مخلوقات الله، وهذا لا يجوز، وإنما يكون الوقف على "أمثالكم" وهو كاف.
ومنه الوقف على لفظ "والظالمين" من قوله تعالى: {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}؛ لأنه يوهم أن الظالمين داخلون في رحمة الله وليس كذلك بل أعد لهم العذاب الأليم، فالوقف يكون على لفظ "رحمته" وهو تام.
ومنه الوقف على "والذين آمنوا" من قوله تعالى: {الذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ؛ لأنه يوهم دخول المؤمنين مع الكافرين في العذاب الشديد وليس كذلك بل أعد المغفرة والأجر الكبير للمؤمنين، أما العذاب الشديد فهو خاص بالكافرين. فالوقف يكون على قوله تعالى: "لهم عذاب شديد" وهو كاف، وذلك ليفصل بين ما أعد للفريقين من جزاء.
أو توصل الجملة الأولى بالثانية ويوقف على الفاصلة إن كانت هناك طاقة لدى القارىء بحيث يعطي الحروف حقها ومستحقها في التلاوة كما هو مقرر، وإلا فلا.
فكل هذا وما ماثله مما هو خارج عن حكم الأول في المعنى لا يجوز الوقف عليه لما تقدم باستثناء الضرورة.
وأما النوع الثالث: وهو ما أوهم فساد المعنى وفيه سوء الأدب مع الله تبارك وتعالى وهو أقبح من القبيح فنحو الوقف على لفظ الجلالة "والله" في قوله تعالى: {فَبُهِتَ الذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} فهذا لا يجوز بحال، وإنما يجوز الوقف على لفظ "كفر" أو على لفظ "الظالمين" وهو آخر الفاصلة.
ومثله الوقف على لفظ "لا يستحي" في قوله تعالى: {* إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وهذا لا يجوز بحال، وإنما يكون الوقف على "فما فوقها". ولا يخفى ما في ذلك من فساد المعنى، وسوء الأدب مما هو ظاهر لا يصح التفوه به.
وأقبح من هذا وأشنع الوقف على المنفي الذي بعده الإيجاب وفي هذا الإيجاب وصف الله تعالى أو لرسله عليهم الصلاة والسلام وذلك نحو قوله تعالى: {فَعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللَّهُ} وقوله سبحانه: {وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللَّهُ}. بأن وقف على لفظ "إله" في الآيتين، والقبح في هذا الوقف ظاهر لا يصح التفوه به أيضًا. وإنما يكون الوقف على لفظ "وللمؤمنات" في الآية الأولى وهو تام، وعلى لفظ الجلالة في الثانية وهو كاف.
ومثل ذلك الوقف على لفظ "أرسلناك" في قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} فإنه يؤدي إلى نفي رسالته ، وإنما يكون الوقف على "للعالمين" آخر الفاصلة.
ومثله الوقف على لفظ "من رسول" في قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وفي قوله سبحانه: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} فإنه يؤدي إلى نفي إرسال جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام. وإنما يكون الوقف على لفظ الجلالة في الآية الأولى، وعلى لفظ "لهم" في الآية الثانية.
فكل هذه الوقوف وما ماثلها يجب ألا يوقف على شىء منها لما تقدم إلا من ضرورة كما ذكرنا آنفًا.
فإن وقف القارىء على شيء منها أو مما شاكلها لضرورة وجب عليه أن يبتدىء بما قبل الكلمة الموقوف عليها ويصلها بما بعدها إلى أن ينتهي إلى ما يجوز أن يقف عنده، فإن لم يفعل ذلك وتعمد الوقف فقد أثم إثمًا كبيرًا وأخطأ خطأ فاحشًا، وخرق الإجماع وحاد عن إتقان القراءة وإتمام التجويد. نسأل الله تعالى التوفيق والهداية إلى أقوم طريق.
الوقف القبيح
هداية القاري إلى تجويد كلام الباري لعبد الفتاح السيد عجمي المرصفي
وهو الوقف على كلام لم يتم معناه لتعلقه بما بعده لفظًا ومعنى مع عدم الفائدة، أو أفاد معنى غير مقصود، أو أوهم فساد المعنى، فهذه أنواع ثلاثة وإليكها مفصلة.
أما النوع الأول: فضابطه الوقف على العامل دون معمول ويشمل هذا الضابط صور شتى:
منها الوقف على المضاف دون المضاف إليه كالوقف على لفظ "بسم ومالك من نحو {بسم الله} و{مَـالكِ يَوْمِ الدِّينِ}، فالوقف على مثل هذا قيبح ؛ لأنه لم يعلم لأي شيء أضيف.
ومنها الوقف على المبتدأ دون خبره كالوقف على "الحمدُ" من "الحمدُ لله".
ومنها الوقف على الموصوف دون صفته كالوقف على لفظ "الصراط" من قوله تعالى: {هْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.
ومنها الوقف على الفعل دون فاعله كالوقف على لفظ "يتقبل" من قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} إلى آخر باقي المتعلقات.
فكل هذا وما ماثله لا يجوز الوقف عليه ولا الابتداء بما بعده ؛ لأنه لا يتم معه كلام ولا يفهم منه معنى فالوقف عليه قبيح كما أسلفنا.
وسمي قبيحًا لقبح الوقف عليه لعدم تمام الكلام وعدم فهم المعنى لما فيه من التعلق اللفظي والمعنوي معًا مع عدم الفائدة.
ولا يجوز للقارىء تعمد الوقف على شيء من هذه الوقوف وما شاكلها إلا لضرورة كضيق نفس أو عطاس أو عجز أو نسيان ويسمى حنيئذ وقف الضرورة، وهو مباح للقارى كما تقدم. ثم بعد ذهاب هذه الضرورة التي ألجأته إلى الوقف على هذه الكلمة يبتدىء منها ويصلها بما بعدها إن صلح الابتداء بها، وإلا فيبتدىء بما قبلها ممن يصلح البدء به إلى أن يصل إلى ما يجوز أن يقف عنده.
وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله المذكور آنفًا:
*وغيرْ ما تمَّ قبيحٌ ولهُ * يوقفُ مضطرًّا ويُبدأُ قبلَهُ اهـ*
وأما النوع الثاني: وهو الذي أفاد معنى غير مقصود لتوقف ما بعده عليه ليتم منه المعنى المراد فنحو الوقف على {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} وذلك لأنه يوهم النهي عن أداء الصلاة مطلقًا وليس كذلك، وإنما المقصود من الآية الكريمة لا تقربوا الصلاة حال كونكم سكارى حتى تعلموا ما تقولون. وهذا المعنى المقصود لا يتم إلا إذا انضم إليه ما بعده. وعليه فالوقف على {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} قبيح فيوصل بما بعده إلى أن يقف على قوله تعالى: {حَتَّى تَغْتَسِلُواْ} وهو كاف.
ومنه الوقف على لفظ "بجناحيه" في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} ؛ لأن ذلك يوهم نفي ما هو مشاهد من مخلوقات الله، وهذا لا يجوز، وإنما يكون الوقف على "أمثالكم" وهو كاف.
ومنه الوقف على لفظ "والظالمين" من قوله تعالى: {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}؛ لأنه يوهم أن الظالمين داخلون في رحمة الله وليس كذلك بل أعد لهم العذاب الأليم، فالوقف يكون على لفظ "رحمته" وهو تام.
ومنه الوقف على "والذين آمنوا" من قوله تعالى: {الذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ؛ لأنه يوهم دخول المؤمنين مع الكافرين في العذاب الشديد وليس كذلك بل أعد المغفرة والأجر الكبير للمؤمنين، أما العذاب الشديد فهو خاص بالكافرين. فالوقف يكون على قوله تعالى: "لهم عذاب شديد" وهو كاف، وذلك ليفصل بين ما أعد للفريقين من جزاء.
أو توصل الجملة الأولى بالثانية ويوقف على الفاصلة إن كانت هناك طاقة لدى القارىء بحيث يعطي الحروف حقها ومستحقها في التلاوة كما هو مقرر، وإلا فلا.
فكل هذا وما ماثله مما هو خارج عن حكم الأول في المعنى لا يجوز الوقف عليه لما تقدم باستثناء الضرورة.
وأما النوع الثالث: وهو ما أوهم فساد المعنى وفيه سوء الأدب مع الله تبارك وتعالى وهو أقبح من القبيح فنحو الوقف على لفظ الجلالة "والله" في قوله تعالى: {فَبُهِتَ الذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} فهذا لا يجوز بحال، وإنما يجوز الوقف على لفظ "كفر" أو على لفظ "الظالمين" وهو آخر الفاصلة.
ومثله الوقف على لفظ "لا يستحي" في قوله تعالى: {* إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وهذا لا يجوز بحال، وإنما يكون الوقف على "فما فوقها". ولا يخفى ما في ذلك من فساد المعنى، وسوء الأدب مما هو ظاهر لا يصح التفوه به.
وأقبح من هذا وأشنع الوقف على المنفي الذي بعده الإيجاب وفي هذا الإيجاب وصف الله تعالى أو لرسله عليهم الصلاة والسلام وذلك نحو قوله تعالى: {فَعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللَّهُ} وقوله سبحانه: {وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللَّهُ}. بأن وقف على لفظ "إله" في الآيتين، والقبح في هذا الوقف ظاهر لا يصح التفوه به أيضًا. وإنما يكون الوقف على لفظ "وللمؤمنات" في الآية الأولى وهو تام، وعلى لفظ الجلالة في الثانية وهو كاف.
ومثل ذلك الوقف على لفظ "أرسلناك" في قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} فإنه يؤدي إلى نفي رسالته ، وإنما يكون الوقف على "للعالمين" آخر الفاصلة.
ومثله الوقف على لفظ "من رسول" في قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وفي قوله سبحانه: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} فإنه يؤدي إلى نفي إرسال جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام. وإنما يكون الوقف على لفظ الجلالة في الآية الأولى، وعلى لفظ "لهم" في الآية الثانية.
فكل هذه الوقوف وما ماثلها يجب ألا يوقف على شىء منها لما تقدم إلا من ضرورة كما ذكرنا آنفًا.
فإن وقف القارىء على شيء منها أو مما شاكلها لضرورة وجب عليه أن يبتدىء بما قبل الكلمة الموقوف عليها ويصلها بما بعدها إلى أن ينتهي إلى ما يجوز أن يقف عنده، فإن لم يفعل ذلك وتعمد الوقف فقد أثم إثمًا كبيرًا وأخطأ خطأ فاحشًا، وخرق الإجماع وحاد عن إتقان القراءة وإتمام التجويد. نسأل الله تعالى التوفيق والهداية إلى أقوم طريق.